963
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الحادي والخمسون
فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح
الأسفار
ومن أيام الفرح والسرور عندهم يوم العودة من السفر ومن حقهم أن يفرحوا به. فقد كان السفر شاقا خطراً في تلك الأيام، ولا سيما إذا طال. فقد يتعرض المسافر فيه للهلاَك والموت جوعاً أو عطشاَ، عدا ما يتعرض له من السلب والنهب. لذلك كانوا يحاولون جهدهم أن يسافروا جماعة وقوافل يتعاونون ويشد بعضهم أزر بعض. وكانوا إذا عادوا فرح أهلهم بعودتهم سالمين، وتلقوهم بالبشر والتهنئة، وذبحوا الذبائح ووزعوا لحومها بين الأصدقاء والفقراء، وأولموا الولائم للمهنئين والجيران. وكان أول ما يفعله المسافر إلى مكة عند عودته إلى مدينته الذهاب إلى "البيت" للطواف به ولشكر رب البيت على حمايته له واغداقه نعمته عليه بالعودة سالماً.
وقد عثر السياح والمنقبون عن الآثار في جزيرة المعرب على كتابات جاهلية توسل فها أصحابها إلى آلهتهم لترعاهم في سفرهم، وتحفظهم من لصوص الطريق ومن كل شرّ وسوء. وقد تعهدوا فيها بتقديم نذور لمعابدها بعد عودتهم سالمين غانمين. كما عثر على كتابات فيها حمد وشكر لتلك الالهة لأنها أجابت دعوة أصحاب الكتابات، فحمتهم ورحمتهم في سفرهم ويسرت لهم العودة سالمين.
وكانوا إذا أرادوا السفر عمدوا إلى فعل الجاهلية في زجر الطير والاستقسام بالأزلام لأختيار الطالع، فإذا خرج سهم "الأمر" فسروه بالأمر بالسفر، وإذا خرج "النهي" "الناهي"، انتهوا عنه.
وكانوا إذا خرجوا إلى الأسفار أوقدوا ناراً بينهم وبين المنزل الذي يريدونه، ولم يوقدوا بينهم وبين المنزل الذي خرجوا منه تفاولاً بالرجوع اليه. وللمهنئن بسلامة العودة، تعابير خاصة،يتولونا للمسافرين حين السفر وحين العودة. وفي جملة ما كانوا يقولونه للاياب من السفر: "سفر رجيع". وسفر رجيع: مرجوع فيهُ راراً.
ومن مناسبات الفرح والسرور، الإبلال من مرض والشفاء منه. فالشفاء من المرض عودة إلى الحياة وولادة من جديد، وعمر يضاف إلى عر المريض،. لذلك كان المرضى يتوسلون إلى آلهتهم أن تمنّ عليهم بالصحة والشفاء والعافية مما ابتلوا به، ويعدونها بتقدم نذر إن أعادت اليهم صحتهم وعافيتهم. وقد حصل المنقبون على ألواح كثيرة كتب فيها شكر وحمد وثناءعلى الآلهة لأنها أجابت دعوة صاحب الكتابة، فعافته من مرضه،ومنت عليه بالصحة والعافية، وأبرأته مما أصيب به من أمراض أو جروح في معارك، فهو يوفي بوعده لها ويقدم لها نذره ويحمدها على نعمتها عليه. وقد يولمون وليمة يقولون لها "البة"، و "البلة" العافية من المرض.
ويعود أهل الجاهلية مرضاهم، للإعراب لهم عن تمنياتهم لهم بالشفاء العاجل والابلال من المرض، كما يعودونهم بعد الشمفاء لتهنئتهم على عودة الصحة اليهم، وشفائهم مما ابتلوا به من مرض. ويقع "العود" من الرجال والنساءْ. ويقال لمن حسنت حاله بعد الهزال، ولمن شفي من مرض "بلّ الرجل"، من مرضه، و "بل " من مرضه"، و "أبلَ".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق