648
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ الثَامِنُ والثَلاثون
عمرو بن هند
ذو قار
وذو قار ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط. وبالقرب منه مواضع منها حنو ذي قار وقراقر وجبابات ذي العجرم وجذوان وبطحاء ذي قار. ويقع حنو ذي قار على ليلة من ذي قار.
يرجع الاخباريون سبب وقوع ذي قار الى مطالبة "كسرى ابرويز" هانىء ابن قبيصة بن هانىء بن مسعود أحد بني ربيعهّ بن ذهل بن شيبان بتسليم الودائع التي أودعها النعمان لديه إليه. فلما أبى هانئ تسليم ما اؤتمن عليه لغير أهله، غضب كسرى، فبعث الى الهامرز التستري، وهو مرزبانه الكبير، وكان مسلحه في القطقطانه، والى جلابزين وكان مسلحه في بارق، كما كتب إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين، وكان كسرى استعمله على سفوان بأن يرافقوا إياساً فإذا اجتمعوا فإياس على الناس. وجاءت الفرس معها الجنود والفيلة عليها الأساورة، فالتحموا بأرض ذي قار. فلما كان اليوم الأول،استظهر الفرس على العرب، ثم جزعت الفرس في اليوم الثاني من العطش، فصارت إلى الجبابات، فتبعتهم بكر وباقي العربان، فعطش الأعاجم، ومالوا إلى بطحاء ذي قار وبها اشتدت الحرب، وانهزمت الفرس، وكسرت كسرة هائلة، وقتل اكثرهم وفيهم الهامرز وجلابزين، وانتصر العرب على الفرس انتصاراً عظيماً، وانتصفت فيه العرب من العجم.
ويوم ذي قار لم يكن اذن يوماً واحداً، أي معركة واحدة وقعت في ذي قار وانتهى أمرها بانتصار العرب على الفرس، بل هو جملة معارك وقعت قبلها ثم ختمت ب "ذي قار"، حيث كانت المعركة الفاصلة فنسبت المعارك من ثم إلى هذا المكان. ومن هذه الأيام: يوم قُراقر، ويوم الحنو. حنو ذي قار، ويوم حنو قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العُجرم، ويوم الغدوان، ويوم البطحاء: بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار.
أما متى وقع يوم ذي قار، فالمؤرخون مختلفون في ذلك، منهم من جعله في يوم ولادة الرسول، ومنهم من جعله عند منصرف الرسول من وقعة بدر الكبرى، ومنهم من جعله قبل الهجرة. وقد ذهب "روتشتاين" إلى انه كان حوالي سنة "604 م"، وذهب نولدكه إلى انه بين "604" و "615 م". وأكثر أهل الأخبار انه وقع بعد المبعث ورووا في ذلك حديثاً قالوا إن الرسول لما بلغه من هزيمة ربيعة جيشَ كسرى، قال: "هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا".
والذي يستنتج من روايات أهل الأخبار عن معركة ذي قار إن "هانئ بن مسعود الشيباني"، لم يكن قائد بني شيبان ولا غيرها من العرب يوم ذي قار، بل تذهب بعض الروايات إلى انه لم يدرك هذا اليوم، لأنه هلك قبله،وانما هو: "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود". وترى روايات أخرى أن ""هانئ ابن مسعود"، كَان يخشى عاقبة هذه الحرب وانه لم يكن يريد مقابلة الفرس، و كل ما كان يريده هو الاحتفاظ برهينة النعمان، وأن الفرس عندما دنوا من العرب بمن معهم: "انسل قيس بن مسعود ليلاً فأتى هانئاً، فقال له: أعطِ قومك سلاح النعمان فيقووا، فإن هلكوا كان تبعاً لأنفسهم، وكنت قد أخذت بالحزم، وإن ظفروا ردّوه عليك. ففعل. فقسم الدروع والسلاح في ذوي القوى والجلد من قومه. فما دنا الجمع من بكر، قال لهم هانئ: "يا معشر بكر، إنه لا طاقة لكم بجنود كسرى ومن معهم من العرب، فاركبوا الفلاة". فتسارع الناس إلى ذلك، فوثب حنظلة بن ثعلبة بن سيار فقال له: انما أردت نجاتنا، فلم تزد على أن ألقيتنا في الهلكة، فرد الناس وقطع وضُن الهوادج، لئلا تستطيع بكر أن تسوق نساءهم إن هربوا - فسمي مقطعّ الوُضن -، وهي حزم الرحال. ويقال: مقطع البُطنُ، والبطن حزم الأقتاب، وضرب حنظلة على نفسه قبة ببطحاء ذي قار، وآلى ألا يفر حتى تفر القبة. فمضى من مضى من الناس، ورجع أكثرهم، واستقوا ماءً لنصف شهر، فأتتهم العجم، فقاتلتهم بالحنو، فجزعت العجم من العطش، فهربت ولم تقم لمحاصرتهم، فهربت الى الجبابات، فتبعتهم بكر وعجل"، "فقاتلوهم بالجبابات يوماً. ثم عطش الأعاجم، فمالوا الى بطحاء ذي قار، فأرسلت إياد إلى بكر سراً - وكانوا أعواناً على بكر مع إياس بن قبيصة: أي الأمرين أعجب اليكم. أن نطير تحت ليلتنا فنذهب، أو نقيم ونفر حين تلاقون القوم? قالوا: بل تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم". فلما التقى القوم في مكان من ذي قار يسمى "الجب" اجتلدوا والتحموا، فانهزمت "اياد" كما وعدتهم، وانهزم الفرس.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق