361
عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة
الفصل الثالث : السياسة الداخلية لمعاوية رضي الله عنه
المبحث الثامن: الولاة والإدارة في عهد معاوية رضي الله عنه:
أولاً : البصرة: ومن أشهر ولاتها في عهد معاوية فهم:
ل ـ من سياسة زياد في العراق :
يعتبر زياد بن أبي سفيان عامل معاوية على البصرة والكوفة بعد عبد الله بن عامر والمغيرة بن شعبة، هو الذي قام بمعظم الإصلاحات الضرورية في ذلك الجناح الشرقي من الدولة الأموية وكان هذا الرجل يتمتع بقدرة إدارية فائقة . وقد استن زياد عدة قوانين وتنظيمات وقام بكثير من الإصلاحات في البصرة أولاً (45 ـ 50هـ) ثم في الكوفة بعد أن جُمعت المدينتان تحت إمرته في ولاية واحدة وذلك منذ سنة 50هـ، وحتى سنة 53هـ. فبنى دار الرزق في البصرة ، وهي شبيهة بمخزن المؤن في أيامنا هذه، فكان الأهالي يتمونون منها وعين أشخاصاً يشرفون عليها منهم، عبد الله بن الحارث بن نوفل، وروَّاد بن أبي بكرة. كما عين الجَعْد بن قيس النّمري مشرفاً على السوق ومراقباً على أسعار المواد الغذائية فيه . وكان يعطي قروضاً للتجار إذا ما ارتفعت الأسعار كي يحثهم على المحافظة على سعر السلعة أو بزيادة بسيطة. وإذا ما تحقق ذلك وتوفرت الحاجات: ارتجع ماله . وترك زياد الناس في البصرة أخماساً أما الكوفة فقد قسمهم إلى أرباع ، بدل الأسباع. واختار عريفاً لكل قسم يقوم بمهمة توزيع الإعطيات عل أفراد عشيرته، كما أنه كان مسئولاً أمام زياد عما يحدث في ناحيته، فيقوم بإرسال التقارير بما حصل فيها أولاً بأول إلى زياد واستطاع أن يضبط الأمور في المدينتين برجال من أهلها، وأصدر زياد أوامره بألاَّ يدخل أو يخرج أحد من الكوفة أو البصرة بعد صلاة العشاء وأوقع القصاص بالسارق وقاطع الطريق فعمَّ الأمن والطمأنينة بحيث أن المرأة كانت تنام وباب بيتها مفتوحاً، وأن الشيء ليسقط على الأرض فيظل ملقى دون أن يحركه أحد . ونظم العطاء من الديوان فحذف منه أسماء الذين توفوا ومن كان غائباً عن قطره ومن كان عابثاً بالأمن، فكان: إذا جاء شعبان أخرج أعطية المقاتلة فملأوا بيوتهم من كل حُلْو وحامض واستقبلوا رمضان بذلك، وإذا كان ذو الحجة أخرج أعطية الذرية ،ويشير البلاذري إلى أنه: كان لكل عيِّل جريبان ومائة درهم، ومعونة الفطر خمسين، ومعونة الأضحى خمسين ، واختار زياد حوالي خمسمائة رجل من أهل البصرة ليعملوا كحرس خاص له وكذلك حماية الأماكن الهامة وأعطى لكل واحد منهم ما بين ثلاثمائة إلى خمسمائة درهم، وأسند قيادتهم إلى شيبان بن عبد الله السعدي فكانوا يبرحون المسجد ، وبنى زياد مساجد عديدة، منها: مسجد بني عدي، ومسجد بني مجاشع، ومسجد الأساورة. وكان لا يدع أحداً يبني بقرب مسجد الجماعة مسجداً، فكان مسجد بني عدي أقربها منه . ويذكر ابن الفقيه: إن زياداً بنى سبعة مساجد فلم يُنسب إليه شيء منها، وأن كل مسجد بالبصرة كانت رحبته مستديرة فإنه من بناء زياد .وزاد زياد في مسجد البصرة زيادة كثيرة، وبناه بالآجر والجص، وسقفه بالساج، وبنى منارته بالحجارة . وكان يهتم بنظافة المدينة ويعتبر الأفراد مسئولين على نظافة بيوتهم ويعاقب من يهمل ذلك، فقد كان يأخذ صاحب كل دار بعد المطر إذا أضحت برفع ما بين يدي فنائه من الطين، فمن لم يفعل أمر ذلك الطين فألقي في مجلسه، وكان يأخذ الناس بتنظيف طرقهم من القذر والكناسات، ثم أنه اشترى عبيداً ووكلهم فكانوا يلمونه فهذه الرواية تشير إلى وجود موظفين مهمتهم مراقبة النظافة من ناحية، كما تشير إلى أن زياداً تنبه إلى أن نظافة الطرق أمر يجب أن يتولاه أشخاص معينون فاشترى عبيداً وكل إليهم تنظيف الطرق من القذر والكناسات واهتم زياد بتقدم الزراعة وتنظيم طرق الري: فبنى السدود ، وحفر القنوات ، كما أنه كان يمنح المزارع قطعة من الأرض الزراعية، مساحتها 60 جريباً ثم يدعه عامين فإن عمّرها أصبحت له، وإلا استردها منه، وأعطاها آخرين ينتظرونها ، ولكي يسهل الاتصال بين ضفتي نهر الفرات، فقد أصلح زياد قنطرة الكوفة وأعاد بناءها باللبِّن والطوب المقوّى، بعد أن كانت من أخشاب القوارب المتهالكة. وأصبحت تعرف بعد ذلك بجسر الكوفة . وأما عن كيفية تصرف زياد في موارد بيت مال الولاية فيشير البلاذري إلى: أن زياداً كان يجبي من كُوَر البصرة ستين ألف ألف، فيعطي المقاتلة من ذلك ستة وثلاثين ألف ألف، ويعطي الذرية ستة عشرة ألف ألف درهم، وينفق من نفقات السلطان ألفي ألف، ويجعل في بيت المال للبوائق والنوائب ألفي ألف درهم، ويحمل إلى معاوية أربع آلاف (ألف) درهم، وكان يجبي من الكوفة أربعين ألف ألف، ويحمل إلى معاوية ثُلثي الأربعة الآلاف ألف لأن جباية الكوفة ثلثا جباية البصرة. كما أن عبيد الله زياد، والذي خلف أباه على ولاية العراق حمل إلى معاوية ستة آلاف درهم فقال معاوية: اللهم أرض عن ابن أخي .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق