289
عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة
الفصل الثالث : السياسة الداخلية لمعاوية رضي الله عنه
المبحث الرابع : الخوارج في عهد معاوية:
ثالثاً : أهم الدروس والعبر والفوائد:
أهم الدروس والعبر والفوائد في محاربة معاوية للخوارج :
1 ـ إن الناظر في سلوك الخوارج زمن معاوية يجد أن خروجهم في ذلك العهد كان يستهدف إزعاج نظام حكم بني أمية وإضعافه، دون أن يكون لهم أمل في القضاء عليه .
2 ـ كانت بعض هذه الحركات مقتصرة على المجموعات المنسحبة من النّهروان والتي ظلت مشتتة في الأرياف وعدم وجود ما يشير إلى مشاركة الخوارج المقيمين في الكوفة فيها، وهو ما يؤكد عدم حصول تحوّل في موقف هؤلاء رغم التغيير الذي طرأ على السلطة .
3 ـ ومن الملاحظات، ما يخصّ الكوفيين الذين أبدى العديد منهم حماساً في محاربة الخوارج، وإذا كنا نعتقد أن تهديدات معاوية وعداء بعض الكوفيين للخوارج بسبب موقفهم من علي قد لعبت دوراً في دفع هؤلاء إلى المشاركة في قمع الثائرين، فإننا لا نستبعد أن تكون الرغبة الملحّة في إنهاء الحروب والانقسامات والعودة إلى الوحدة قد ساهمت بدورها في دفع الكوفيين إلى مساعدة معاوية في القضاء على هؤلاء المعارضين، رغم يقينهم أنَّهم سيفقدون مع الحكم الجديد امتيازاتهم و سيفقد مصرهم المكانة التي كان يتمتع بها في خلافةعلي
4 ـ كان معاوية رضي الله عنه على وعي تام بحقيقة المعارضة الخارجيّة و موقفها من السلطة ومن شخصه بالذّات، ولذلك لم يعمل على جلب الخوارج إلى صفّه وقرّر منذ اللحظة الأولى التصدي لهم بالقوة
5 ـ لم يتردد المغيرة بن شعبة في محاربة الخارجين على السلطة بالشرطة والجيش، ولم يقتصر استعمال القوة على الثائرين بل شمل حتى الذين بلغه أنهم ينوون الخروج مثل معين بن عبد الرحمن المحاربي وحيان بن ظبيان السّلمي وغيرهما وهو ما يدل على أن المغيرة كان يقوم بمراقبة تحركات الخوارج داخل المصر، ويتجسس عليهم وينزل عقوباته بهم تبعاً لما يصله عنهم من أخبار .
6 ـ أهم وأخطر ما قام به المغيرة رضي الله عنه هواستعماله أنصار علي رضي الله عنه ضد الخوارج مستفيداً من العداوة التي كانت بينهم وهو عمل استفادت منه الدولة الأموية على المدى القريب والبعيد، فعلى المدى القريب، حاصر المغيرة بأعماله الفكر الخارجي في الكوفة، وأسكت المعارضين الموجودين فيها دون أن يكلف الدولة خسارة تُذكر،.. فضلاً عن أنه شغل الكوفيين عن معارضة الدولة الأموية وأعطاها بذلك الفرصة لتدعيم نفوذها . أما عن المدى البعيد فقد عمَّق المغيرة الهوّة بين الخوارج والشيعة وأبعد إمكانية التقارب بين هاتين الحركتين لفترة طويلة، مجنباً بذلك الدولة الأموية خطر مواجهة معارضة موحدة وقوية، غير أن ما قام به المغيرة تجاه المعارضة في الكوفة لم يكن سوى تطبيق لأوامر الخليفة نفسه مع بعض الاجتهادات التي رأى أنّها تخدم الدولة أكثر ... وأما أنصار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وخاصة الزعماء منهم، فقد عملت الدولة الأموية على تقريبهم وكسبهم ولذلك سلك المغيرة سياسة اللين معهم وهو ما ضمن الهدوء في الكوفة طيلة ولايته عليها .
7 ـ مع تولي زياد البصرة: تصاعدت عمليات القمع ضد الخوارج فبالإضافة إلى القتل كان زياد يمثل بالمقتولين فيصلبهم في الأماكن العامة، أو في دُورهم، وقد شمل التمثيل الخارجين من الرجال والنساء، ورغم أن التمثيل يعد من الأعمال البشعة التى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيام بها حتى مع الكفّار، فإن زياداً استعمله مع المسلمين رجالاً ونساءً ليروِّع بقية السكان ويلزمهم الهدوء، ولم تكن العقوبات المسلطة على الخوارج مقتصرة على القتل والتمثيل والتسيير والإقامة الجبرية، بل شملت كذلك العطاء، وقد تجاوز زياد في هذا المجال من سبقه من الحكّام، إذ قام بشطب أسماء الخوارج من سجلات الديوان .
8 ـ أقحم زياد بأعماله العنف في سياسة الدولة وجعله إحدى ركائزها، واعتبر أن مصلحتها تقتضي استعماله ضدّ كل الذين يرفضون الخضوع لسلطتها
9 ـ أدّت سياسة زياد ـ العنيفة ـ إلى إخماد تحرّكات الخوارج، وفرضت هيبة الدولة على الجميع، وحوّلت القبائل إلى طرف له دور في سياستها ومنحتها مهمة توفير الأمن داخل المصر بعد أن كانت مهامها تقتصر على دفع الدّية والتأطير العسكري، إلا أنّها أضعفت التضامن القبلي وأفقدت القبيلة القدرة على حماية أبنائها الخارجين على السُّلطة وأجبرتها على القبض عليهم ومعاقبتهم أحياناً، ولئن نجح زياد في إخماد تحرّكات المعارضين وزرع الرّعب في نفوس بقية سكان العراق وتحويلهم من مقاتلة يتمتعون بقدر كبير من الحرية إلى رعية خاضعة كلياً لأجهزة الدّولة، فقد فشل في خنق إرادة الخروج لدى قسم كبير من الخوارج، وهو ما يفسر عودة الانتفاضات في ولاية ابنه عبيد الله
10 ـ تجاوز عبيد الله بن زياد والده في قمع الخوارج بفرضه العقوبات على الجميع المعلن والمسر على حدّ السواء، وإذا كان القتل هو عقوبته المفضلة فقد كان يعمد أحياناً إلى سجن البعض منهم، كما كان يسمح أحياناً أخرى وتحت تأثير رجال القبائل بإطلاق سراح البعض الآخر مع فرض الإقامة الجبرية عليهم وتكليف من يقوم بعملية المراقبة التي كانت غالباً ما تنتهي بقتلهم لمخالفتهم الأوامر... ولم يكن ابن زياد ينتظر خروج الحروريَّة عليه بل كان يبحث عنهم مستعملاً كل الوسائل بما في ذلك تشجيع السّكان بالمال لتتبّع تحرّكات أبناء قبائلهم ونقلها إليه أو إلى أعوانه، وقد أدّت هذه الطريقة إلى ألقاء القبض على العديد ممّن يحمل هذا الفكر أو يتعاطف معه أو يُشتبه فيه ذلك، ولكنها فسحت في الوقت نفسه المجال أمام الوشاية وتلفيق التّهم بالباطل ، فأججت بذلك الحزازات القبلية القديمة، وخلقت خلافات جديدة بين القبائل
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق