655
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ الثَامِنُ والثَلاثون
عمرو بن هند
قوائم ملوك الحيرة
يصعب تصوّر حدوث خلاف بين الأخباريين في أسماء ملوك الحيرة وعددهم ومددهم، لدعواهم انهم أخذوا علمهم بهم من كتب كانت مدونة محفوظة في الحيرة ومن موارد أخرى هي كتب الفرس، وقد ذكر بعضهم ملاحظات من مثل قوله: "ذكر هشام عن أبيه انه لم يجد الحادث فيمن أحصاه كتّاب أهل الحيرة من ملوك العرب، قال: وظني انهم انما تركوه لأنه توثب على الملك بغير اذن ملوك الفرس، ولأنه كان بمعزل عن الحيرة التي كانت دار المملكة، ولم يعرف له مستقر، وانما كان سيارة في أرض العرب". ومثل ملاحظة أخرى لابن الكلبي أشرت اليها سابقاً،هي دعواه انه كان يستخرج أخبار العرب وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من عمل منهم لآل كسرى وتأريخ سنيهم من بيع الحيرة، وفيها ملكهم وامورهم كلها. فدعاوى مثل هذه لا تصور لنا وقوع اختلاف كبير بين الأخباريين في أسماء ملوك الحيرة:ومبالغ أعمارهم وتأريخ سنيهّم وأمثال ذلك، مع إننا نجد بين الأخباريين اختلافاً غير يسير في أسماء الملوك وفي ترتيب توليهم الحكم ومقدار سنيهم وأمثال ذلك. والعجب أنهم يعتمدون على مورد أو موارد مشتركة قد يشيرون اليها، ثم إذا بهم يختلفون في أمور ما كان ينبغي وقوع اختلاف ما فيها لأخذها من مورد مشترك أو موارد مشتركة.
وعدة ملوك الحيرة قد يزيد على العشرين ملكاً بقليل عند بعض الأخباريين، وقد ينقص عن هذا العدد عند بعض آخر. وقد ذهب المسعودي إلى أن عدة ملوكهم ثلاثة وعشرون ملكاً من بني نصر وغيرهم من العرب والفرس، وأن مدة ملكهم ستمائة سنة واثنتان وعشرون سنة وثمانية أشهر، وذهب حمزة إلى أن مدة ما حكمه ملوك الحيرة منذ عهد عمرو بن عديّ الذي اتخذها منزلاً إلى أن وضعت الكوفة واتخذت منزلاً في الإسلام هي خمسمائة وبضع وثلاثون سنة.
ونحن إذا فحصنا القوائم التي سجلها الأخباريون لملوك الحيرة،وفحصنا ما ذكروه من مدة حكم كل ملك إجمالاً، ثم قابلناه بما ذكروه بالنسبة إلى حكم ذلك مجزءاً على مدد حكمه بالقياس إلى من حكم في زمانه من ملوك الفرس، تجد اختلافاً بين ما ذكروه إجمالاً ثم ما ذكروه تفصيلاً، كذلك نجد مثل هذا الاختلاف بين المدة الاجمالية التي ذكروها لعمر مملكة الحيرة وبين المدد التي ذكروها لحكم كل ملك أيضاً على وجه الاجمال، مما يدل على انهم لم ينتبهوا إلى ملاحظة أمثال هذه الأمور الضرورية للمؤرخين.
ونجد قائمة "ابن الكلبي" لأسماء ملوك الحيرة ومدد حكمهم ومقدار حكم كل ملك بالنسبة إلى من عاصره من ملوك الفرس مدوّنة في تأريخ الطبري وفي تأريخ حمزة وفي تواريخ أخرى. ولاقتصار ابن الكلبي على ذكر مدد حكم ملوك الحيرة إجمالاً، ثم ذكرها تفصيلاً بما يقابل ذلك من سني حكم الأكاسرة دون الاشارة أبداً إلى ما يقابل ذلك أيضاً بالقياس إلى القياصرة، نستطيع أن نقول إن ابن الكلبي لم يغرف من موارد تأريخية استندت الى تواريخ الروم أو السريان، وانما غرف من مناهل تأريخية فارسية أو معتمدة على الموارد الفارسية، ومن موارد أهل الحيرة وهي موارد يظهر انها لم تكن تعتمد على أصول قديمة مدونة لتواريخ الحيرة، لأن أكثر ما رووه لا يختلف في طبيعته في الغالب عن النوع الذي ألفناه من أخبار الأخباريين.
وقد جزأ الطبري قائمة ابن الكلبي لملوك الحيرة، فوضعها قطعاً قطعاً في ثنايا حديثه عن ملوك الفرس وفي المناسبات، ولم يذكرها جملة واحدة في مكان واحد، أو في فصل مستقل خاص كما فعل غيره من المؤرخين، وتبلغ جملة ملوك الحيرة عشرين ملكاً، وقد ذكر مع كل ملك مقدار ما حكمه من سنين وأسماء من عاصرهم ذلك الملك من الأكاسرة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق