1472
عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة
الفصل التاسع : عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز:
المبحث الثامن: الفقه الإداري عند عمر بن عبد العزيز وأيامه الأخيرة ووفاته رحمه الله.
ثامناً: مبدأ المرونة في إدارة عمر بن عبد العزيز:
مارس عمر بن عبد العزيز المرونة في التفاهم والحوار والفكر وتنفيذ الأوامر والتقيد بها ومن تلك الشواهد، ما روى ميمون بن مهران: أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز قال: يا أبت ما يمنعك أن تمضي لما تريد من العدل ؟ فوالله ما كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك. قال: يا بني إنما أروض الناس رياضة الصعب، وإني لا أريد أن أحيي الأمور من العدل، فأوخر ذلك حتى أخرج معه طمعاً من طمع الدنيا فينفروا لهذه ويسكنوا لهذه . وقال عمر: ماطاوعني الناس على ما أردت من الحق، حتى بسطت لهم من الدنيا شيئاً ، فقد أبدى بهذا الإعلان منذ توليه الخلافة، أن تحقيق الأهداف يتطلب شيئاً من المرونة والتغاضي، فليس الأمر كما يرى ولده بأن لا مانع لديه من أن تغلي بهم القدور في سبيل تحقيق العدل، بصرف النظر عن أي اعتبار أخر . وهذا موقف آخر مع إبنه عبد الملك وإليك ما دار بينهم من حوار:
الإبن: مايؤمنك أن تؤتى في منامك، وقد رفعت إليك مظالم لم تقضى حق الله فيها ؟
الأب: يا بني إن نفسي مطيتي، إن لم أرفق بها لم تبلغني، إني لو أتعبت نفسي وأعواني لم يك ذلك إلا قليلاً حتى أسقط ويسقطوا، وإني لا حتسب في نومتي من الأجر مثل الذي أحتسب في يقظتي، إن الله جل ثناؤه لو أراد أن ينزل القرآن جملة لا نزله، ولكنه أنزل الآية والآيتين حتى أسكن الإيمان في قلوبهم. يا بني...مما أنا فيه أمر هو أهم إلي من أهل بيتك (الأمويين) هم أهل القدرة والعدد وقبلهم ماقبلهم، فلو جمعت ذلك في يوم واحد خشيت إنتشاره علي ولكني أنصف من الرجل والإثنين، فيبلغ ذلك من وراءه فيكون أنجح له في الآثار السابقة، يقدم لنا عمر فقهه الحاذق في إدارة الحركات الإصلاحية التجديدية وتسيير البرامج التي تستهدف إسقاط الظلم والإستغلال ونشر العدل والمساواة . ففي قوله: إني لو أتعبت نفسي وأعواني لم يك ذلك إلا قليلاً حتى أسقط ويسقطوا. فبين رحمه الله: إن طاقة الإنسان محدودة، وأن القابلية على تحمل الجد الصارم لها حدودها هي الأخرى، والإنسان في تقبله لا لتزاماته في حاجة ضرورية إلى وقت كاف لتمثل هذه الإلتزامات من الداخل وتحويلها إلى مبادئ وقيم ممزوجة بدم الإنسان وأعصابه، ومتشكلة في بنيته وخلاياه، وبدون هذا سوف لن تجتاز هذه الإلتزامات حدود الإنسان الباطنبة، وستظل هناك مكدسة على أعتاب الحس الخارجي وطالما ظل هذا التكديس يزداد ثقلاً يوماً بعد يوم، فسوف يأتي يوم لا محالة يسقط فيه الإنسان تحت وطأة هذا الثقل المتزايد غير المتمثل ... ومما يلفت النظر عبارته:.. ولكني أنصف الرجل والإثنين فيبلغ ذلك من وراءه فيكون أنجح له. إن عمر هنا يؤكد على أهمية الإنجاز وعلى دوره في تحقيق ـ الإصلاح والتجديد ـ فكثيرون هم أولئك الذين طرحوا أقوالاً أعلنوا فيها عن عزمهم على أحداث ثورة حقيقية إنقلاب يجتث الجذور العفنة ويبدأ الزرع من جديد، ولكن هؤلاء ما لبثوا أن سقطوا وسقطت مبادؤهم لا نهم: طرحوا أقوالاً. ..أما عمر هذا المصلح الكبير والفقيه الحاذق، فإنه يريد أن يطرح أفعالاً، ولا يطرحها بالعنف والإكراه ودونما تخطيط، وإنما لينصف الرجل والإثنين فيبلغ ذلك من وراءهما حتى يسري الإصلاح في نفوس الأمة أنى كانت، سريان الضياء في الظلام. ثم إن عمر هذا الذكي المرن لم يشأ أن يخرج شيئاً إلا ومعه طرف من الدنيا يستلين به القلوب ، ولا يمكن لا حد أن يقول أن هذا يمثل تنازلاً من عمر بن عبد العزيز عن أهداف إصلاحاته الشاملة صوب إصلاح جزئي يقوم على الترقيع. .. لأن ما عرفنا عمر منذ حمل مسئولية أمته، يسعى إلى التنازل، ولو شبراً واحداً، عن الأهداف التي طرحها القرآن الكريم والسنة، ولكنه هنا يقدم فقه الأسلوب الحيوي الذي تتأتى به تلك الأهداف كاملة. .. إن الضغط المستمر يولد الإنفجار، ومهما كان سخف هذا الإنفجار وعبثه فإنه لا بد وأن يحرق ويدمر، وإذا كان بإمكان القادة والمسئولين تجاوز هذا الحريق والدمار عن طريق الإلتزام أسلوب حيوي ينسجم وبنية الإنسان النفسية، فلماذا لا يسلكوه ؟ فعندما قال له أبنه عبد الملك يا أمير المؤمنين: أنفذ لأمر الله وإني جاشت بي وبك القدور فماذا كان جواب الخليفة المرن: يا بني: إن بادهت الناس بما تقول أحوجوني إلى السيف ولا خير في خير لا يحيا إلا بالسيف لا خير في خير لا يحيا إلا بالسيف . إن خليفة بهذا المرونة وبهذا الذكاء لا يمكن أن يجزع عن أهدافه يوماً ومما مضى يتضح أدلة مرونة عمر في إدارته فيما يتعلق بتنفيذ السياسة العامة، سياسة إقامة العدل ونشر الإسلام، وبناء دولة العقيدة ، وإليك هذه الشواهد في تنفيذ مبدأ المرونة:
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق