633
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ الثَامِنُ والثَلاثون
عمرو بن هند
جرت كل هذه المؤامرات على ما يقوله الأخباريون، وعديّ عند كسرى يقوم بوظيفته لا يدري بها. فلما كتب النعمان اليه: "عزمت عليك الا زرتني، فإني قد اشتقت إلى رؤيتك ". صدَّق كلامه، واستأذن كسرى فأذن له. وسار إلى منيته وهو لا يدري ما يخبئه له القدر. فلما وصل إلى من كان مشتاقاً إلى رؤيته، ألقاه في سجن منفرد لا يدخل عليه فيه أحد، وهو لا يدري بمّ سجن. وفي السجن أخذ ينظم أشعاراً يتضرع فيها إلى النعمان أن يفك أسره، ويعظه فيها بالموت وبمن هلك قبله من الملوك الماضين، وكاد يطلقه لولا وشاية أعدائه به. فلما طال سجنه، كتب بشعر إلى أخيه "ابي" وهو مع كسرى يستجير به للتوسط لدى كسرى أن يكتب إلى النعمان يأمره بفك أسره. فما كتب كسرى بذلك كتاباً أرسله مع شخص إلى النعمان، كتب خليفة النعمان عند كسرى إليه يبلغه بمجيء الرسول، وعرف أعداء عديّ من "بني بقيلة" من غسان، فقالوا للنعمان: اقتله الساعة قبل وصول الرسول اليك، فان لم تفعل فسيذهب إلى كسرى فلا يستبقي أحداً لا أنت ولا غيرك. فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات في سجنه بالصّنين. ولما وصل الرسول، رُشي بهدايا كثيرة نفيسة، فعاد إلى كسرى يخبره أن عدياً مات قبل وصوله بأيام.
وقد أحس عديّ بن زيد كما يقول الأخباريون بامتعاض خصمه عديّ بن أوس بن مرينا من الحيلة التي دبرها لنجاح النعمان وبمحاولته الغدر به، فأراد مصالحته واسترضاءه كما يقول الاخباريون فعمل له طعاماً دعا إليه من أحب عديّ ابن أوس بن مرينا حضوره، وحلف بعد انتهاء الطعام في البيعة أنه لن يحقد عليه، وأنه سيتناسى ما حدث، ورجا من خصمه أن يفعل مثله. فقام عديّ ابن أوس إلى البيعة، فحلف مثل يمينه أن لا يزال يهجوه أبدا ويبغيه الغوائل ما بقي. وقد كان. وهم يروون شيئاً من هذا التهاجي الذي وقع بين الخصمين.
ويذكر أهل الأخبار إن عدي بن مرينا صار يحرض الأسود ويحثه على الأخذ بثأره من عدي بن زيد، فكان يقول له: "أما اذا لم تظفر، فلا تعجزن أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل، فقد كنت أخبرك إن معداً لاينام كيدها". وعدي من تميم، وتميم من معد.
وهناك روايات أخرى في أسباب غضب النعمان على عدي وحبسه له في الصنين.
لا تخرج في جملتها عن حدود هذه المنافسة التي دبرها عدى بن مرينا وخصوم عدي له، ولكنها تجمع كلها على قتل النعمان لعدي.
وفي كتاب الأغاني رواية تذكر إن النعمان أرسل ذات يوم إلى عدي بن زيد إن يأتيه، فأبى أن يأتيه، ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه، وقد كان النعمان شرب، وأمر به فسحب من منزله حتى انتهى به إليه،فحبسه في الصنّين بظاهر الكوفة من منازل المنذر، وبه نهر ومزارع، وبقي هناك حتى لاقى حتفه.
ويظهر من شعر ينسب إلى عدي، قاله لابنته يوم باتت عنده مع أمها في السجن، وهي جويرية صغيرة، إن النعمان كان قد أمر بوضع الغلّ في يديه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق