إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1576 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل التاسع والثمانون الزروع و المزروعات التربة


1576

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
      
الفصل التاسع والثمانون

الزروع و المزروعات

التربة

وللتربة عند العرب أسماء، وذلك لأهميتها بالنسبة إلى حياتهم. فنجد في كتب المعاجم ألفاظأ كثيرة لها، من حيث لونها ومن حيث خصبها ومن حيث نوعها ومن حيث وجود الماء فيها الى غير ذلك. وهم يقولون للارض الطيبة السهلة التي لا يعلوها السيل "الأبهر". وقيل الأبهر ما بين الأجيل. ويقولون: "السُخاخ"للارض اللينة الحرّة. ويقولون أرض حلاوة، تنبت ذكور البقل. و "الخصب"نقيض الجدب، وأرض خصبة منبتة، قابلة للزرع. و"العثعث"ما لان من الأرض ومن مكارم المنابت: وقيل الكثيب من السهل أنبت أو لم ينبت. و "الجادسة"، الأرض لم تعمر ولم تعمل ولم تحرث، ورد في الحديث: من كانت له أرض جادسة، قد عرفت له في الجاهلية حتى أسلم، فهي لربها. أي الأرض التي لم تزرع قط.

والسبخة، أرض ذات نزو وملح. والسباخ الأرض التي تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر.

والبلوقة، المفازة، وهي الأرض المستوية اللينة،أو التي لا تنبت إلا "الرخامي" على رأي آخر،والثيران تولع به وتحفر أصوله فتأكل عروقه. وهي من الأرضين التي ليس بها شجر ولا تنبت شيئاً البتة على بعض الآراء. وقد يكون قفرها هذا، وعدم انباتها سبب قول الأعراب أنها مساكن الجن. ويظهر من أقوال بعض علماء اللغة أن البلوقة أرض واسعة مخصبة، أي على عكس ما ذكره بعض آخر، من أنها الأرض التي لا تنبت شيئاً .

ويعبر عن الأرضين الزراعية بلفظة "ارض""أرض"في جميع اللهجات العربية الجنوبية. وهي من أصل يرد بهذا المعنى في جميع اللهجات السامية. وهي تشير في الغالب الى الأرضين المعدّة لزراعة الخضر والحبوب، وقد يراد بها الأرضن المزروعة بالخضر والحبوب. ولذلك فلفظة "أرض"، قد تعني أرضاً صالحة للزرع، غير أنها غير مزروعة، وقد تعني أرضاً مزروعة، ويرادف هذا المعنى معنى لفظة "المزرعة" والقراح: الأرض لا ماء بها ولا شجر، وقيل الأرض المخلصة للزرع والغرس، وقيل: القراح المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر.

و "الجربة"، المزرعة. ومنه سميت الجربة المزرعة المعروفة بوادي زبيد. والجربة: القراح من الأرض المصلحة لزرع أو غرس، واستعارها "امرؤ القيس"للنخل،فقال: كجربة نخل أو كجربة يثرب

والركيب: المزرعة والقراح الذي يزرع فيه، والمشارة، أو الجدول بين الدبرتين، أو ما بين الحائطين من النخل والكرم،وقيل ما بين النهرين من الكرم. قال تأبط شراً: فيوماً على أهل المواشي وتارة  لأهل ركيب ذي ثميل وسنبل

وأهل الركيب، هم الحُضار.

فالركيب اذن أرض زراعة، تكون محددة، معينة المعالم، يمتلكها مالك أو ملاك، تزرع أشجاراً مثمرة في الغالب، لا حبوباً.

والحقل، قراح طيب يزرع فيه، وقيل هو الموضع الجادس أي البكر الذي لم يزرع فيه قط. يقال أحقلت الاْرض، صارت ذات حقل. والمحاقل المزارع.

والمبقلة: الأرض التي يزرع البقل فيها. وأما المبطخة، وتجمع على مباطخ، فالأرض التي يزرع فيها البطيخ. والمرج: الأرض الواسعة ذات كلأ وماء، تمرج فيها الدواب حيث شاءت.

والسبخة أرض ذات نز وملح، وهي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض النبات. ولهذا لا يزرعها الفلاح، وتترك لعدم صلاحها للزرع، ولصعوبة استصلاحها بغسلها من الأملاح. وفي جزيرة إلعرب سباخ رخوة قد تغوص فيها الأقدام، لذلك ابتعد عنها المسافرون.

ويعبر في المسند عن الأرض المزروعة نخيلاً بلفظة "انخل"، أي "نخيل". ويراد بذلك الأرض المغروسة نخلاً. ويعبر عن الأرض المزروعة أشجاراً بلفظة "اثمر"، أي أشجاراً مثمرة، وعن الأرض المخصصة بزراعة الحبوب بكلمة "مذرا "مذرى". وعن الارض التي تزرع أعناباً ب "اعنب"، أي بساتين الكروم.

وفسر بعض الباحثين في العربيات الجنوبية لفظة "موفرن""موفر"، الواردة في نصوص المسند، بمعنى الأرض الصالحة للزراعة بصورة عامه، كما فسرها بعضهم بمعنى المزرعة والحديقة. وهي في مقابل لفطة "الوفراء"في عربيتنا، والوفراء الأرض التي لم ينقص من نبتها شيء، والأرض التي في نباتها فرة، أي كثرة، يقال أرض وفراء، وهذه أرض نباتها فر، وفرة.

وقد حوّ ل بعض أصحاب الأرض والمزارعين الأرضين الزراعية إلى بساتين وحدائق، غرست بالنخيل والشجر الملتف درّت عليهم أرباحاً حسنة، من بيع ثمارها. واكتسبت بعضها شهرة، بسبب وقوع أحداث فيها، مثل: "الحديقة" من أعراض المدينة، كانت بها رقعة بين الأوس والخزرج، ومثل "حديقة الرحمان"، بستان كان لمسيلمة بفناء اليمامة، فلما قتل عندها سميت: "حديقة ا لموت".

والحديقة، الروضة ذات الشجر، والبستان عليه الحائط، وخص بعضهم من النخل والشجر الملتف، وخص بعضهم الشجر بالمثمر، وقال بعضهم بل هي الجنة من نخل وعنب، والقطعة من النخل. و "المخرف"مثل "الخروفة"النخلة أو النخيل دون البستان. و "المخرفة"سكة النخل والبستان من النخل.

وقد وردت الجنة مفردة ومجموعة ومنكرّة ومعُرَّفة في القرآن الكريم. وتقابل "كن"، Gan"" و "كنّه" "Gehenne"="Gannah""، في العبرانية ؛ وهي في معنى "فردوس"الفارسية الأصل، و، "Paradise"، في الانكليزية. ويراد بها موضع للاشجار الجميلة التي تسرّ الناظرين والأشجار المثمرة والورد والزهر والمياه. والحديقة ذات النخيل والشجر، أو ذات النخل والعنب. وهي البستان عند بعض اللغوين. وأما "الجنينة"، فتصغير جنة.

و "البستان"من الألفاط المعربة. ذكر علماء اللغة أنها "معرب بوستان. فبو بمعنى الرائحة، وستِان - با لكسر- الجاذب"بالفارسية و "الروضة" و "الريضة"، مستنقع الماء من قاع فيه جراثيم ورواب سهلة صغار في سرار الأرض. وقيل الأرض ذات الخضرة، وقيل البستان الحسن، وقيل الروضة عشب وماء، ولا تكون روضة إلا بماء معها أو إلى جنبها، وقيل أرض ذات مياه وأشجار واْزهار طيبة. وإن كانت الرياض في أعالي البراق والقفاف، فهي السلقان، واحدها سلق، وان كانت في الوطاآت فهي رياض. ورب روضة فيها حرجات من السدر البري، وربما كانت الروضة ميلا في ميل، فإذا عرضت جداً فهي قيعان. ورياض "الصُمان"والحزن بالبادية أماكن مطمئنة مستوية يستريض فيها ماء السماء، فأنبتت ضروياً من العشب ولا يسرع إليها الهيج والذبول.

ويقال للبستان إذا كان محاطاً بجدار "الحائط"، وتجمع على حوائط. وقد وردت هذه اللفظة في كتب الحديث. وهناك لفظة أخرى تؤدي هذا المعنى هي "الحظار. ويراد بها الأرض التي فيها الزرع المحاط عليها. وقد ذكرت في كتب الحديث. وذكر علماء اللغة أن من معاني "الحظار"، الحائط وكل ما حال بينك وبين شيء، وما يعمل للابل من شجر ليقيها البرد والربح. والجدار من الشجر يوضع بعضه على بعض ليكون ذرى للمال يرد عنه برد الشمال في الشتاء.

ويعبر في المسند عن الحقول والبساتين وكل المزارع التي تكون داخل حدود القرى و "الهكر.""الهجر"أي المدن، أو في ضواحيها وأطرافها، بلفظة "اقنى"، التي تعني الممتلكات، أي المزارع المملوكة المغروسة بالشجر. أما لفطة "أرض"، فتطلق بمعنى المزارع والأرضين المزروعة خارج حسود القرى والمدن، وتزرع عادة بالمزروعات الواطئة، أي: "الخضر".

وتحدد الأرضين بحدود تعين معالمها وتثبتها. ويقال للحدود "وثن"أي حد، ويجمع على "اوثنن". وهناك لفظة أخرى تطلق على الحد هي "زنن". وتعني الخط الفاصل الذي يعين الحدود. وتجمع اللفظة على "ازنن".

والدِّبر مشارات المزرعة، أي مجاري مائها. وقيل: الدبار الكردة من المزرعة، والدبار: الأنهار الصغار التي تنفجر في أرض الزرع. و "الكردة"، الدبرة من المزارع، وهي المشارات أي سواقيها. وهي من الألفاظ المعربة عن الفارسية. و "المشارة"، الكردة، وهي من الألفاظ المعربة.

وبعرف حافظ الكرم والنخل والزرع ب "الناطر" و "الناطور". ذكر علماء اللغة إن اللفظة من كلام أهل السواد، ليست بعربية محضة، ومنهم من جعلها من الألفاط الأعجمية. و "النُطاَّر"الخيال المنصوب بين الزرع.

وقد استغل أهل اليمن الجبال والمناطق المرتفعهّ، فزرعوها بمختلف المزروعات التي تلائم طبيعتها، ففي المحلات التي يكون الجو فيها بارداً في الشتاء ولطيفاً في الربيع والصيف غرست الأشجار الي تلائم ذلك، وزرعت في المناطق الوسط المعتدلة النباتات التي تحب اعتدال الجو. أما في التهائم والمناطق المنخفضة الحارة، فقد زرعت النباتات التي تحب هذا الجو. وبذلك تنوعت المزروعات. وتكاثرت ألوانها، وصار في الامكان الحصول في موسم الشتاء على المزروعات التي تزرع في الصيف ببعض البلاد الباردة، والحصول في موسم الصيف على المزروعات التي تزرع في الشتاء.

ولتحقيق غرس الجبال والمناطق المرتفعة، لا بد من تمهيدها للزرع. وذلك بجعلها مدرّجات عريضة، تسند جوانبها الظاهرة بالصخور والحجارة منعاً من أنهيار تربتها والمزروع فيها، ويقال لهذه المدرجات في المسند "جروب""جرب " جمع "جربت""جربة"، وتحمى الجربة بحائط من الحجارة. وهي تعني الحجارة المقطوعة،على سبيل المجاز المرسل من باب تسمية الكل باسم الجزءعلاقة.

وأهل اليمن لا يزالون يتبعون هذه الطريقة، وفي كثير من المناطق الجبلية والهضاب المهملة الآن آثار تلك المدرجات. تتحدث عن زرع يانع في الأيام القديمة، وهي تناجي أهل البلاد لعلهّم ينتبهون إليها فيعيدون إليها الحياة. وقد كانت زراعة الكروم ولا تزال من أهم المزروعات التي تعتمد على هذه الطريقة. وهي تتحمل جواً بارداً بعض البرودة ومعتدلاً، ولهذا تجود بالثمر الكثير الطيب في هذه المدرّجات.

وقد أشار "بطلميوس"، إلى اتخاذ أهل النجود والجبال في بلاد العرب المدرجات لزرعها وتشجرها.وأطلق على الجبال المكونة للقسم الجنوبي من "السراة" Climax Mons " ومعناه الجبال المدرجة، فترى وكاًنها ذات سلالم. و هذه الطريقة شائعة في اليمن حتى اليوم، ولا سيما في جبل حضور نبي شعيب وفي الأقسام الغربية من السراة. فجبال "القليمس" "Climax Mons" التي يشير إليها "بطلميوس"، إذن هي القسم الجنوبي من السراة الممتد في اليمن وعسير.

وزرع أهل "السراة" على هذه الطريقة أيضاً، وكذلك أهل الجبال والمرتفعات، ففي استطاعة المزارع في المواضع المرتفعة الاستفادة من ماء المطر وبالتحكم فيه، وبحصره في "الركيب"أي المشارة المزروعة، أعني المزرعة التي يزرع بها، وألتي قد تكون ما بين ساقيتين أو الجدول بين الدبرتين، أو المزرعة بصورة عامة. كما جاء في قول تأبط شراٌ: فيوما على أهل المواشي وتارة  لأهل ركيب ذي ثميل وسنبل

لقد تبين من نتائج الفحص العام الذي قام به الباحثون لمواضع من العربية الجنوبية، إن الزراعة كانت متقدمة تقدماً كبيراً في اليمن بالنسبة إلى بقية أنحاء جزيرة العرب، وأن العربي الجنوبي حرص حرصاً شديداً على الاستفادة من الأمطار في إرواء أرضه، كما يتبين ذلك من آثار السدود التي تلاحظ في كل وادّ تقريباً، وهي سدود أقيمت لا لكي تتحكم في سير "السيول"وفي ضبطها خشية إغراق المدن والقرى والزرع فقط، بل لكي يمكن خزنها في أحواض وتوجيهها الوجهة التي يريدونها في اًوقات الحاجة إليها، وذلك بواسطة أبواب تفتح وتغلق حسب الحاجة، وقنوات ومجاري للماء توصل إلى مواضع للزرع والحاجة إلى الماء.

والدِّبر مشارات المزرعة، أي مجاري مائها. وقيل: الدبار الكردة من المزرعة، والدبار: الأنهار الصغار التي تنفجر في أرض الزرع. و "الكردة"، الدبرة من المزارع، وهي المشارات أي سواقيها. وهي من الألفاظ المعربة عن الفارسية. و "المشارة"، الكردة، وهي من الألفاظ المعربة.

وبعرف حافظ الكرم والنخل والزرع ب "الناطر" و "الناطور". ذكر علماء اللغة إن اللفظة من كلام أهل السواد، ليست بعربية محضة، ومنهم من جعلها من الألفاط الأعجمية. و "النُطاَّر"الخيال المنصوب بين الزرع.

وقد استغل أهل اليمن الجبال والمناطق المرتفعهّ، فزرعوها بمختلف المزروعات التي تلائم طبيعتها، ففي المحلات التي يكون الجو فيها بارداً في الشتاء ولطيفاً في الربيع والصيف غرست الأشجار الي تلائم ذلك، وزرعت في المناطق الوسط المعتدلة النباتات التي تحب اعتدال الجو. أما في التهائم والمناطق المنخفضة الحارة، فقد زرعت النباتات التي تحب هذا الجو. وبذلك تنوعت المزروعات. وتكاثرت ألوانها، وصار في الامكان الحصول في موسم الشتاء على المزروعات التي تزرع في الصيف ببعض البلاد الباردة، والحصول في موسم الصيف على المزروعات التي تزرع في الشتاء.

ولتحقيق غرس الجبال والمناطق المرتفعة، لا بد من تمهيدها للزرع. وذلك بجعلها مدرّجات عريضة، تسند جوانبها الظاهرة بالصخور والحجارة منعاً من أنهيار تربتها والمزروع فيها، ويقال لهذه المدرجات في المسند "جروب""جرب " جمع "جربت""جربة"، وتحمى الجربة بحائط من الحجارة. وهي تعني الحجارة المقطوعة،على سبيل المجاز المرسل من باب تسمية الكل باسم الجزءعلاقة.

وأهل اليمن لا يزالون يتبعون هذه الطريقة، وفي كثير من المناطق الجبلية والهضاب المهملة الآن آثار تلك المدرجات. تتحدث عن زرع يانع في الأيام القديمة، وهي تناجي أهل البلاد لعلهّم ينتبهون إليها فيعيدون إليها الحياة. وقد كانت زراعة الكروم ولا تزال من أهم المزروعات التي تعتمد على هذه الطريقة. وهي تتحمل جواً بارداً بعض البرودة ومعتدلاً، ولهذا تجود بالثمر الكثير الطيب في هذه المدرّجات.

وقد أشار "بطلميوس"، إلى اتخاذ أهل النجود والجبال في بلاد العرب المدرجات لزرعها وتشجرها.وأطلق على الجبال المكونة للقسم الجنوبي من "السراة" Climax Mons " ومعناه الجبال المدرجة، فترى وكاًنها ذات سلالم. و هذه الطريقة شائعة في اليمن حتى اليوم، ولا سيما في جبل حضور نبي شعيب وفي الأقسام الغربية من السراة. فجبال "القليمس" "Climax Mons" التي يشير إليها "بطلميوس"، إذن هي القسم الجنوبي من السراة الممتد في اليمن وعسير.

وزرع أهل "السراة" على هذه الطريقة أيضاً، وكذلك أهل الجبال والمرتفعات، ففي استطاعة المزارع في المواضع المرتفعة الاستفادة من ماء المطر وبالتحكم فيه، وبحصره في "الركيب"أي المشارة المزروعة، أعني المزرعة التي يزرع بها، وألتي قد تكون ما بين ساقيتين أو الجدول بين الدبرتين، أو المزرعة بصورة عامة. كما جاء في قول تأبط شراٌ: فيوما على أهل المواشي وتارة  لأهل ركيب ذي ثميل وسنبل

لقد تبين من نتائج الفحص العام الذي قام به الباحثون لمواضع من العربية الجنوبية، إن الزراعة كانت متقدمة تقدماً كبيراً في اليمن بالنسبة إلى بقية أنحاء جزيرة العرب، وأن العربي الجنوبي حرص حرصاً شديداً على الاستفادة من الأمطار في إرواء أرضه، كما يتبين ذلك من آثار السدود التي تلاحظ في كل وادّ تقريباً، وهي سدود أقيمت لا لكي تتحكم في سير "السيول"وفي ضبطها خشية إغراق المدن والقرى والزرع فقط، بل لكي يمكن خزنها في أحواض وتوجيهها الوجهة التي يريدونها في اًوقات الحاجة إليها، وذلك بواسطة أبواب تفتح وتغلق حسب الحاجة، وقنوات ومجاري للماء توصل إلى مواضع للزرع والحاجة إلى الماء.

وقد ذكروا إن "بني حنيفة"كانوا قد اتخذوا إلهاً من حيس، فأصابتهم سنة، فعمدوا إليه فأكلوه فعيرهم الشاعر به. والحيس في تفسير علماء اللغة: تمر يخلط بالسمن وأقط فيعجن، أو هو التمر البرني والأقط يدقان ويعجنان بالسمن عجناً شديداً ثم يندر منه نواه، ثم يسوى كالثريد، وهي الوطبة، وربما جعل فيه سويق أو فتيت عوض الأقط.

وذكر أن اسم اليمامة القديم هو "الجوف"، وأن الجوف المطمئن من الأرض وهو أوسع من الشعب تسيل فيه التلاع والأودية وله جرفة. فالجوف أرض خصبة ذات مياه قد تسيل وقد تكون قريبة من سطح الارض. ولما كانت اليمامة على هذه الصفة، لا يستبعد أن تكون قد سميت بهذه التسمية.

وباًليمامة أودية خصبة، صارت من أهم مواضع الخصب فيها، لوجود الماء فيها على مقربة من سطح الارض ولوجود العيون العذبة بها. من هذه الاودية: "العرض". والعرض الوادي يكون فيه قرى ومياه، أو كل واد فيه نخل، وقال بعضهم: كل وادٍ فيه شجر. ومن أعراض اليمامة، عرًض شمام، وعرض عجر. فالاول يصب في "برك"وتلتقي سيولهما ب "جو"في أسفل "الخضرمة"، فإذا التقيا سميا "محقفاً"، وهو قاع يقطع الرمل. قال الاعشى: ألم تر أن العرض أصبح بطنه  نخيلاً وزرعاً نابتاً وفصافصا

وقال المتلمس وبه لقب: وذاك أوان العرض، جنّ ذباًبه  زنابيره والازرق المتلمـس

وفي الشعر المتقدم دلالة على خصب "العرض"، وكثرة زرعه ونخله، وعلى اشتغال أهله بالزراعة.

وفي اليمامة مرتفع يقال له "عارض اليمامة". والعارض الجبل وقد جاء ذكره في الحديث. وإلى ذلك أشار "عمرو بن كلثوم"بقوله: وأعرضت اليمامة واشمخرت  كأسياف بأيدي مصلـتـينـا

ومن أودية اليمامة "العقيق"، وهو واد واسع مما يلي "العرمة"تتدفق فيه شعاب العارض وفيه عيون عذبة الماء. وبه معدن.

ومن مواضع اليمامة الخصيبة "قُرّان"، موضع به ماء ونخيل، وهو لبني سحيم من بني حنيفة، ويذكر مع "ملهم". و "ملهم"موضع كثيرالنخل، به ماء. ويوم "ملهم"حرب نسبت لهذا المكان بين تميم وحنيفة.

وكانت في الحجاز، ولا سيما ما وقع منه شمال المدينة، عند ظهور الإسلام، مواضع كثيرة ذات عيون ومياه جارية، غرست بالنخيل،واشتغل أهلها باًلزراعة. وقد كان وادي القرى كثير المياه بصورة خاصة،بالنسبة إلى باًطن جزيرة العرب، وعلى مواضع المياه أقيمت مستوطنات وقرى عديدة، عاشت على النخيل والزرع وعلى القوافل التي تسلك هذا الوادي تحمل التجارات. وقد وردت أسماء مواضع عامرة آهلة بالسكان في غزوات النبي، تقع كلها في شمال "يثرب"الى فلسطين، وبين مكة ويثرب بعض مواضع مياه، عاش سكانها على النخيل والقوافل والرعي وبعض الزرع. وكذلك وجدت بعض مواضع مياه "مكة"والعربية الجنوبية.

ومن الأماكن الخصبة "وادي الغرس"، قرب " فدك"بينها وبين "معدن النقرة"،. وكانت فيه منازل بني النضير.

ومن المواضع التي استغلت في الزراعة الجرف. وهو موضع قرب المدينة على ثلاثة أميال منها، بها كانت أموال "عمر"، ومنه حديث "أبي بكر"انه مرّ يستعرض الناس بالجرف فجعل ينسب القبائل حتى مر ببني فزارة. وكان "عبد الرحمن بن عوف"يزرع به على عشرين ناضحاً، فكان يدخل منه قوت أهله سنة. أي انه كان يسقي زرعه نضحاً، والناضح البعير أو الحمار أو الثور الذي يستقي عليه الماء، والنضيح من الحياض ما قرب من البئر حتى يكون الافراغ فيه من الدلو، ويكون عظيماً، وهي ناضحة وسانية.

وأرض يثرب وما تبعها من أطراف، هي من الارضين الخصبة، وقد حفر أصحابها آباراَ بها، وسقوها منها، وغرسوا عليها النخيل وزرعوا بها، واتخذوا لهم بها "الحوائط"و "البساتين". ويظهر أن بعضها كانت واسعة تسقى بآبار غنية بالماء، لها جملة نواضح. وهي تظهر أن أهل المدينة كانوا مزارعين، وأن مزارعهم كانت تأتي عليهم بمال طيب، جعل بعضهم من الأثرياء. وقد استفيد من شراج الحرة في سقي المزارع.، وكانت تستمد ماءها من الحرة. وقد كانت للزبير بن العوّام مزرعة على هذه الشراج، كما كان لأنصاري مزرعة عليها كذلك، وقد ورد ذكرهما في كتب الحديث بسبب اختلافهما على السقي.

وتنافي هذه الأخبار المتحدثة عن اشتغال الأنصار بالِزاعة، الأخبار الأخرى التي يرويها أهل الأخبار أيضاً، الذاكرة أن الأنصار، أهل المدينة لم يكن لهم علم بالزراعة ولم يكونوا يقبلون عيلها، إقبال يهود خيبر وفدك ووادي القرى على الفلاحة. ويظهر أن رواياتّهم هذو إنما نشأت من الوضع السيء الذي كان فيما بين الأوس والخزرج ومن تقاتلهم بعضهم مع بعض، على الرئاسة والزعامة، وبسبب العصبية القبلية الضيقة، فأثر كل ذلك على الزراعة في يثرب وفيما حولها فجعلها متأخرة لاعتداء كل جانب منهما على زرع خصمه، وقد ألهاهم عن الزرع.

وباًلمدينة وأطرافها مواضع عرف الواحد منها ب "البقيع". والبقيع الموضع فيه اًروم الشجر من ضروب شتى، والمكان المتسع ولا يسمى بقيعاً إلا وفيه الشجر، ومنه "بقيع الغرقد"، وقد ورد في الحديث، وهو مقبرة مشهورة بالمدينة. سمي بالغرقد، بشجر له شوك فذهب وبقي الاسم لازماً للموضع، وبقيع الخيل،وبقيع الخبجبة، وبقيع الزبير،وبقيع الخضمات،موضع عند خرم بني النبيت.

وبيثرب ثلاثة أودية مهمة هي: العقيق، وبطحان، وقناة. وفي وادي العقيق عيون ونخيل، وقد ذكر في الحديث. والأودية المذكورة من المواضع الخصبة المنبتة في هذه المنطقة، ومياهها قريبة من سطح الأرض، ومن الممكن العثور عليها بسهولة بحفر الآبار بها.

ومن الأودية التي استفيد منها في الزراعة "وادي مهزور"، وقد ذكر في الحديث. ذكر انه وادي بني قريظة، وان الرسول قضى في سيله ان يحبس حتى يبلغ الماء كعبين. وذكر بعضهم انه يذكر مع "مذينيب"بسيلان بماء المطر خاصة، وهو من أوديةالمدينة. ومن مهزور إلى مذينيب شعبة تصب فيها.

وقد كان من الممكن استصلاح الأرض المحيطة بيثرب، بحفر الآبار بها، فالماء فيها غير بعيد عن سطج الأرض، وهو عذب أو مج لكنه يصلح للشرب ولسقي الزرع. ولما نعمت يثرب بالهدوء في عهد الرسول، أقبل بعض المهاجرين على الزراعة فيها، فحفروا الآبار وزرعوا عليها، وحوّطوها، وجنوا منها ثمراً طيباً، ولولا الفتوحات الاسلامية التي اجتلبت إليها المهاجرين والأنصار على السواء، للخيرات الكثيرة التي كانت في الأرضين المفتوحة، لتحولت يثرب إلى بساتين ومزارع منتجة، تمون الأماكن البعيدة عنها بالتمور وبالفواكه والخضر.

وقد زرع أصحاب الأرض بيثرب أرضهم بقولاّ وحبوباً، ومنهم من زرع تحت النخيل، ورد أن مولى من موالي "عثمان بن مظعون " كانت في يده أرض لآل مظعون بالحرة، فكان يزرعها قثاءً وبقلاً. ولما صارت أرض "بني النضر" خالصة لرسول الله، كان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع والسلاح، وقد كان بنو النضير. قد استغلوا أرضهم، واقاموا بها "الحوائط"، ولما أسلم "مخيريق"، وهو أحدهم، جعل للرسول ما له وهو سبعة حوائط، فجعلها الرسول صدقة.

وذكر في بعض الروايات أن "أحيحة بن الجلاّح"، وكان من اًصحاب الأملاك بيثرب، كانت له بساتين وأرضين يزرعها ويسقيها بالسواني فلا يعبأ بتأخر إلمطر وانقطاعه. ونسب بعض أهل الأخبار له هذه الأبيات: إذا جمادي منعت قطرها  إن جناني عطن معصف

معرورف أسبل جبـاره  أسود كالغابة مغـدودف

يزخر في أقطاره مغدق  بحافتيه الشوع والغريف

ويظهر من وجود المصطلحات الآرامية والفارسية والنبطية في لغة زراع يثرب، اًنهم استعانوا في الجاهلية بالرقيق المستورد من العراق ومن بلاد الشام في زراعة الأرض وفي انباتها، حتى أنهم أخذوا مسميّاتها منهم، مثل "الخربز"الذي هو البطيخ في لغة أهل مكة، كانوا يسمونه "الخربز"، و "الخربز"لفظة عربية معربة، من أصل فارسي، وقد وردت في الحديث.

ونجد في مواضع من بقية جزيرة العرب مياهاً صارت مواطن لسكن، اختلفت كثافة سكانها باختلاف مقدار الماء. وهي رحمة وغوث بالنسبة للرحل ولأهل القوافل ولذلك صارت ملاذاً استليذ به في هذه البوادي البعيدة الأبعاد الجافة القاسية، وقد اضطرت القوافل إلى الاتجاه نحوها للوصول إلى أهدافها، لذلك صارت عقداً، تجتمع في بعض منها جملة طرق برية، إذ كانت ذات مياه غزيرة وعلى مفترق طرق، تختصر الأبعاد والمسافات، وفى هذه الأماكن، ظهرت زراعة النخيل، وهي زراعة تقنع بالقليل من الماء، لامتصاصها الرطوبة من باطن الارض،وبعض النباتات الاخرى، التي لا تحتاج الى سقي كثير، وظهرت البيوت المعدة لاستقبال التجار والمسافرين وأصحاب القوافل.

وفي العربية الشرقية مواضع قرب فيها الماء العذب من وجه الأرض، أو ظهر على وجهها وفار على شكل عيون، وفي هذه المواضع صار سكن وزرع تناسبت كثافته مع كثافة الماء ومدى وصوله، حيث توقف عند ذلك المكان الذي انتهى إليه. فالماء هو الذي يحدد الزرع ويعين نوعه، وهو الذي يقرر السكن ويثبت حده. ومن هذه المواضع التي وجد فيها سكن وزع "هجر"، وقد اشتهرت بنخيلها، فقصدها الأعراب لامتيار التمر منها، حى ضرب بها المثل في كثرة التمر، فقيل: كمبضع تمر الى هجر. ويظهر إن مياهها كانت راكدة متجمعة، فتسببت في ظهور الأوبئة فيها. قال "عمر "عجبت لتاجر هجر، وراكب ألبحر. وإنما خصها لكثرة وبائها، أي تاجرها وراكب البحر سواء في الخطر".

والأحساء من المواضع المشهورة باًلزراعة في العربية الشرقية، وقد عرفت بزراعة النخيل وبعض الأشجار والخضر، وهي لا تزال على مكانتها، فلا تزال عيون مائها تمون الناس بماء شربهم وزرعهم. و "قطر"موضع قديم يعود عهده إلى ما قبل الميلاد، وقد أشير إليه في الكَتب اليونانية واللاتينية، وأسس به المبشرون كنائس، وقد ساهم أساقفته في المجامع الكنسية التي انعقدت للنظر في أمور الجدل بين المذاهب النصرانية، كما اشتهرت بثياب جيدة نسبت إليها، أشير إليها في الحديث، كما أشرت الى ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب.

و "كاظمة"اسم قديم معروف، يرد في الشعر الجاهلي وفي القصص، جوّ من سيف البحر من البصرة على مرحلتين. وفيه ركايا كثيرة وماؤها شروب. وقد أشير إلى قطاها في شعر لامرىء القيس. و "المرائض"في ديار "تميم"بين "كاظمة"و "النقيرة"فيها أحساء.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق