1-8
تاريخ العالم الإسلامي - الفصل الأول - العصر الراشدي
عمر بن الخطاب - بعض العوامل التي جرأت العرب وساعدتهم على ذلك الفتح:
إن من يمعن النظر في أمة كانت بالأمس قبائل متفرقة متباغضة يدهش أن يراها تصبح في زمن قصير أمة قوية الشكيمة، تقهر تينك الدولتين العظيمتين دولة الرومان الشرقية البيزنطية ودولة الفرس الساسانية.
لا جرم أن لهذا الفتح عوامل جرأت العرب وساعدتهم على اكتساح سلطانهما:
جرأهم على ذلك اعتقادهم صدق الدعوة التي دعوا إليها- اعتقادهم أنهم إنما يفتحون الدنيا في سبيل الدين، وأن الله يدعوهم إلى نشر الإسلام في الأرض، وأنه من مات منهم مات شهيداً وما في الآخرة خير وأبقى.
جرأهم على ذلك تعاليم الإسلام التي أمرت بالمؤاخاة والتعاضد وتوحيد الكلمة وطرح العصبية القبيلية في زوايا الإهمال.
جرأ العرب على ذلك ضعف الروم والفرس على أثر حروب بينهما قبيل الإسلام، ويتبع ذلك ظلم الرعية وإرهاقها، وفوضى في الحكم، وانقسام في المعتقدات والآراء إلى ما هنالك من عوامل التقهقر والانحلال.
وقد زاد العرب رغبة في حرب الشام والعراق ومصر ما علموه من خصب تلك الأرضين وكثرة خيراتها، وبلادهم قاحلة لا تفي بمطامعهم.
ساعدهم على ركوب هذا المركب الخشن كونهم أهل بادية تعودوا خشونة العيش فأصبحوا لا يبالون بالجوع ولا العطش، وللإبل فضل كبير في تغلب العرب لأنها كانت تقوم عندهم مقام المركبات والخيول والماشية عند الروم، فالعربي يركب ناقته ويحمل عليها أثقاله ويغتذي من لبنها ويستريح في ظلها وهي تقتات بالعشب في الصحراء ولو يابساً وتصبر على الجوع وتحتمل الظمأ أياماً. وأما الرومي أو الفارسي فلا يستطيع الانتقال إلى الحرب إلا بالأحمال والأثقال من المؤونة والذخيرة مالا يقوى على حمله إلا المركبات، والمركبات تحتاج في جرها إلى دواب، والدواب تحتاج إلى طعام ومياه.
ساعدهم على ذلك اعتقادهم بالقضاء والقدر وأن الإنسان لا يموت إلا إذا جاء أجله ولو كان على فراشه وإذا تأخر أجله فلا يصاب بسوء ولو كان تحت مراهف السيوف، وكان هذا الاعتقاد متمكناً فيهم وهو علة معظم ما كان يبدو من بسالتهم في وقائعهم المشهورة.
ساعدهم على ذلك مهارتهم في ركوب الخيل ورمي النبال فقد كانوا أمهر من الروم والفرس فيهما.
ساعدهم على ذلك رجال صدر الإسلام وقواده في الحرب والسياسة والدهاء والحكمة والتقوى وصدق العزيمة كأبي بكر وعمر وعلي بن أبي طالب وأبي عبيدة ابن الجراح وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة، الخ.. الذين كانوا من أكبر العوامل في سرعة نجاح هذا الفتح.
ساعدهم على ذلك نجدة العرب كالغساسنة في الشام والمناذرة بنو لخم في العراق، ولم يكن هؤلاء يحبون الروم ولا الفرس، وإنما كانوا يخضعون لهم قسراً أو طمعاً بالغنائم إذا حاربوا معهم، وخصوصاً المناذرة فقد كان بينهم ضغائن على أثر مقتل النعمان بن المنذر الملقب بأبي قابوس، فكان هؤلاء العرب أقرب سائر الأمم إلى نجدة الإسلام للأسباب التي قدمناها.
ساعدهم على ذلك خط الرجعة فكانت قاعدة العرب في حروبهم المحافظة على خط الرجوع، فلا يقاتلون الفرس أو الروم إلا وهم في حوطة، وكان حفظ ذلك الخط هيناً عليهم لأنهم كانوا يجعلون الصحراء وراءهم وهي ملجأهم، فإذا اندحروا لا يستطيع الروم أو الفرس اللحاق بهم إليها، ومتى عاد العدو إلى مساكنه عاد العرب عليهم، وهكذا حتى يقلقوا راحتهم ويضعفوهم بالمطاولة والصبر ولو كانوا أقل عدداً منهم.
ساعدهم على ذلك نقمة الرعايا على حكامهم فقد تاقت أنفس كثير منهم إلى الانتقال من سلطان الروم والفرس إلى سلطان العرب فراراً من الظلم أو الضغط، وزد على ذلك أن المرء من طبعه يرجو النفع من البعيد أكثر من القريب، ويتوسم الخير في القادم المجهول أكثر مما في الحاصل المعلوم.
ساعدهم على ذلك اضطهاد اليهود، ولما جاء المسلمون لفتح الشام كانت البغضاء قد بلغت معظمها وود اليهود أن يخسروا أموالهم مع رغبتهم في الأموال في سبيل الانتقام من الروم، وكانوا عوناً للعرب عليهم يدلونهم على عورات المدن.
ساعدهم على ذلك عدل المسلمين ورفقهم وزهدهم وتسويتهم بين الناس فكان لتلك المناقب تأثير عظيم في من يدخل في سلطان المسلمين من رعايا الروم أو الفرس.
ساعدهم على ذلك إبقاء الناس على أحوالهم فكان العرب إذا فتحوا بلداً أقروا أهله على ما كانوا عليه من قبل لا يتعرضون لهم في شيء من دينهم أو معاملاتهم أو أحكامهم المدنية أو القضائية أو سائر أحوالهم، فكان فتحهم كالاحتلال العسكري في هذه الأيام، وكان ما يأخذونه من الجزية ثمناً لحمايتهم، وكان الروم قد تعودوا أداء مثل هذا المال للعرب المقيمين في حدود الشام من الغساسنة وغيرهم يبتاعون به نصرتهم على الفرس كما كان الفرس يؤدون المال إلى عرب العراق لينصروهم على الروم، فلم يكن استيلاء المسلمين ثقيلاً على الناس بل كان الأهالي كثيراً ما يفضلونهم على حكامهم الأصليين، والجزية التي كانوا يتكلفون دفعها إلى المسلمين أقل كثيراً من مجموع الضرائب التي كانوا يؤدونها إلى الروم والفرس.
قال سيديو: عود النبي الصحابة على الجهاد وأعلمهم بنحو الحديث: جعل رزقي تحت ظل رمحي إن الدنيا نصيب المؤمنين بقوة عزائمهم فغلب عليهم في الجهاد هيام ديني، ولاسيما إذا حثهم الرؤساء حين تقوم الحرب على ساقها بقولهم: إن الجنة أمامكم والنار خلفكم، فإنهم بهذه الموعظة المبشرة بالجنة والحماسة المثيرة طباع الحرب وشدة الضرب والطعن يلقون أنفسهم وسط المعركة فيفوزون في أكثر الحروب بالنصر بعد أن ينازل رئيسهم أشجع الأعداء قبل انعقاد الواقعة إلا أنهم كانوا يجهلون تعبئة الجيش فاعتنوا بمعرفة استعدادات أعدائهم الحربية وانتظاماتهم العسكرية فأخذوا يقلدونهم حتى عودوا عساكرهم الانتظام وعرفوا كيف ينتفعون بفرسانهم بوضعهم على ميمنة الصفوف وميسرتها وقت القتال، وبالجملة توالت للعرب نصرات ضعفت بها الفرس وكذا الروم المنقسمون إلى أحزاب متعادية لاختلاف أديانها، المتعودون أن يستأمنوا على مملكتهم للحماية عنها غرباء مؤجرين لا يعرفون قوة عزائم الأمة العربية ظانين أن حربها كالحروب القديمة التي كان يؤول أمرها إلى الاتفاق والصلح مع الأعداء، فضيعوا بذلك زمناً نفيساً لم يتداولوا فيه مع هؤلاء الرجال الذين كانوا إذا نصروا أو انهزموا لايزالون مصرين على إلزام العدو إما الدخول في الإسلام أو دفع الجزية مع الصغار، على أن الرعايا الرومية كانت فرحة بحكم الإسلاميين لما رأت من صدقهم في المعاهدات والمعاملات وعدم تعسفهم وإجحافهم فأخذوا الروم يسلمون، وكل من نطق منهم بالشهادتين تثبت له حقوق الإسلام، ثم تكامل اختلاط الروم بالعرب فأخذ كل عربي يتزوج بروميات في آن واحد[1].
[1] خلاصة تاريخ العرب لسيديو
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق