إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1573 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع والثمانون من عادات وأَساطير الجاهليين عقيدتهم في الحيوان


1573

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
    
الفصل السابع والثمانون

من عادات وأَساطير الجاهليين

عقيدتهم في الحيوان

وللجاهليين عقائد في الحيوان. فمنهم من كان يعتقد أن للجن بهذه الحبوانات تعلقاً، ومنهم من يرى أنها نوع من الجن، ومنهم من كان يرى أن لبعضها، مثل الورل والقنفذ والأرنب والظبي واليربوع والنعام، صلة بالجن، وأنها مراكب لها، يمتطونها كما يمتطي الإنسان الخيل والبغال والابل والحمير.

ومن مراكب الجن، "العضرفوط"، قال الشاعر: وكل المطايا قد ركِبنا فلم نجـد  ألذّ وأشهى من وخيد الثعالـب

ومن فارة مزمومة شـمـرية  وخود بردفيها أمام الـركـائب

ومن عضرفوط حطَّ بي من ثنية  يبادر سرباً من عظاء قـوارب

والعضرفرط دويبة من دواب الجنْ، ويقال: العضرفوط ذكر العظِاء، وقيل: دويبة تسمى العِسودة، بيضاء، ناعمة.

واعتقدوا أن السموم لما فرقت على الحيوانأت، احتبست العظاية "العظاءة" عند التفرقة حتى نفذ السم، وأخذ كل حيوان قسطاً منه على قدر السبق اليه، فلم تنل العظاية نصيباً منه، فخسرته. لذلك صارت تمشي مشياً سريعاً ثم تقف، لما يعرض لها من التذكر والأسف على ما فاتها من السم. و "الظباء" ماشية الجن، في زعم بعضهم وهي تسمع وتكلم، ولهم قصص عنها.

وتزعم العرب أن "الهديل"، فرخ على عهد "نوح" مات عطشاً، وضبعه أو صاده جارح من جوارح الطير، فما من حمامة الا وهي تبكي عليه.

وللخرز عند الجاهليين وعند الأعرابّ حتى اليوم، شأن كبير في السحر وفي دفع أذى الأرواح والعين، وفي النفع والحب، وأمثال ذلك. وسأتحدث عنها في المكان المخصص بالسحر.

وضرب المثل ببخل "أبي حباحب". من محارب خصفة، وكان بخيلاً، فكان لا يوقد ناره الا بالحطب الشخت لئلا ترى، وقيل: اسمه "حباحب"، فضرب بناره المثل، لأنه كان لا يوقد الا ناراً ضعيفة، مخافة الضيفان، فقالوا: نار الحباحب.

وأم حباحب: دويبة، مثل الجندب، تطير، صفراءخضراء، رقطاء برقط مفوة وخضرة، ويقولون اذا رأوها: أخرجي بُردى اًبي حباحب، فتنشر جناحيها، وهما مزينان بأحمر وأصفرْ.

وللعرب أساطير عن الكواكب، من ذلك ما ذكروه من ان "الدَّيران" خطب "الثريا" وأراد القمر ان يزوجه منها، فامتنعت وأعرضت، وقالت للقمر: ما أصنع بهذا السبروت الذي لا مال له ? فجمع الدبران قلاصه،ووضعها قدامه، وأخذ يتبعها يريد اقناعها بالزواج منه. ومن ذلك قولهم في "المرزم"، وهو "الشِعرى"، يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه في شدة الحر. تقول العرب: اذا طلعت الشعرى جعل صاحب النحل يرى، وهما الشعريان: "العبور" التي في "الجوزاء" و "الشعرى الغميصاء" التي في الذراع. تزعم العرب انهما أخت "سهيل". وقد عبدت طائفة من العرب "الشعرى العبور". قالوا: انها عبرت السماء عرضاً، ولم يعبرها عرضاً غيرها، فأنزل اللَه: )وانه هو رب الشعرىَ (، وسميت الأخرى "الغميصاء"، لأن العرب قالت في حديثها انها بكت على أثر العبور حتى غمصت.

وزعموا ان "سهيلاً" كان عشّارأَ على طريق اليمن ظلوماً فمسخه الله كوكباً. وعرف بأنه نجم يماني عند طلوعه تنضج الفواكه وينقضي القيظ.

و "الشمس" إلهة عند كَثيرمن الجاهليين، فتعبدوا لها، وعدّت صنماً عندهم، ومن أساطيرهم ما نحدثوا به عن "برد العجوز"، حدثوا ان عجوزاً دهرية كاهنة من العرب كانت تخبر قومها ببرد يقع في أواخر الشتاء وأوائل الربيع فيسوء أثره على المواشي، فلم يكترثوا يقولها، وجزوا أغنامهم: واثقين باقبال الربيع، فلم يلبثوا إلا مديدة حتى وقع برد شديد، أهلك الزرع والضرع، ققالوا هذا برد العجوز. يعنون العجوز التي كانت تنُذر به.

وحدثوا: أن عجوزاً كانت بالجاهلية، ولها ثمانية بنين، فسألتهم أن يزوجوها وألحت عليهم، فتآمروا بينهم، وقالوا: إن قتلناها لم نأمن عشيرتها، ولكن نكلفها البروز للهواء ثماني ليال، لكل واحد منا ليلة. فقالوا لها: ان كنت تزعمين أنك شابة،. فابرزي للهواء ثماني ليال، فإننا نزوّجك بعدها، فوعدت بذلك، وتعرت تلك الليلة والزمان شتاء كلب، و برزت للهواء. وفعلت مثل ذلك في اللبل الآخر، فلما كانت الليلة السابعة، ماتت.

ونسب العرب اليها برد الأيام الثمانية، وأسماؤها: الصن"، والصنبر، والوبر، وآمر، ومؤتمر، ومعلل، ومطفئ الجمر، ومكفىء الظعن.

ومن الأمرر التي تداولوها قولهم في "زمن الفطحل". وضربهم المثل به، قالوا: أيام كانت الحجارة رطبهَ، وإذ كل شيء ينطق. وهو دهر لم يخلق فيه الناس بعد.

وكانوا يعتقدون بالمسخ. وهو تحويل صورة إلى أخرى أقبح منها، وتحويل انسان الى حيوان أو حجر. ولهم اعتقادات في مسخ الأطفال، وتبديل "الجن" لهم بأولادهم من ذوي العاهات. وقد زعموا أن "اللات" صنم ئقيف، كان في الأصل يهودياً يلتّ السويق في "الطائف" فمسخ حجراً، عبد فصار "اللات".

وللعرب قصص وضعوه على ألسنة الحيوانات نجده في كتب الأدب. ولهم أمثلة وراءها قصص في سبب ضربها. ونجد في كتب الأمثال والأدب أشياء كئيرة من ذلك. وقد صوروا بعض الحيوانات ناطقة عاقلة،ونسبوا لها الحكمة والقول الحسن. وصوروا بعضها بليدة غبيةّ. ونجد في كتب الأمثال والأدب أشياء كثيرة من ذلك.

واتخذوا من بعض الناس مثلاَ على أمر من أمور الحياة. وضربوا بهم الأمثال. فضربوا المثل ببلاغة "سحبان وائل" وبقدرته على الخطابة. وبفصاحة "قس بن ساعدة الايادي". وجعلوهما المثل الأعلى في البلاغة والفصاحة عند العرب.

ووضعوا "باقل" مثلاً للعي والبلادة. فمما رووه عنه، أنه اشترى ظبياً باًحد عشر درهماً، فمرّ، بقوم فقالوا: بكم أخذت الظبي فمدّ يديه، وأخرج لسانه، يريد بأصابعه عشرة دراهم وبلسانه درهماً فشرد الظبي حين مد" يديه، وكان الظبي تحت إبطه، فجرى المثل بعيه، وقيل: أشد عيأ من باقل، وأعيا من باقل،كما قبل أبلغ من سحبان وائل. وذكر انه كان من ربيعة.

واتخذوا "بيهس" الفزَاري، الملقب بنعامة، مئلاً للحمق، فقالوا: أحمق من بيهس. وهو أحد الاخوة السبعة الذين قتلوا،وترك هو لحمقه. زعموا أنه هو القائل: ألبس لكل حالة لبوسها  إما نعيمها وإما بوسها

وإنما لقب بيهس بنعامة لأنه كان شديد الصمم، وإذا دعا الرجل من العرب على صاحبه بالصمم،قال: اللهم اصنجه صنجاً كصنج النعامة. والصنج أشد ألصمم.

وضرب المثل بحمق "هبنقة"، واسمه "يزيد بن ثروان" أحد بني قيس بن ثعلبة، الملقب ب "ذي الودعات". لقب به لأنه جعل من عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف مع طول لحيته. فسئل عن ذلك، فقال: لئلا أضل، أعرف بها نفسي، فسرقها أخوه في ليلة وتقلدها، فأصبح هبنقة ورآها في عنقه، فقال: أخي أنت أنا، فمن أنا ? فضرب بحمقه المثل. فقيل أحمق من هبنقة.

وضربوا المثل بحمق دُغة. وهي بنت منعج، زوّجت وهي صغيرة في بني العنير، فحملت، فلما ضربها المخاض ظنتْ انها تحتاج إلى الخلاء، فبرزت إلى بعض الغيطان ووضعت ذا بطنها، فاستهل الولبد، فجاءت منصرفة وهي لا تظن إلا انها أحدثت. فقالت لأمها: يا أماه، هل يفتح الجعُر فاه ? قالت: نعم ويدعو أباه، فسبّ بها بنو العنير، فسموا بني الجعراء.

وقيل هي امرأة من بني عجل بن لجيم. وقيل هي: دغة بنت معيج بن إياد اين نزار. ولدت لعمرو بن جندب بن العنبر. وذكر ان اسمها: مارية بنت ربيعة، من عجل، وكانت عند "جندب بن العنبر" فولدت له "عدي بن جندب"، وكانت حمقاء حسناءْ.

وضربوا المثل ب "جوف حمار". وقالوا: هو أكفر من حمار، وأخلى من جوف حمار. وهو رجل من عاد، يقال له حمار بن مويلع،وجوفه واد له طويل عريض. لم يكن ببلاد العرب أخصب منه، وفيه من كل الثمرات، فخرج بنوه يتصيدون: فأصابتهم صاعقة فهلكوا، فكفر. وقال: لا أعبد من فعل هذا ببني، ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله، فأهلكه الله تعالى وأخرب واديه، فضرب العرب به المثل في الخراب والخلاء. قال الأفوه الأودي: وبشؤم البغي والغشم قديماً  قدخلاجوف ولم يبق حمار

وذكر ان الجوف واد بأرض عاد، فيه ماء وشجر، حماه رجل اسمه حمار كان له بنون فأصابتهم صاعقة فماتوا، فكفر كفراً عظيماً وقتل كل من مر به من الناس. فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرفته ومن فيه وغاض ماؤه فضربت العرب به المثل. فقالوا: أكفر من حمار، ووادٍ كجوف الحمار وكجوف العبر وأخرب من جوف حمار.

وورد انه "حمار بن مالك"، وهو رجل من عاد وقيل من العمالقة. كان مسلماً أربعين سنة في كرم وجود، فخرج بنوه عشرة للصيد، فأصابتهم صاعقة فهلكوا. فكفر كفرأَ عظيماً. وقال لا أعبد من فعل ببنيّ هذا. وكان لا يمر بأرضه أحد إلا دعاه إلى الكفر، فان أجابه وإلا قتله. فأهلكه اللّه وخرب وادبه.

واذا وعد انسان وعداً، فعليه الوفاء به، لأن من شمائل الكريم الوفاء بالوعود والعهود. قالت العرب: "خلاف الوعد من أخلاق الوغد". وكانت العرب تستعيبه وتستقبحه. وقد ضربوا المثل برجل من العرب في مخالفته المواعيد،فقالوا: "مواعيد عرقوب". وعرقوب صاحب المواعيد، قيل: انه من الأوس، كان أكذب أهل زمانه. فضربت به العرب المثل في الخلف، فقالوا: مواعيد عرقوب. وذلك انه أتاه سائل، وهو أخ له، يسأله شيئاً. فقال له عرقوب: اذا أطلع نخلي، " وفي رواية: اذا أطلعت هذه النخلة"، فلما أطلع، أتاه على العِدَة، قال: اذا أبلح، فلما أبلح أتاه ؛ قال: اذا أزهى، فلما أزهى أتاه، قال: اذا أرطب، فلما أرطب أتاه ؛ قال: اذا أتمر. فلما أتمر، عمد البه عرقوب وجدَّهُ ليلاً، ولم يعطه منه شيئاً. فصارت مثلاً في إخلاف الوعد. وورد: وأكذب من عرقوب "يثربَ" لهجة=وأبين شؤما في الحوائج من زحل وورد " مواعيد عرقوب أخاه بيترب"، بالتاء وهي باليمامة. ويروى بالمثلثة،وهي مدينة الرسول نفسها. ويقال: هو أرض بني سعد. والأول أصح، وبه فسر قول كعب بن زهير: كانت مواعيد "عرقوب" لها مثلاً  وما مواعيدها إلا الأبـاطـيل

وورد: "هوأكذب من عرقوب يترب"، وتقول: "فلان اذا مطل تعقرب واذا وعد تعقرب". ومن أمثالهم: "الشرّألجأه الى مخ عرقوب" "وشر ما أجأك إلى مخة عرمقوب"، أي: عرقوب الرجل لأنه لا مخ " له. يضرب هذا عند طلبك من اللئيم أعطاك أو منعك، وهو لغة بني تميم. ومن المستعار: ما أكثر عراقيب هذا الجبل. العراقيب خباشيم الجبال وأطرافها وهي أبعد الطرق، لأنك تتبع أسهله أين كان. والعراقيب من الأمور كالعراقيل عظامها وصعابها.

وضَربوا المثل في الاقامة على الذل برجل كل من ضيّة، زعموا أنه عرف عندهم ب "قضَيب" فقالوا: أصبر من قضيب. و "قضيب" رجل آخر تمار بالبحرين، كان يِأتي تاجراً فيشتري منه التمر، ولم يكن يعامل غيره.

وضربوا المثل ب "حديث خرافة". زعموا أنه كان رجلاً من " بني عذرة" أو من "بني جهينة" سبته الجن، فكان يكون معهم، فاذا استرقوا السمع أخبروه فيخبر أهل الأرض. فيجدونه كما قال. وقبل: "استهوتًه الجن واختطفته ثم رجع إلى قومه، فكان يحدث بما رأى، يعجب منها الناس،فكذبوه، فجرى على ألسن الناس وقالوا: هذة خرافة. ويقال أيضاً للخرافات الموضوعة من حديث الليل: حديث خرافة. وذكر أن "عائشة" قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثيني:قلت سا أحدثك حديث خرافة. قال: اما انه قدكان" وذكَر أيضاً أنه قال لها: "ان أصدق الأحاديث حديث خرافة".

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق