إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 28 يونيو 2014

6-15 تاريخ العالم الإسلامي - الفصل السادس - مصر والشام وجزيرة العرب الحروب الصليبية:



6-15


تاريخ العالم الإسلامي - الفصل السادس - مصر والشام وجزيرة العرب

الحروب الصليبية:

كان قدوم الزوار من النصارى إلى بيت المقدس عظيماً، كادت تكون هذه الزيارة أكبر العلاقات التي كانت تربط الغرب بالشرق، وكان عدد الزوار النصارى يزداد يوماً عن يوم إلى تلك الديار، وكانت الأرض المقدسة بيد التركمان الذين خلفوا العرب في السلطان، والفرق بين السلطتين عظيم، أخذ التركمان يشددون ولا يسمحون لأولئك الحجاج النصارى بالدخول إلى الأرض المقدسة إلا من كان يحمل معه إجازة مرور يتناولها منهم.

واتفق أن راهباً فرنسياً يدعى بطرس – وزاد التاريخ – الناسك، وكان ترهب وانزوى عن الأهل والأصحاب وساح متنسكاً فزار بيت المقدس وأخذته الحمية والتعصب لاستخلاص تلك الأماكن من أيدي المسلمين بدعوى أن زوار بيت المقدس من النصارى مضطهدون، فلما رجع إلى ايطاليا اجتمع بالبابا أوربانوس الثاني وخاطبه في ذلك، فوافقه البابا وأمره أن يطوف ببلاد الفرنج يدعوهم ويحرضهم لإنقاذ الأرض المقدسة.

بدأ هذا الراهب يتنقل من بلد إلى بلد ومن مقاطعة إلى مقاطعة يندب ما آلت إليه حال زوار بيت المقدس ويستفز غيرة أمم الفرنج وحماستهم داعيهم إلى إقامة حرب مقدسة تحفظ بها النصرانية  كيانها وتنزل بالكافرين أشد العقاب.

وفي المجمع الأخير الذي عقد بفرنسا سنة 448هـ-1095م، دعا أوربانوس أوربا لإقامة الحرب المقدسة، وتبعه الناس أفواجاً أفواجاً ورسموا جميعاً على صدورهم صورة الصليب باللون الأحمر وجعلوا هذه العلامة على الأسلحة والألوية والرايات والبنود، ومن ذلك الوقت سموا بالصليبيين.

وفي أواخر سنة 490هـ- 1097، اجتمع في القسطنطينية أربعة جيوش متحالفة من اللورين والألمان بقيادة بودوين دي هينو وفرنسيس من الشمال بقيادة القومس فرماندوا ودوق نورمنديا وبرفنسيون بقيادة قومس طولوز ونورمانديون من ايطاليا بزعامة بوهيموند دي ترانت وتنكري، ولم يكن مع هذه الأمم ملك من ملوكهم ولم يتفق رأي الغزاة على نصب ملك يرتضونه ويرجعون إليه.

وبعد سنتين ونصف مضت في المصائب الهائلة والجدال العنيف استولى الصليبيون على الرها وعلى انطاكية وبلغوا القدس واستولوا عليها وربما هلك في هذه الحملة نصف مليون من الرجال حتى تهيأ للصليبيين أن ينشئوا أربع إِمارات: إمارة القدس و إمارة انطاكية وإمارة الرها وإمارة طرابلس، قسمت اقطاعاً على الفرسان الغربيين، أما المدن الكبرى في الساحل الشامي فقسمت مستعمرات أوربية.

ولما توغل الصليبيون في البلاد، وكانوا في كل بلد يدخلونه يقتلون أهله ويخربون عمرانه ويحرقون كتبه ومتاعه وآثاره، هام الناس على وجوههم في البراري ومنهم من قصد إلى داخلية الشام ومنهم من فر إلى مصر على حالة رثة.

قال ميشو: وقد ارتكب الصليبيون في فتح القدس أنواع التعصب الأعمى الذي لم يسبق له نظير حتى شكا من ذلك المنصفون من مؤرخيهم، فكان يُكرِهون العرب على إلقاء أنفسهم من أعالي البروج والبيوت ويجعلونهم طعاماً للنار، ويخرجوهم من الأقبية وأعماق الأرض ويجرونهم في الساحات، ويقتلونهم فوق جثث الآدميين[1].

وأعظم العوامل التي ساعدت الصليبيين على هذا الفتح تفرق كلمة القابضين إذ ذاك على زمام الأمر في آسيا الصغرى، ولو كانت كلمة هؤلاء القائمين متحدة وحكوماتهم قوية منظمة لتعذر كل التعذر على الصليبيين أن يزحفوا على انطاكية، ثم يسير جيشهم حتى يأخذ الساحل ويبلغ بيت المقدس على كثرة عددهم.

وطمع الفرنج بعد قتل والد نور الدين عماد الدين زنكي، وظنوا أنهم يستردون ما أخذه، فلما رأوا من نور الدين جده وإقدامه علموا أن ما أملوه بعيد وخاب ظنهم واستنجدوا بحملة ثانية من بلاد الافرنج لأن الصليبيين في الشام قد ساءت بعد سقوط الرها وقل فارسهم وراجلهم لأن سيوف التركمان والأكراد والعرب قد حصدتهم، وعلى كثرة تناسلهم مدة نصف قرن أصبحوا في قلة وأصبح أعداؤهم في كثرة.

ويرى مؤرخو الحروب الصليبية من الفرنج أن جيش الحملة الصليبية الثانية كان أكثر نظاماً وقيادة من جيش الحملة الأولى وليس فيه المتشردون والأشقياء، بل كان مؤلفاً من فرسان وبارونات وغيرهم أخذوا بالحماسة الدينية وساروا في قيادة ملكين عظيمين[2].

ونشبت الحرب 543هـ-1148م، في ناحية المزة بين جيش الصليبين بقيادة كونراد الثاني ولويس السابع وبودوين، وجيش المسلمين الذي كان يضم من الأتراك والتركمان وأحداث البلد والمطوعة والغزاة الجم الغفير، وبعد وقعات حصلت بين الطرفين انكسر جيش الصليبيين في بساتين المزة ولحق فلهم بالساحل.

ثم حصر السلطان صلاح الدين عسقلان وتسلمها، ثم فتح الرملة والداروم وغزة وبيت لحم ويبنى وبيت جبريل وتبنين والنطرون ومشهد الخليل ولد وغيرها ثم نازل القدس وبه من الفرنج عدد لا يحصى، فطار الخبر إلى القدس فطارت قلوب الفرنجة رعباً وضعفت أفئدتهم خوفاً من جهة صلاح الدين وطلبوا منه الأمان فأجابهم صلاح الدين إلى ذلك ودخل البلد، وبعد أن قرر أمور القدس أخذ يفتح المدن والحصون التي بيد الافرنج حتى استولى على جميع البلاد التي كانت بيدهم، ولم يبق لهم إلا يافا وصور وطرابلس.

وبينما صلاح الدين على عكا يغادي الفرنج القتال ويراوحهم، جاءت الحملة الصليبية الثالثة، وكانت هذه الحملة مؤلفة من ثلاثة ملوك فريدريك باربروس ملك ألمانيا، وفيليب أوغست ملك فرنسا وريشاردس قلب الأسد.

وكان كل يوم تقع بين صلاح الدين والفرنج مناوشات لقيت من بأس صلاح الدين وشدته، وكتب ملك الانكليز إلى الملك العادل يسأله الدخول على السلطان بالصلح فلم يجب السلطان إلى ذلك أولاً ثم اتفق رأي الأمراء على الصلح لضجر العسكر وكثرة نفقاتهم فأجاب السلطان إلى ذلك، واستقر أمر الهدنة في البحر والبر وجعلت مدتها ثلاث سنين وثلاثة أشهر على أن يستقر بيد الافرنج يافا وعملها وقيسارة وعملها وأرسوف وعملها وحيفا وعملها وعكا وعملها وأن تكون عسقلان خراباًَ، واشترط السلطان دخول بلاد الاسماعيلية في بلاد الهدنة، واشترط الافرنج دخول صاحب انطاكية وطرابلس في عقد هدنتهم، وأن تكون لد والرملة مناصفة بينهم وبين المسلمين، فاستقرت القاعدة على ذلك، واتفقت وفاة السلطان بعد الصلح بيسير.

وبينا كان داخلية البلاد مشتغلة بالنصب والعزل وتقاتل أبناء البيت الواحد على الملك والسلطان اجتمعت الفرنج من داخل البحر ووصلوا إلى عكا في جمع عظيم وهذه هي الحملة الصليبية الخامسة 616-618هـ/1219-1221م، وكانت مؤلفة من ألمان ومجر، وأما الحملة الرابعة فكانت توقفت في طريقها إلى الشام واستولت على الاستانة فانفسخت بذلك الهدنة بين المسلمين والفرنج، فخرج العادل بعساكر مصر ونزل على نابلس فسارت الفرنج إليه، ولم يكن معه من العساكر ما يقدر به على مقاتلتهم فاندفع قدامهم إلى عقبة فيق فأغاروا على بلاد المسلمين ووصلت غاراتهم إلى نوى من بلد السواد ونهبوا ما بين بيسان ونابلس وبثوا سراياهم فقتلوا وغنموا من المسلمين ما يفوت الحصر وبلغوا خربة اللصوص والجولان، ثم صعدوا إلى الطور وقتل منهم، ثم رجعوا إلى عكا، ووصلت حملة منهم قدرها خمسمائة من صيدا إلى جزين قرب مشغرا فانهار عليهم الميادنة من الجبال فلم يفلت منهم سوى ثلاثة أشخاص.

وفي سنة 618هـ-1221م، قوي طمع الفرنج المتملكين دمياط في مدينة المنصورة التي بناها الكامل، واشتد القتال بين الفريقين براً وبحراً، وبينا الأمر متردد في الصلح عبر جماعة من عسكر المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي عليها الفرنج من بر دمياط ففجروا فجرة عظيمة من بحر النيل، وكان ذلك في قوة زيادته، فركب الماء تلك الأرض وصار حائلاً بين الافرنج وبين دمياط وانقطعت عنهم الميرة والمدد فبعثوا يطلبون الأمان على أن ينزلوا عن جميع ما بذله المسلمون لهم ويسلموا دمياط ويعقدوا الصلح، فنجت بلاد الشام بل بلاد مصر من الفرنج في هذه النوبة بفضل فرجة من النيل دهمتهم، فخابت آمالهم وخذلتهم قوتهم وتحكم فيهم من كانوا يستطيلون عليهم ويشتطون في مطالبتهم، وكانت مدة إقامتهم في بلاد الإسلام مابين الشام والديار المصرية أربعين شهراً وأربعة عشر يوماً.

وجاءت الحملة الصليبية السادسة 625-626 هـ/1228-1229م، وكانت بزعامة الانبرور فريدريك الثاني، وكان سياسياً داهية فلم يدخل في حرب مع المسلمين بل فاوض الكامل وتسلم القدس وبيت لحم والناصرة لمدة عشر سنين.

ولما انتهت مدة المعاهدة التي عقدت بين فريدريك الثاني والملك العادل عادت القدس إلى المسلمين، وعندها عمد سان لوي ملك فرنسا أن يسترجعه منهم وكان هو السبب في تأليف الحملة الصليبية السابعة والثامنة، وجاء في الأولى إلى دمياط وانهزم مع جيشه هزيمة فاضحة في المنصورة بمصر وأسر جميع من معه فاضطر أن يدفع فدية عظيمة عن نفسه وعن جماعته، ثم عاد إلى بلاده، فزين له أخوه أن يذهب إلى تونس ومنها يذهب ليفتح مصر والشام فهلك في تونس بالطاعون 668هـ-1270م، وبذلك انتهت الحروب الصليبية.

انتهت الحروب الصليبية بعد أن انقطع المدد عنهم من البحر وولوا وجهتهم إلى قتال العرب في الأندلس، انتهت هذه الحروب بعد أن فقدت أوربا كثيراً من الأنفس والأموال وإن عادت عليها بالنفع العميم بما اكتسبته من الشرق من صناعات وغيرها.

ساعد الصليبيين على الإقامة طول هذه المدة الخلاف الذي شجر بين آل أيوب، ولولا هذا الخلاف لضُرِبَ الصليبيون الضربة القاضية الأخيرة بعد مهلك صلاح الدين بسنين قلائل.

ومما أخر القضاء على بقايا الصليبيين في الساحل ظهور التتار في البلاد بعد قضائهم في منتصف القرن السابع على الخلافة العباسية، فأصبحت الشام بين عدوين أتى الأول من الغرب فأقام وطال مقامه، وجاءها الثاني من المشرق، فكان يخرب بلادها ويغنم ويقتل، ثم يذهب، ثم يعادوها.

قال غوستاف لوبون: إذا نظرنا إلى نتائج الحروب الصليبية التي ندب الصليبيون أنفسهم للاستيلاء على فلسطين نجد النتيجة التي قامت لأجلها تلك الحرب نتيجة خاسرة بالرغم مما بذلت أوربا من الرجال والأموال خلال قرنين، وظل المسلمون القابضين على تلك المقاطعات التي رغب النصارى أن يسلبوها من أيديهم[3].



[1] خطط الشام – لمحمد كرد علي ج 1

[2] خطط الشام – لمحمد كرد علي جذ

[3] حضارة العرب لغوستاف لوبون G.Le Bon – La civilisation des Arabes



يتبع



يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق