1-9
تاريخ العالم الإسلامي - الفصل الأول - العصر الراشدي
عمر بن الخطاب-مقتله
انتهت حياة ذلك الرجل العظيم والعادل المحب لرعيته بضربة خنجر أصابته سنة 23 هـ- 644 م، وليس بغريب أن الإنسان لا يستطيع أن يرضي الخلق كافة، فإن عمر إذا كان أرضى العرب بما صنعه لهم وأرضى عامة العجم بما فاض عليهم من العدل فقد أغضب كبراءهم وذوي السلطان عليهم لأنه ثل عروش مجدهم وزلزل قصور عظمتهم.
كان المسلمون يسبون من أبناء فارس ويتخذونهم لأنفسهم عبيداً، وقد أحضروا عدداً منهم إلى المدينة، وكانوا يختلفون إلى الهرمزان ملك فارس الذي أضاع عمر ملكه وأقامه بالمدينة كواحد من الناس لا فضل له على أحد، وكان من هؤلاء السبايا رجل اسمه فيروز ويلقب بأبي لؤلؤة وهو غلام للمغيرة بن شعبة.
عن المِسوَر بن مخرمة قال: خرج عمر بن الخطاب يوماً يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانياً فقال يا أمير المؤمنين أعدني على المغيرة بن شعبة فإن عليَّ خراجاً كثيراً. قال: وكم خراجك؟ قال درهمان في كل يوم. قال: وايش صناعتك؟ قال نجار، نقاش، حداد. قال: فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال قد بلغني أنك تقول لو أردت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت. قال: نعم فاعمل لي رحى، قال: لإن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب، ثم انصرف عنه، فقال عمر: لقد توعدني العبد آنفاً[1].
قال عمرو بن ميمون: شهدت عمر بن الخطاب فما منعني أن أكون في الصف الأول إلا هيبته فكنت في الصف الذي يليه وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المتقدم بوجهه فإن رأى رجلاً متقدماً من الصف أو متأخراً ضربة بالدرة فذلك الذي منعني من التقدم، قال: فأقبل لصلاة الصبح وكان يغلس بها فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فطعنه ثلاث طعنات، فسمعت عمر وهو يقول: دونكم الكلب فإنه قد قتلني، وماج الناس، فخرج ثلاثة عشر رجلاً وصاح بعضهم ببعض دونكم والكلب فشد عليه رجل من خلفه فاحتضنه الخ[2].
ولما وجد عمر حرَّ السلاح سقط وقال: أفي الناس عبد الرحمن بن عوف، قالوا: نعم يا أمير المؤمنين هو ذا، قال: تقدم فصل بالناس، فصلى عبد الرحمن بن عوف وعمر طريح ثم احتمل فأدخل داره، ثم إن المهاجرين دخلوا على عمر وهو في البيت، فقالوا: استخلف علينا، قال عمر: والله لا أحملكم حياً وميتاً، فإن استخلفت فقد استخلف من خير مني يعني أبا بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني النبي (ص)، وبعد تردد فيما يخلفه أجمع رأيه أن يستخلف النفر الذين توفي الرسول (ص) عنهم وهو راض، فأرسل إليهم فجمعهم وهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، وكان طلحة غائباً فقال: يا معشر المهاجرين إني نظرت في أمر الناس فلم أجد فيهم شقاقاً ولا نفاقاً فإن يكن بعدي شقاق ونفاق فهو فيكم تشاوروا ثلاثة أيام فإن جاءكم طلحة إلى ذلك وإلا فاعزم عليكم بالله أن لا تتفرقوا من اليوم الثالث حتى تستخلفوا أحدكم، وليصل بكم صهيب خلال هذه المدة التي تتشاورون فيها فإنه رجل من الموالي لاينازعكم أمركم، وأحضروا معكم من شيوخ الأنصار وليس لهم من أمركم شيء وأحضروا معكم الحسن بن علي وعبد الله بن عباس فإن لهما قرابة وليس لهما من أمركم شيء، ويحضر ابني عبد الله مستشاراً وليس له من الأمر شيء، قالوا: يا أمير المؤمنين إن فيه للخلافة موضعاً فاستخلفه فإنا راضون به، فقال حسب آل الخطاب لحمل رجل منهم الخلافة ليس له من الأمر شيء، ثم قال: يا عبد الله إياك ثم إياك لا تتلبس بها، ثم قال: إن استقام أمر خمسة منكم وخالف واحد فاضربوا عنقه وإن استقام أربعة واختلف اثنان فاضربوا أعناقهما، وإن استقام ثلاثة واختلف ثلاثة فاحتكموا إلى ابني عبد الله فلأي الثلاثة قضى فالخليفة منهم وفيهم فإن أبى الثلاثة الأخر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين.
ثم قال: قد قومت لكم الطريق فلا تعرجوه، ثم التفت إلى علي بن أبي طالب فقال: لعل هؤلاء القوم يعرفون لك حقك وقرابتك وشرفك من رسول الله وما آتاك الله من العلم والفقه والدين فيستخلفونك فإن وليت هذا الأمر فاتق الله يا علي فيه ولا تحمل أحداً من بني هاشم على رقاب الناس، ثم التفت إلى عثمان فقال: يا عثمان لعل هؤلاء يعرفون لك صهرك من رسول الله وسنك وشرفك وسابقتك فيستخلفونك إن وليت هذا الأمر فلا تحمل أحداً من بني أمية على رقاب الناس.
قال حذيفة: كان مثل الإسلام أيام عمر مثل أمر مقبل لم يزل في إقبال، فلما قتل عمر أدبر فلم يزل في إدباره[3].
قال كارل بروكلمان: فلم يكن محمد يموت حتى استولى هؤلاء (يعني أصحاب النبي (ص) المكيين القدماء) على زمام الأمر وكان عمر بن الخطاب أعظمهم شأناً، والروايات تصور لنا دائماً هذا الرجل الطويل القامة وهو يحمل سوطاً ينتهر به ابنته حفصة، بل ينتهر سائر أزواج النبي فيخفنه بأكثر مما يخفن محمداً نفسه وأياً ما كان فهو لم يل أمر المسلمين مباشرة بل قدم لهذه الولاية صديق الرسول الأول أبا بكر ولم يصبح هو صاحب السلطة بصورة رسمية إلا عندما توفي أبو بكر... ثم قال قتل عمر وهو في غمرة نضاله الجليل بسبيل نشر راية الإسلام وعزم الشباب لما يزل أو يكاد ملء برديه[4].
[1] تاريخ الطبري ج5
[2] الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة
[3] تاريخ ابن عساكر ج7 - مخطوط
[4] تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق