1-13
تاريخ العالم الإسلامي - الفصل الأول - العصر الراشدي
عثمان بن عفان-بعض الأسباب التي أدت إلى قتله
إن من الأسباب التي دعت إلى قتل عثمان حياءه ولينه، وخلق الحياء يحمل صاحبه على الإغضاء عن كثير مما يكره، أما اللين فإن عثمان كان كثير التشاؤم يخاف الفتن على المسلمين ويود أن لا يكون فتح بابها على يده.
دعاه الحياء إلى التسامح مع من يناله منهم أذى في حق نفسه فلا يوجه إلى واحد منهم كلمة تسوءه وهذا وإن حسن عند الحكماء فإنه لا يحسن أبداً في سياسة الرعية، بل لابد لمقام الخلافة من هيبة في القلوب تقف بالناس عند الحد اللائق بهم.
ودعاه اللين يمتنع عن عمل أي تدبير لمعاقبة المفسدين الذين رفعوا إليه وثبت أنهم يديرون حركة الفتنة من غير مبالاة.
ومن الأسباب التي دعت إلى قتل عثمان وقوعه تحت تأثير قرابته، مثل عبد الله ابن سعد بن أبي سرح ومروان بن الحكم ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص.
ومنها حرمانه المجتمع الإسلامي من مكونيه الأولين أمثال علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وغيرهم من كبار الصحابة، واعتماده على فتيان بني أمية، فكان يرسل إلى الولايات الكبرى من أولئك الفتية، ويدع أمثال أولئك الكاملين عاطلين بلا عمل.
عزل عثمان أبا موسى الأشعري وولى مكانه عبد الله بن عامر بن كُرَيز وهو يومئذٍ ابن خمس وعشرين.
قال اليعقوبي: فلما بلغ أبا موسى ولاية عبد الله بن عامر قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه، ثم قال: قد جاءكم غلام كثير العمات والخالات والجدات في قريش يفيض عليكم المال فيضاً[1].
قال اليعقوبي: ولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط الكوفة مكان سعد وصلى بالناس الغداة وهو سكران أربع ركعات ثم تهوَّع في المحراب والتفت إلى من كان خلفه فقال: أزيدكم ثم جلس في صحن المسجد[2].
ومنها إنفاقه الأموال وإعطاؤه أقاربه وعشيرته العطيات الوافرة، ذكر ابن قتيبة: أنه اجتمع ناس من أصحاب رسول الله كتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه، وما كان من هبته خمس افريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة داراً لنائلة وداراً لعائشة وغيرهما من أهله وبناته، وبنيان مروان القصور بذي خشب الخ[3].
ذكر ابن الأثير: أن إبلاً من إبل الصدقة قدم بها على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأخذها وقسمها بين الناس، وعثمان في الدار[4].
ومنها ظهور الفتن في المدن الكبرى كالبصرة والكوفة ومصر التي حاكها أرباب الغايات فاستخدموا العامة لها وأثاروا نيراناً لم تخمدها إلا نتائج محزنة عادت على الإسلام والمسلمين بالخسران المبين.
وبكلمة أخرى إن العصبية القبيلية وجدت المجال أمامها فسيحاً لأن تعيد سيرتها الأولى، تلك العصبية التي لم ينتزعها الإسلام من قلوب العرب انتزاعاً أخيراً وقضى عليها القضاء الأخير، بل عملت عملها الفظيع وظلت نيرانها تتأجج في نفوس المسلمين.
مقتله:
ولما اشتد الطعن على عثمان خرج ناس من أهل مصر، وناس من أهل الكوفة، وناس من أهل البصرة، وكانت أهواء أهل الأمصار الثلاثة مختلفة، فأهل البصرة كانوا يريدون طلحة، وأهل الكوفة كانوا يريدون الزبير، وأهل مصر كانوا يريدون علياً، ولما وصلوا إلى المدينة اجتمع نفر من أهل مصر أتوا علياً، ونفر من أهل البصرة أتوا طلحة، ونفر من أهل الكوفة أتوا الزبير، فسلم المصريون على علي وعرضوا له بالأمر فرد عليهم رداً شديداً، وكذلك فعل طلحة والزبير بمن جاءهم.
وطلب أهل مصر تولية محمد بن أبي بكر فأجابهم عثمان إلى ذلك وكتب عهده وولاه، وانصرفت هذه الجموع حتى إذا كانوا على مسيرة ثلاث ليال من المدينة، فإذا هم بغلام أسود على بعير، فقال له أصحاب محمد ما قصتك وما شأنك كأنك طالب أو هارب؟ فقال: أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر، ففتشوه فإذا به يحمل كتاباً من عثمان إلى عبد الله بن أبي سرح، ثم فك الكتاب بمحضر من المهاجرين والأنصار فقرأه فإذا فيه إذ أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاقتلهم وأبطل كتابهم وأقر على عملك حتى يأتيك رأيي، فلما رأوا الكتاب فزعوا منه ورجعوا إلى المدينة، فجمعوا علياً وطلحة والزبير وسعداً ومن كان من أصحاب رسول الله، ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم وأخبروه بقصة الغلام وأقرؤوهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وقام أصحاب النبي (ص) فلحقوا بمنازلهم، وحصر الناس عثمان وأحاطوا به ومنعوه الماء والخروج ومن كان معه، فكان لا يصل إليهم إلا خفية.
ثم دخلوا بالكتاب على عثمان فقالوا: كتبت فينا كذا وكذا؟ فقال: إنما هما اثنتان أن تقيموا عليَّ رجلين من المسلمين أو يميني بالله ما كتبت ولا أمليت ولا علمت وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش الخاتم على الخاتم، فقالوا: قد والله أحل الله دمك ونقضت العهد والميثاق، فتركهم عثمان، وكان القوم يحاولون منه أن يخلع نفسه من الخلافة وهو يأبى.
استمر الحصار على عثمان واشتد عليه، وكان عثمان يطل عليهم من آن إلى آخر ويعظهم فلا تؤثر فيهم الموعظة، ثم شددوا عليه الحصار لما بلغهم أن جنداً من الأمصار أقبلت لنصر عثمان، فعجلوا بالأمر خوفاً من خطر يفاجئهم فأحرقوا أبواب الدار، ومنهم من تسوَّر من دار ابن حزم وكان جاراً له، ودخلت عليه جماعة فضربه الغافقي بحديدة، ثم ضرب بعضهم عنقه فقتله
وذلك سنة 35هـ - 656م.
[1] تاريخ اليعقوبي ج2 طبعة أوربا
[2] تاريخ اليعقوبي ج2 طبعة أوربا
[3] الإمامة والسياسة – المنسوب لابن قتيبة.
[4] تاريخ الكامل – لابن الأثير ج3
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق