إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1568 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والثمانون الطيرة


1568

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل السادس والثمانون

الطيرة

وقد كان للطيرة شأن كبير في حياة الجاهليين وهي معروفة عند جميع الشعوب، ويقال لها في العبرانية: طيّر " Tayyar"، فهي من نفس الأصل الذي أخذ العرب منه التسمية. ويقال لها في الانكليزية"Augury"، ويرى بعض الباحثين أن الطيرة انتقلت إلى العبرانيين من العرب. وهناك نوع آخر من التطير يقال Haruspicy " في الانكليزية، ويقصد به الطيرة من الحيوانات الميتة، أو مراقبة الحيوان في أثناء ذبحه لمعرفة المستقبل من حركاته وهو يرتجف رجفة الموت.

ويقول علماء الأخبار، إن الطيرة من زجر الطيور ومراقبة حركاتها، فإن تيامنت دل تيامنها على فأل، وان تياسرت دل على شؤم. فهي اذن تشمل التيمن والتشاؤم، إلا أنها خصصت بالتشاؤم فيما بعد. فصارت تعني هذا المعنى عند الاستعمال. قال "الجاحظ": "وأصل التطير إنما كان من الطير ومن جهة الطير، إذا مرّ بارحاً أو سانحاً، أو رآه يتفلى وينتف، حتى صاروا اذا عاينوا الأعور من الناس أو البهائم، أو الأعضب أو الآبنر، زجروا عند ذلك وتطيروا، كما تطيروا من الطير إذا رأوها على تلك الحال. فكان زجر الطير هو الأصل، ومنه اشتقوا التطير ثم استعملوا ذلك في كل شيء".

قال أحدهم: عوى الذئب فاستأنستُ للـذئب إذ عـوى  وصـوت إنـسـان فـكـدت أطـير

كأن الذي يرى ما يكره أو يسمع يطير.

وقد عد العلماء الطيرة والزجر في معنى واحد، لأن أصلهما انهم كانوا اذا أرادوا فعل امر أو تركه زجروا الطير حتى يطير، ثم يحكمون من حركاته على ما سيحدث ويقع، فالزجر والطيرة من ثم شيء واحد. وقد قيل لمن يزجر الطير "زاجر" لأنه اذا رأى ما يظن انه يتشاءم به زجر بالنهي عن المضى في تلك الحاجة برفع صوت وشدة".

والطيور هي مادة التطير، وذلك بمراقبة حركاتها وسكناتها. وهو ما يقال له في العبرانية: "نيحوش" "نحوش"، "Nihush"، من أصل "نيحيش" "نحش". وتقابل لفظة "نحش" كلمة".حنش" في العربية وتعنى "الثعبان". وقد ذهب بعض علماء التوراة. ان لكلمة "نخش، صلة بالثعبان، ذلك لأن الثعبان كان من الآلهة القديمة، بينما يرى بعض اخر عدم وجود صلة ما للثعبان بهذا الموضوع، لأن العبرانيين "لم يتعبدوا البتة للثعابين، فلا صلة للثعبان به.

ويدخل في باب الزجر، زجر الطير والوحش. ويذكر بعض العلماء ان الأصل في الطيرة، هو زجر الطير، ثم صار في الوحش، وقد يجوز ان يغلب أحد الشيئين على الاخر فيذكر دونه ويرادان جميعاً.

وقد يراد بالطيرة "التشاؤم" الذي هو خلاف التيامن، غير أن "التشاؤم" هو في الواقع أوسع مجالاً وأكثر ساحة من الطيرة، لأن التشاؤم طيرة وزيادة، وأعني بالزيادة تشاؤم المتشائمين من أمور أخرى كثيرة مثل التشاؤم من ذوي العاهات أو القبح من البشر، والتشاؤم من سماع الكلام السيء أو الأخبار السيئة عند الصباح أو من رؤية ميت أو سماع نياحة أو مشاهدة مخلوق مشوه أو سماع اسم موضع يدعو التشاؤم أو اسم شخص فيه معنى التشاؤم وامثال ذلك، فتكون كل هذه الأمور مدعاة للتشاؤم عند المتشائمين. " حتى صاروا إذا عاينوا الأعور من الناس أو البهائم، أو الأعضب أو الأبتر، زجروا عند ذلك وتطيروا عندها كما تطيروا من الطير اذا رأوها على تلك الحال".

ويقول علماء اللغة: الشؤم: خلاف اليمن. ورجل مشؤومء على قومه. وأصل ذلك هو أن العرب تتفائل بالجهة اليمنى، وتتشاءم من الجهة اليسرى، ولذلك كانت اذا أرادت أن تعمل عملاً عمدت إلى "الزجر" وهو رمي الطير بحصاة، ثم يصيح الرامي، ليفزعها ويزجرها، وعندئذ يراقب حركة طيرانها، فإن تيامنت أي جرت يمنة تفاءل به، وان تشاءمت أي تياسرت، تشاءم به. فالتيمن هو بالتيامن والتشاؤم هو بالتياسر. ولذلك قيل للكاهن "زاجر" أيضاً، " لأنه إذا رأى ما يظن أنه يتشاءم به زجر بالنهي عن المضي فى تلك الحاجة برفع صوت وشدة". ولاعتماد الزاجر على الطيور في الغالب في هذا النوع من التكهن قيل له: "الطيرة". قال علماء اللغة: "وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها والتطير ببارحها ونعيب غرابها وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها، فسمّوا الشؤم طيراً وطائراً وطيرة لتشاؤمهم بها".

و لابد ان يكون للتطير صلة بعقيدة استحالة الأرواح طيوراً بعد مفارقتها الأجساد، قد كان من المتعارف عليه عند كثير من الشعوب القديمة ان بعض فصائل الطيور هي أرواح الموتى بعد مفارقتها الأجساد، وانها لذلك تعي وتفهم، وان في استطاعة بعض الناس فهم منطقها وتكليمها، ومن هنا ظهرت فكرة "منطق الطير". وقد كان "سليمان" يحادث الطير. فاذا كانت الطير على هذه الصفة، ففي حركاتها وسكناتها منطق لمن لا يحسن منطقها، يشير إلى ما يجب على الإنسان ان يفعله أو يتركه من أعمال.

وقد كان للتطير والتفاؤل شأن كبير في حياة الجاهليين. كما كان لهما مثله في حياة شعوب أخرى عديدة: ومن بينهم اليونان والرومان والفرس والتطير هو نظير التشاؤم في المعنى كما قلت. أما نظير التفاؤل، فهو التيامن. وفي روايات أهل الأخبار أمثلة عديدة من أمثلة الطيرة وقعت لبعض القبائل عند إقدامها على الحرب، فخسرت لتطيرها. ويحدث من التطير النحس، وأما من التفاؤل فيكون السعد.

وفي الأخبار: "كانت العرب اذا خرج أحدهم من بيته غاديأَ في بعض الحاجة، نظر: هل يرى طائراً يطير، فيزجر سنوحه أو بروحه، فاذا لم ير ذلك، عمد الى الطير الواقع على الشجر، فحرّكه ليطير، ثم نظر إلى أي جهة يأخذ، فزجره. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "اقروا الطيرعلى مكناتها: لا تطيروهها ولا تزجروها". وذكر" انهم كانوا في الجاهلية اذا خرج أحدهم لحاجة، فان رأي الطير طار عن يمينه تيمن به واستمر، وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع، وربما كانوا يهيجون الطير، ليطير فيعييدون ذلك".

وقد أبطل الرسول الطيرة. " وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتفاءل ولا يتطير. وأصل الفأل الكلمة الحسنة يسمعها عليل، فيتأول منها ما يدل على برئه،كأن سمع منادياً نادى رجلاً اسمه سالم، وهو عليل، فآوهمه سلامته من علته، وكذلك المضل يسمع رجلاً يقول يا واجد، فيجد ضالته. والطيرة مضادة للفأل. وكانت العرب مذهبا في الفأل والطيرة واحد. فأثبت النبي الفأل واستحسنه وأبطل الطيرة ونهى عنها".

وروي أن أهل الجاهلية كانوا يقولون: "إن الطيرة في المرأة والدار والدابة" و "الكدس" التطير، و "الكدسة" عطسة البهائم، وقد تستعمل للانسان: ومنه الحديث: اذا بصق أحدكم في الصلاة، فليبصق عن يساره أو تحت رجله، فإن غلبته كدسة أو سعلة ففي ثوبه. والكادس ما يتطير به من الفال والعطاس وغيرهما. ومنه قيل للظبيّ وغيره إذا نزل من الجبل وغيره كادس.

ومن الألفاظ المستعملة في "الزجر" "سنح" و "برح". وللفظة "برح" معان عديدة، وهي من الكلمات السامية الواردة والباقية في عدد من لهجاتها. ومنها لفظة "البارح" وهي ضد "السانح". و "السانح ما مرّ من الطير والوحش بين يدِيك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب تتيمن به، لانه أمكن للرمي والصيد. والبارح ما مرّ من يمينك إلى يسارك،والعرب تتطير به، لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف".

وقد ذكر بعض اللغويين عكس المعنى، كما ذكر أن أهل نجد كانوا يتشائمون بالبوارح ويتيمنون بالسانح. أما غيرهم من العرب، فقد كانت تتيمن بالبارح، وأن بعضاً منهم لم يكن له رأى في شيء من هذا. وذكر ان أهل "العالية" يتشائمون بالسانح ويتيمنون بالبارح.

قال ذو الرمة وهو من نجد: خليلي، لا لاقيتما ما حييتـمـا  من الطير إلا السانحات وأسوأ

وقال النابغة، وهو نجدي أيضاً، يتشاءم بالبارح: زعم لالاقيتما البوارح ان رحلتنا غداً  وبذاك تَنعاب الـغـراب الأسـود

وقد عبر "كثير" رأي أهل الحجاز بقوله: أقول إذا ما الطير مرت مخيفة  سوانحها تجري ولا استثيرها

وذكر أن هذيلاً كانت تتشاءم بالسنيح. أما غيرها،فكانت تتشاءم بالبارح.

ويقال للمتطيرين من الرجال " الخثارم" وذكر ان "بني لهب"، "هم أعيف العرب وأزجرهم للطير". وهم بطن من العرب يعرفون بالعيافة. ولأهل الأخبار قصص عن عيافتهم وعن زجرهم للطير.

ومن الطيور التي تطير منها أهل الجاهلية: الغراب وطيور الليل، وهي البومة، والصدى، و الهامة، و الضّوع، والوطواط، والخفاش، وغراب الليل.

وقاعدتهم في الطيرة، انهم يشتقون من اسم الشيء الذي يعاينون ويسمعون. من ذلك قول سوّار بن المضرب: تغنىّ الطائران ببـين لـيلـى  على غصنين من غَرْب وبان

فكان البان أن بانت سلـيمـى  وفي الغرب اغتراب غيرُ دانِ

فاشتق الاغتراب من الغرب، والبينونة من البان.

وفال عنترة: ظعن الذين فراقهـم أتـوقـع  وجرى بينهم الغراب الأبـقـع

حرَِق الجناح كأن لحْـييَْرأسـه  جلمان بالأخبار هش مـوُلـع

فزجرتـه ألا يفـرخ بـيضـه  أبداً ويصبح خائفاً يتـفـجـع

إن الذين نعْبتَ لي بفـراقـهـم  هم اسهروا ليلى التمام فأوجعوا

فقال: وجرى بينهم الغراب، لأنه غريب، ولأنه غراب البين، ولأنه أبقع. ثم قال: حرق الجناح تطيراً ايضاً من ذلك. ثم جعل لحيي رأسه جلمين، والجلم يقطع. وجعله بالأخبار هشاً مولعاً، وجعل نعيبه وشحيجه كالخبر المفهوم.

وأشأم الطيور عند الجاهليين، "الغراب": "ليس في الأرض شيء يتشاءم به إلا والغراب أشأم منه"، ولذلك قالوا إذا نعب: خيراً خيراً، وذلك من باب التفاؤل بالأضداد. " والعامة تتطير من الغراب، إذا صاح صيحة واحدة، فإذا ثنىء تفاءلت به"، " واذا صاح الغراب مرتين، فهو شرّ، واذا صاح ثلاث مرات، فهو خير". وورد "غراب البين" و "الغراب الأبقع" و "الغراب الأسود". ويراد بذلك التشاؤم بفراق الأحبة، ويقال للغراب الأسود "حاتم"، والحتمة السواد، وهو مشؤوم، لم لأنه يحتم بالفراق. "والعرب تتشاءم من الغراب،ولذا اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب". " فالغراب أكثر من جميع ما يتطير به في باب الشؤم، ألا تراهم كلما ذكروا ما يتطيرون منه شيئاً ذكروا الغراب معه ? وقد يذكرون الغراب ولا يذكرون غيره، ثم إذا ذكروا كل واحد من هذا الباب لم يمكنهم أن يتطيروا منه إلا من وجه واحد، والغراب كثير المعاني في هذا الباب، فهو المقدم في الشؤم". وروي أن "ابن عباس" كان إذا صاح الغراب، قال: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إلهَ غيرك. قال الجاحظ: "وليس في الأرض بارح ولا نطيح، ولا قعيد، ولا أعضب ولا شيء مما يتشاءمون به إلا والغراب عندهم أنكد منه، يرون أن صياحه أكثر أخباراً، وان الزجر فيه أعم قال عنترة: حرِق الجناح كأنّ لحيي رأسه  جلمان، بالأخبار هش مولع

وفي الغراب وشؤمه يقول الأعشى: ما تعيف اليوم في الطير الروح  من غراب البين أو تيس برح

وقد كنوا عنه بكنى عديدة، دلالة على مقدار اهتمامهم به. فقالوا له:أبو حاتم، وأبو جحادف، وأبو الجراح، وأبو المرقال، وأبو حذر، وأبو زيدان، وأبو زاجر، وأبو الشؤم، وأبو غياث. ووضعوا الأمثلة على لسانه وعنه. وقصوا عنه الحكايات. من ذلك، انه أراد ان يقلد القطاة في مشيها، فحاكاها لكنه لم يفلح في المشي مشيها، فلما أراد العود إلى مشيته الأولى، أضل مشيته، إذ نسيها، فنسي المشيتين: فلذلك سمّوه: أبا المرقال. وضربوا المثل بالغراب الأعصم، فقالوا: أعز من الغراب الأعصم،للشيء القليل الوجود. وأوردوا له قصصاً مع الديك ومع حيوانات أخرى. ورموه بالفسق والفجور.

وفي الشعر الجاهلي وشعر المخضرمين اشارات إلى شؤم الغراب. جاء في شعر"حسان بن ثابت": وبيَّن في صوت الغراب اغترابهم  عشيةَ أو فى غصن بان فطربـا

فصوت الغراب، يشير إلى الغربة والاغتراب، لذلك كره.

وهو من ألأم الطير وأخبثها، وهو من عبيد الطير، وليس من أحرارها،فهو دنيء النفس، إذا صادفته جيفة، نال منها، وهو لا يتعاطى الصيد. فهو حيوان خبيث الفعل وخبيث المطعم، لذلك عدّ العرب أكله عاراً يعير من يقدم عليه وكانوا يتعايرون بأكل لحمه. وليس ذلك" لأنه يأكل اللحوم ولأنه سبع"، لو كان ذلك منهم "لكانت الضواري والجوارح أحق بذلك عندهم" إنما امتنعوا عن أكله، لأنه يأكل الجيف والقاذورات، ولذلك عدّه العبرانيون من الحيوانات النجسة، والحيوانات النجسة،هي في الغالب الحيوانات التي لا يجيز أكل لحومها، والظاهر أنه كان على هذه النظرة عند أغلب الساميين.

ونعت الغراب ب "الأعور"، قيل إنه نعت بذلك لحدة نظره، وقيل أنما سموه "الأعور" تفاؤلاً بالسلامة. ووصف بالحذر، فقيل: أحذر من غراب، وقيل انه نعت بذلك على التشاؤم به ة لأن الأعور عندهم مشؤوم، وقيل لخلاف حاله، لأنهم يقولون: أبصر من غراب، ويقال سمي الغراب أعور، لأنه إذا أراد أن يصيح يغمض عينيه.

ويذكر أهل الأخبار ان غراب البين نوعان: أحدهما صغار معروفة بالضعف واللؤم. أما الآخر، فانه ينزل في دور الناس، ويقع على مواضع اقامتهم اذا ارتحلوا عنها وبانوا منها، ولذلك سمي بغراب البين.

وللعرب عادات بالنسبة إلى الغراب، ترى انه اذا علق منقار الغراب على انسان، حفظ من العين. أما اذا علق طحاله على انسان، هيج الشبق. وان دمه اذا جفف وحشي به البواسير، أبرأها. واذا أكل مشوياً، نفع القولنج. واذا غمس الغراب الأسود بريشه في الخل، وطُلي به الشعر، سوّده. واذا طلي بها انسان مسحور، بطل عنه السحر. واذا جفف لسان الغراب "الزاغ"، ثم أكله انسان عطشان، ذهب عطشه.

ونسب إلى المرقش السدّوسي، ذكر الغراب في شعره، إذ قيل انه قال:  

ولقد غدوت وكنـت لا  أغدو على واق وحاتم

واذا الأشـائم كــالأيا  مِنِ، والأيامنُِ كإلأشائم

ويبين هذان البيتان رأي هذا الشاعر في التيامن والتشاؤم.

وكان العرب اذا أرادوا ان يصفوا أرضاً بالخصب والسواد، قالوا: وقعوا في أرض لا يطير غرابها، فهذا يعني ان الأرض كلها خصبة مزروعة سوداء، لا ترى فيها قطعة بيضاء،ولا ترى إلا الزرع والخيرات والثمر. واذا أرادوا التعبير عن انتقال مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة، وعن التهام الشيب لسواد الرأس: قيل: طار غراب البين.

وقد يكون في جملة أسباب تشاؤم العرب من الغراب، انه كَان يضر بإبلهم. فهم يذكرون انه اذا وجد دبرة في ظهر البعير، أو قرحة في عنقه، سقط عليها ونقره وعقره. ولذلك كانوا اذا رأوا دبرة بظهر البعير، غرزوا في سنامه إما قوادم ريش أسود، وإما خرقاً سودا، لتفزع الغربان فلا تتقرب منه ولا تسقط عليه. وقد يضعون الريش في اسنمتها وتغرز فيها. والعرب تسمي الغراب لذلك "ابن دأية"، لأنه ينقر دبرة البعير أو قرحة عنقه، حتى يبلغ إلى دايات العنق وما اتصل بها من خرزات الصلب، وفقار الظهر.

والغراب من الطيور التي ورد ذكرها في التوراة. والعبرانيون مثل العرب اعتقدوا بالطيرة منه، أي بتأثير حركاته وسكناته في احداث الفأل والشؤمْ. وقد ذكر "الجاحظ" جريدة بأسماء الجهات التي يقف عليها "الغراب" فينعب، وما سيقع من وقفته تلك ومن نعيبه، وما يجب أن يفعله أو يتجنبه ورقة ناقصة 796 وعدم الملل من شيء. ويقولون: ذهب الغراب يتعلم مشي العصفور أو القطاة، فلم يتعلمها، ونسي مشيته. فلذلك صار يحجل ولا يقفز قفزان العصفور، أو مشية القطاة.

والبوم من الطيور التي يتشاءم منها بعض الناس، ولعل ذلك بسبب منظرها الكئيب ولصوتها الحزين وظهورها في الليل، والليل هو رمز الشر. ويدل وصفها. "أم الخراب " و "أم الصبيان " على النظرة السيئة التي. كان يراها إلعرب لها. ويقال إن من أنواعها الصدى والهامة. ولعل اعتقادهم ان الصدى والهامة أو ذكر البوم منها، هي روح الميت المرفرفة على القبر هو التي حمل أولئك المتشائمين على التشاؤم منها.

والعاطوس، وهي سمكة في البحر أو دابة من الحيوانات التي كان العرب يتشاءمون منها. وكذلك "الأخيل" وهو "الشقراق"، له يتطيرون منه، ويسمونه مقطع الظهور: يقال اذا وقع على بعير، وان كان سالماً يئسوا منه، واذا لقي المسافر الأخيل تطير وأيقن بالعقر إن لم يكن موت في الطهر. وهم يتشاءمون من الثور الأعضب أيَ المكسور القرن. ويتشاءمون من "العراقيب"، الشقراق. وتقول العرب: اذا وقع الأخيل على البعير ليكشفن عرقوباه. وقيل: كل طائر يتطير منه للابل، فهو طير عرقوب لأنه يعرقبها.

ويتطيرون بالصرد، ومن أسمائه الأخطب، ويقال "الأخيل" كذلك. و "الواق" أيضاً الصرد. ويتشاءمون من "الأفكل"، وهو الشقران، فإذا عرض لهم كرهوه وفزعوا منه وارتعدوا.

وائثعلب والأرنب من الحيوانات التي استعان بها الزاجر، في للزجرا. وللواقع ان أهل الزجر قد توسعوا في علمهم حتى شمل كل المخلوقات، فحركات الإبل والخيل وسكناتها كلها ذات معان ومفاهيم يعرفها المشتغلون بالطيرة،وكانوا يستعينون بغيرها من الحيوانات.

وقد ذكر بعض الأخباريين أن العرب تتشاءم من الأفراس بالأشقر. وذكروا أيضاً أنها تطيرت من: "المرأة، والدار، والفرس". وفي الحديث: "إن كان الشؤم، ففي الدار والمرأة والفرس" وورد: "إنما للشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار". وذكر أن "عائشهَ"، قالت: "وإنما قال: ان أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك"، أي ان للرسول انما قال ذلك حكاية عن أهل الجاهلية فقط.

وكما يتغلب الإنسان على الأمراض بالأدوية والعلاج، كذلك يمكن التغلب على النحس وشؤم ناصية المرأة وعتبة الدار بالذبائح في بعض الاحيان، ولهذا جرت العادة بذبح ذبيحة أو عدة ذبائح عند زفاف العروس إلى بعلها ووصولها عتبة بيته طرداً للارواح الشريرة وإرضاء لها، كما جرت العادة بذبح الذبائح حين الانتقال إلى دار جديدة، أو حين الشعور بوجود أرواح فيها،ويقال لهذه الذبائح "ذبائح الجان".

وقد ابتدع الجاهليون طرقاً لإبعاد الطيرة من تفكيرهم، من ذلك انهم تجاهلوا بقدر إمكانهم، المسمياتّ التي تبعث على التشاؤم بتسميتها بضدها من الكلمات التي لا يتشائم منها، فسموْا اللديغ بالسليم، والبرية بالمفازةِ، وكنوا الأعمى بالبصير والأعور ممتعاً، والأسود أبا البيضاء، وسموا الغراب بحاتم، وذلك لتشاؤمهم من الغراب. واتسميه بالأضداد لدفع الطيرة عن الأذهان، ليست عادة جاهلية حسب، انما هي معروفة في الإسلام كذلك. كما انها معروفة عند غير العرب من الأمم قديمأَ وحديثا.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق