641
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ الثَامِنُ والثَلاثون
عمرو بن هند
ويظهر من كلام أهل الأخبار أن النابغة الذبياني كان من أكثر الشعراء صلة بالنعمان. وفي الشعر الذي يرويه الأخباريون عنه وينسبون قوله إليه، شيء كثير من المناسبات التي وقعت بين الملك وبين هذا الشاعر، وقد استاء خصوم النابغة من قربه من النعمان، ونيله جوائزه وألطافه، فسعوا به إليه حتى غضب عليه، وهَم بقتله، ولم ينجه من القتل إلا هربه من ال جفنة ملوك عرب الشام، فبقي في كنفهم مدة، ثم عاوده الحنين إلى صاحبه وحاميه القديم النعمان، فاعتذر إليه، وتنصل من التهم التي ألصقها خصومه به، وعاد يأخذ جوائزه ونعمه كما كان.
وذكر إن النعمان بن المنذر كان يكرم "النابغة" ويحبوه دوماً، أمر له مرة بمائة ناقة بريشها من نوق عصافيره، المعروفة بهجائن النعمان، وجام وآنية من فضة، وكانوا اذا حبا الملك بعضهم بنوق يغمزون في أسنمتها ريش النعام ليعلم إنها حباء الملك. ذكرَ "حسان بن ثابتً" انه وفد على النعمان بن المنذر فمدحه وأجازه الملك على مدحه وأكرمه. وبينا هو جالس عنده ذات يوم، اذا بالنابغة يدخل قبة الملك، وكان يوم ترد فيه النعم السود، ولم يكن بأرض العرب بعير أسود الا له، فأنشده كلمته التي يقول فيها: كانك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبدُ منهن كوكب
فدقع إليه مائة ناقة من الإبل السود، فيها رعاؤها، فما حسدت أحداً حسدي النابغة، لما رأيت من جزيل عطيته وسمعت من فضل شعره.
ويذكر المسعودي إن النابغة دخل على النعمان يوماً، وكان عنده نديمه خالد بن جعفر الكلابي، وكان ممن يعطف على النابغة، فمدح النعمان بشعر، " فتهلل وجه النعمان بالسرور، ثم أمر فحشي فوه جوهراً، ثم قال: بمثل هذا فلتمدح الملوك".
وتذكر رواية أخرى إن النابغة لما سأل حاجب النعمان الاستئذان للدخول عليه:
قال له الحاجب: الملك على شرابه. ولما سأله: من عنده ? قال: خالد بن جعفر بن كلاب! فتوسل إليه بأن يبلغه تحية النابغة، وأن يسهل له الدخول على الملك، ففعل وأمر النعمان حاجبه بادخاله عليه. فلما دخل، سلم عليه وحياه بتحية الملك، وجلس وهو يقول: "أيها المك. أيفاخرك صاحب غسان ? فوالله لقَفَاك أحسن من وجهه، ولشمِالك أجود من يمينه، ولأمك خير من أبيه ولغدك أسعد من يومه. فضحك النعمان. ثم قال لخالد: من يلومني على حب النابغة ? ألك حاجة ? قال: نعم. فقضى حوائجه بأسرها، وأحسن جائزته، فانصرف داعياً له".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق