635
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ الثَامِنُ والثَلاثون
عمرو بن هند
وتذكر بعض الروايات سبب غضب "كسرى" على النعمان، أن "زيد"، وهو ابن المقتول "عدي بن زيد" الذي نال مكانة عظيمة عند كسرى، أو عمه، كانا قد دبّرا مكيدة للايقاع بالنعمان. فلما طلب "ابرويز" النساء، دخل عليه "زيد"، فكلمه فيما دخل فيه، ثم قال: إني رأيت الملك كتبَ في نسوة يُطلبَن له، فقرأت الصفة، وقد كنت بآل المنذر عالماً، وعند عبدك النعمان من بناته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة. قال: فتكتب فيهنّ. قال: أيها الملك، إن شرّ شيء في العرب وفي النعمان خاصة أنهم يتكرّمون عن العجم،. فأنا أكره أن يغيبّهن، فابعثني وابعث معي رجلاً من العجم من حرسك يفقه العربية، حتى أبلغ ما تحبه. فبعث معه رجلاً جليداً فخرج به زيد حتى بلغ "الحيرة" فلما دخل على الملك النعمان، قال: إنه قد احتاج إلى نساء لأهله وولده، وأراد كرامتك بصهره، فبعث اليك. فشق عليه، فقال لزيد.: أما في بَقرَ السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا? فقال زيد للنعمان: إنما أراد كرامتك؛ ولو علم أنّ هذا يشق عليك، لم يكتب اليك به. وعادا. فلما دخلا على "كسرى"، وقصّا عليه ما وقع وحدث، عرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع. وسكت "كسرى" على ذلك أشهراً، ثم فعل ما فعل بالنعمان. وانتقم "زيد" بهذه المكيدة من النعمان قاتل والده.
وقد أشير إلى مصرع النعمان في شعر عدد من الشعراء مثل سلامة بن جندل، وقد ورد فيه ذكر القاء كسرى للنعمان تحت أرجل الفيلة. ويتفق هذا الرأي مع رأي ابن الكلبي ويعارض رواية لحماد جاء فيها أنه مات بحبسه في ساباط.
وذكر أن هانىء بن مسعود الشيباني كان في جملة من رثى النعمان في شعر. وقد نعته ب "ذي التاج"، ويفهم من رثائه له أن موته كانت تحت أرجل الفيلة، حيث داست على رأسه. وورد في شعر شعراء آخرين أن "فيول الهند" تخبطته وداست عليه.
وهناك قصيدة نسبها بعضهم إلى زهير بن أبي سلمى، ونسبها آخرون إلى صرمة الأنصاري. ذكر فيها كيف ذهب النعمان - قبل ذهابه إلى كسرى - إلى من كان يحسن اليهم، ويغدق عليهم الألطاف، فلما غضب عليه كسرى لم يجره هؤلاء، ولم يساعدوه إلاّ ما كان من بني رواحة من عبس، فشكرهم النعمان وودعهم وأثنى عليهم، وقال لهم: لا طاقة لكم بجنود كسرى، فانصرفوا عنه.
وساباط: هو على ما يذكره أهل الأخبار، موضع بالمدائن، به كان حبس النعمان على رواية من صرح بأنه كان محبسه لا موضعاً آخر، ثم ألقاه تحت أرجل الفيلة. وذكر "ابن الكلبي" أنه إنما سمي بساباط نسبة إلى "ساباط بن باما" أخي النخير جان الذي لقي المسلمين في أهل المدائن.
ويظهر من شعر "للأعشى" إن "كسرى" أمر بالنعمان فحبس ب "ساباط" ثم ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته حتى مات. يقول الأعشى: هو المدخل النعمان بيتاً سماؤه نحور الفيول بعد بيت مسردق
وللبيد بن ربيعة العامري قصيدة نظمها في رثاء النعمان. من أبياتها: له الملك في ضاحي معد، وأسلمت إليه العباد كلـهـا مـا يحـاولُ
وضاحي معد، بمعنى ظاهر معد، لا في معد نفسها، لأن "ربّ معد" في ايامه هو "حذيفة بن بدر". أما النعمان فهو ملك على ما وراء ديار معد. والعباد هنا هي القبائل النصرانية المعروفة من أهل الحيرة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق