1-2
تاريخ العالم الإسلامي - الفصل الأول - العصر الراشدي
أبو بكر الصديق انتخابه للخلافة:
كان للرسول (ص) وظيفتان يؤديهما لأمته: الأولى تبليغ الرسالة، والثانية كونه إماماً للمسلمين، فأما وظيفته الأولى فقد انتهت بموته، وأما الثانية فلم ير المسلمون بداً من إقامة من يخلف الرسول (ص) في خلافته.
لم يدفن الرسول حتى كانت هناك فكرتان: الأولى عدم تخصيص الخلافة ببيت من البيوت والثانية تخصيصها، وهذه الفكرة ذات شعبتين: الأولى تخصيصها بالبيت القرشي على اختلاف بطونه، والثانية تخصيصها بالقرابة القريبة من رسول الله (ص) وكان أقرب الناس إليه وقت موته من أعمامه العباس بن عبد المطلب ومن بني عمه علي وعقيل ابنا أبي طالب، ويمتاز علي من بينهم بسبقه إلى الإسلام وشهوده مشاهد الرسول وتزوجه بابنته فاطمة، ويمتاز العباس بأنه العاصب الوحيد له إن كان هناك إرث.
لما توفي الرسول وأعلنت وفاته اجتمع كبار الأنصار في سقيفة بني ساعدة أوسهم وخزرجهم بقصد المفاوضة في انتخاب خليفة للرسول، كان نظرهم متوجهاً إلى اختيار سعد بن عبادة، فإن سعداً خطب فيهم مبيناً ما للأنصار من الفضل والسبق إلى حماية الرسول (ص)، وأنه لا ينبغي أن ينازعهم في هذا الأمر أحد فأجابوه أصبت ووفقت، ثم ترادوا الكلام فيما بينهم، فقال قائل منهم: فإن أبى ذلك المهاجرون من قريش وقالوا نحن عشيرته وأولياؤه فماذا نقول لهم: فقال له آخر نقول منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا فقال سعد لما سمعها هذا أول الوهن.
بلغ هذا الاجتماع كبار المهاجرين أبا بكر وعمر وغيرهما فمضوا إلى السقيفة مسرعين حتى وصلوا إليها، افتتح أبو بكر الكلام وقال: إن الله جل ثناؤه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق فدعا إلى الإسلام فأخذ الله بنواصينا وقلوبنا إلى ما دعا إليه فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً لنا فيه تبع ونحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مع ذلك أوسط العرب أنساباً ليست قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة، وأنتم أيضاً والله الذين آووا ونصروا وأنتم وزراؤنا في الدين ووزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم إخواننا في كتاب الله تعالى وشركاؤنا في دين الله عز وجل وفيما كنا فيه من سراء وضراء، والله ما كنا في خير قط إلا وكنتم معنا فيه فأنتم أحب الناس إلينا وأكرمهم علينا وأحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لأمره ولما ساق لكم ولإخوانكم المهاجرين، فلا تحسدوهم وأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة والله مازلتم مؤثرين إخوانكم من المهاجرين وأنتم أحق الناس ألا يكون هذا الأمر واختلافه على أيديكم، وأبعد أن لا تحاسدوا إخوانكم على خير ساقه الله تعالى إليهم، وإنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر وكلاهما رضيت لكم هذا الأمر وكلاهما له أهل[1].
ولما أتم أبو بكر خطابه قام الحباب بن المنذر فقال: يا معشر الأنصار أملكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وظلكم ولن يجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة وأولو العدد والمنعة والتجربة وذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم وينتقص عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير فقال عمر: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن وبعد كلام له قام الحباب ثانية فقال: يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فكان بينه وبين عمر حوار[2] .
ثم قال أبو عبيدة يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وغير، فقام بشير بن سعد فقال: يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولي فضيلة وجهاد وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به من الدنيا عرضاً فإن الله ولي المنة علينا بذلك إلا أن محمداً من قريش وقومه أحق به وأولى وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبداً فاتقوا الله ولاتخالفوهم ولا تنازعوهم[3].
فقال أبو بكر هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا فقالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك لنبايعك فمد عمر يده إليه فبايعه، ثم أبو عبيدة ثم بشير بن سعد[4].
ولما رأت الأوس ما صنع بشير وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض: قوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر حتى كادوا يطؤون سعد بن عبادة وهو مريض لا يقدر على النهوض، وتخلف عن البيعة علي بن أبي طالب ومن معه.
ولما رأى بنو هاشم انحياز الناس إلى البيعة لأبي بكر واتفاقهم على الرضا بخلافته، وخصوصاً لما ثبت عندهم أن الخلافة غير النبوة، وأن أبا بكر أحق الناس بها بعد أن أنابه عنه الرسول في الصلاة بالمسلمين في حال مرضه، أقبلوا على بيعته وبايعه علي بعد وفاة زوجه فاطمة وذلك بعد ستة أشهر لموت أبيها على رواية الزهري عن عائشة[5].
وبعد أن تمت بيعة أبي بكر قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق إن شاء الله تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله[6].
[1] الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيية الدينوري
[2] تاريخ الأمم الإسلامية - لمحمد الخضري
[3] تاريخ الأمم الإسلامية - لمحمد الخضري
[4] تاريخ الأمم الإسلامية لمحمد خضر
[5] تاريخ أبي الفداء ج1
[6] أشهر مشاهير الإسلام – لرفيق العظم ج1
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق