إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1584 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والتسعون الشجر


1584

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
     
الفصل الثاني والتسعون

الشجر

الشجر في تعربف علماء اللغة: ما قام من النبات على ساق، أو ما سما بنفسه دق أو جل، قاوم الشتاء، أو عجز عنه. وتطلق اللفظة على كل الشجر، مهما كان أصله، شجر زرعه إنسان بغرس، أو بحبّ. أو شجر أنبتته الطبيعة. شجر الحضر، أي الشجر الذي يعيش بين أهل المدر، وشجر وحشي، نبت على الجبال أو في البوادي، دون أن تتعهده يد إنسان.

والشجر: شجر مثمر، وشجر غير مثمر. ثم هوأهلى، أي من غرس وزرع الإنسان، وبري أي من انبات وغرس الطبيعة. والعادة إن ثمر الشجر الأهلي أطيب وألذ من ثمر الشجر البري، لاعتناء الإنسان به ورعايته له. ويستعمل الشجر الذي لا ثمر له، حطباً أو في أعمال البناء إن كان ذا خشب جيد، وفي أعمال أخرى. وفي جبال "السراة"أنواع من أشحار الجبال. ومن الأشجار المثمرة النخيل وسائر أشجار الفواكه.

وقد وجد النخل في كل مكان من جزيرة العرب فيه ماء ولو كان قليلاً. وهو شجر صبور، يصبر على العطش طويلاّ، ومن أجل ذلك صار مثل الجمل رمزاً للصحراء. ولم ينفر العربي من زراعة النخيل نفوره من زراعة أشجار الفواكه والخضر بوجه خاص. وقد تخصص بزراعة النخل المستقرون بالطبع.

أما الأعراب، فإنهم لاضطرارهم إلى التنقل من مكان إلى مكان،ولعدم استقرارهم في موضع واحد استقرار أهل الحضر، لم يكن ميسوراً لهم غرسه. ثم انهم كانوا يزدرون الزراعة بجميع أنواعها، وفي ضمنها زراعة النخيل، وأية زراعة أخرى بلا استثناء.

والنخل، هو شجر التمر، وهو "ن خ ل""نخل"في المسند كذلك. وقد صورت النخلة ونحتت على بعض الصخور وعلى كثير من نصوص المسند، وجعلت رمزاً للشمس. وكان السومريون يجعلونها رمزاً للشمس كذلك. والظاهر أن تحمل النخلة لحر" الشمس، ووجودها في مناطق دافئة، ومنظر رأسها الذي هو على شكل كرة مكونة من السعف، الذي يشبه خيوط أشعة الشمس، حمل الناس على تصور قيام صلة لها باًلشمس، فجعلوها رمزاً لها وعلامة عليها.

وتعني لفطة "انخل""انخل"، "النخيل"وبساتين النخيل ومزارعها، ومن "نخل"أخذتَ لفظة "منخل"بمعنى مزرع النخيل، أي الموضع المزروع نخلاَ. وقد عني العرب الجنوبيون بزراعة النخيل، وكونوا بساتين واسعة منها. وكانت "نجران"من أهم المناطق ألمشهورة بزراعة النخيل.

واذا استقام فسيل النخل وثبت في الأرض، صبر على العطش، وتحمل السكوت عن طلب الماء، أمداَ طويلاَ، لاعتمآده على رطوبة الأرض ولامتصاص جذوره للمياه الجوفية. ويقال للنخلة التي لا تحتاج إلى سقي: "الغامرة".

وقد ورد عن الرسول قوله: "خير المال سكة مأبورة"، قيل أراد النخل المصطف، والسكة أيضاً: السنة وهي الحديدة التي يشق بها الفدان الأرض، وبقال لها أيضاً المان. وقد اعتبر العرب النخل من الشجر المبارك الذي بورك فيه لما فيه من فوائد.

والنخيل، هي مثل الجمال ثروة ورأس مال تدر على صاحبه ربحاً وافراً، ومن كان له نخل وافر كان غنياً ثرياً. وقد ربح أصحاب النخيل أرباحاً طائلة من اشتغالهم بزراعة النخيل. فالتمر هو مادة ضرورية يعيش عليها أكثر العرب وبتأدمون بها. يأكلونه بدلاً من اللحم. وكان الأعراب يأتون أهل الريف، بما عندهم من وبر ومن حاصل البوادي، ليبادلوه بالتمر وباًلدقيق وبما يحتاجون اليه في حياتهم البدوية من حاجات ضرورية. فكسب أصحاب النخيل أرباحاً طيبة من بيعهم التمور. ولا يوجد مكان في جّزيرة العرب فيه ماء، إلا والنخلة هي سيدة المزروعات فيه، بل تكاد تكون النبات المتفرد بالزرع في أكثر الأمكنة، لا يزاحمها نبات اخر من النبات.

ويقال للنخل المرتفع طولاً مجنون، وهو نخل يقل تمره، وتقل فائدته لذلك. واذا غرس النخل سطراً على جدول أو غير جدول، قيل: "نخل ركيب".

و "الجباب"تلقيح النخل، وزمن الجباب زمن التلقيح للنخل، و "الأبر"تلقيح النخل أيضاً. وكانوا يلقحون النخلة بدسَ شمراخ الفحال في وعاء الطلع.

ويؤكل التمر رطباً، ويؤكل يابساً جافاً. ويقال لنضيج البسر قبل إن يتمر "رطباً"وواحدته "رطبة". واذا كان التمر يابساً قيل له "القسب". ويستعل "القسب"بعد انتهاء موسم التمر وذهابه، وهو أكثر تمر الأعراب، لسهولة المحافظة عليه من التلف ومن الفساد وتغير الطعم.

وقد لجأ الجاهليون إلى طريقة كبس التمر، للمحافظة عليه زمنأ طويلاً، ولسهولة نقله والاتجار به من مكان الى مكان. ومن طرقهم في ذلك، أنهم كانوا ينزعون نواة التمر، ثم يكنزونه في قرب وظروف من الخوص، ويقولون لذلك التقليف. والقلف التمر الذي نزع نواه وكنز في القرب وظروف الخوص. ولا تزال طريقة التقليف معروفة، ويقال لما يخصف من التمر في "الخصاف"، تمر مخصوف، وللتمر المكبوس في الخصافْة مع ظرفه "الخصافة"، أما القربة التي يكبس في داخلها التمر، فيقال لها مع تمرها المكبوس بها "الكيشة" في لغة أهل العراق في الوقت الحاضر. و "تمر كيشة"، هو التمر الذي يستخرج من " الكيشة".

وقد يحفظ التمر في "القراب"، وعاء شبه جراب من أدم: " وفي كتابه لوائل بن حجر: لكل عشرة كل من السرايا ما يحمل القراب من التمر".

ويكنز التمر في وعاء من خوص يقال له: "جلة" و "الجلة"، وهو "القفعة"، وبسمى باًلعراق "القفة"، و "جلة التمر"في لغة أهل اليمن.

وللنخل فوائد كثيرة جعلها بعضهم نحواً من "360" فائدة، مثل استعمال سعفه وخوصه وجذوعه وليفه في حاجات الإنسان. حيث يصنع منها مختلف الأشياء، ويباع بعضها في الأسواق، فتكون دخلاً لأصحابها. وصارت منها صناعة تعيَّش عليها أناس، ولا زالت الصناعات المستندة على استغلال النخلة وأجزائها وسعفها باقية، وان أخذت في الأفول والاندثار، بسبب منافسة الجديد للقديم " وانصراف الناس عن الوسائل البدائية القديمة إلى الجديد المريح الرخيص.

والنخل في كل موضع من جزيرة العرب فيه ماء. وهو أنواع وفصائل كثيرة. وقد اشتهرت "هجر" يكثرة تمرها، وبزيادته عن حاجة أهلها، فكان الاْعراب يأتونها للامتيار، ولشراء التمر منها. وفيها ضرب المثل: كمبضع تمر الى هجر، و "كجالب التمر إلى هجر". وكانت تصدره إلى البوادي والى اليمامة، حين يقل تمرها. وقد عرفت بكثرة وبائها. قال "عمر": لا عجبت لتاجر هجر وراكب البحر"، كأته أراد لكثرة وبائها وخطر البحر، فتاجرها وراكب البحر في الخطر سواء.

واشتهرت خيبر بكثرة تمورها كذلك، حتى ضرب بها المثل في كثرته كما ضرب المثل بكثرة تمر هجر. قال "حسان بن ثابت ": فأنا ومن يهدي القصائد نحونـا  كمستبضع تمراً إلى أهل خيبرا

وقال "خارجة بن ضرار المري": فإنك واستبضاعك الشعر نحونا  كمستبضع تمراً إلى أهل خيبرا

ولا تزال أرض خيبر تحتضن النخيل وتتعهدها بالعناية والرعاية، وقد وصف "فلبي"موضعها في الوقت الحاضر، وذكر إن الذي يعتني بالنخيل، هم قوم من "العبيد"، يقومون بفلاحة الأرض وبالعناية بالشجر، مقابل الحصول على نصف الحاصل، فإذا حل موسم القطاف، أخذت الحكومة حصتها قبل اقتسام الحاصل، ثم قسّم الباقي بين الأعراب الذين يدعون ملكية الأرض وبين العبيد الذين يسهرون طيلة ايام السنة على رعاية الشجر وعلى الزرع، والمفروض أن تكون القسمة قسمة عادلة، قسمة مناصفة، غير إن الأعراب يشتطون في القسمة فيأخذون لهم أكثر مما يأخذ العبيد. وينطبق هذا الوصف على حالة قسمة الحاصل في المواضع الأخرى من جزيرة العرب في الجاهلية، ولا سيما في العربية الجنوبية. فقد كان جباة الحكومة أول من يأخذ حصة الحكومة، أو حصة الحاكم المهيمن على المكان، ثم يأتي دور صاحب الأرض، الذي يحاول الاستئثار بالحاصل حتى لا يترك للفلاح الذي يفلح ويتعب ويكدّ إلا أقل ما يمكن اعطاؤه له.

وبأرض -خيبر جملة عيون ومسايل ماء، لا زال الناس يزرعون عليها. وتوجد آثار نقوش وكتابات تشير إلى سكن كان بهذا الموضع يعود إلى أيام الجاهلية. وقد عثر "فلبي"على نقود قديمة، ومن الممكن استصلاح أرض خيبر وتحويلها إلى أرض زراعية منتجة.

و "تيماء"من المناطق الخصبة كذلك. وتشاهد آثارها ظاهرة للعيان. وقد حصل المنقبون على مجموعات أثرية منها، في جملتها قطع من النقود تعود إلى القرن الاْخير قبل الميلاد. وهناك آثار آباًر ومسايل ماء تدل على أن الأرض كانت مخصبة مزروعة، ومن أشهر آبارها بئر "خداج". يستقي منها الأعراب ويزرعون عليها في الوقت الحاضر. وقد وجد "فلبي"صوراَ وصخوراً منحوتة تمثل رأس الإلهَ "صلم"إلَه ثمود وإلَه هذه المنطقة، وأمامها أرض ممهدة كانت موضع تقديم القرابين لذلك الإلَه.

وقد وجد "فلبي"وغيره من السياح ممن زار هذه الأرضين الواقعة شمال "يثرب"، آثار مستوطنات جاهلية كثيرة وآثار قنوات وآبار ومسايل مياه، تدل على أنها كَانت عامرة مزروعة، وان في الامكان احياءها، وآن آفة اندثارها هو كثرة الغزو الذي وقع عليها وعدم وجود حكومات تدافع عنها وتحميها من غزو الأعراب، الذين كانوا وباًءً بالنسبة للحضر، ينهبون ما يجدونه اًمامهم ويحرقون الزرع ثم يهربون.

وعرفت اليمامة بتمورها أيضاً، وهو أنواع عديدة، وكان الأعراب يأتونها لشراء التمر منها، وقد عرف الذين يردون اليمامة لامتيار التمر ب" السواقط"، و "السقاط"ما يحملونه من تمر.

وعرفت يثرب وما حولها وما وقع أعلاها إلى بلاد الشام بكثرة نخلها، وهو نخل زرع سككاً في بساتين على طريقة الأنباط في أمصارهم.، لا يخافون عليها كيد كائد. تتخلله السواني والسواقي لتسقيه، فيثرب حوائط وآطام، عاش أهلها على الزرع والغرس والجلاد. وقد أشير إلى كثرة نخل يثرب في شعر ينسب إلى الشاعر "امرىء القيس"، فنعتها ب "جنة يثرب":  

علون بأنطاكية فوق عقـمة  كجرمة نخل أو كجنة يثرب

وقد افتخر "كعب بن مالك"يوم الخندق على قريش بأن قومه غرسوا النخل حدائق تسقى بالنضح من آبار ثقبت من عهد "عاد"أي من آبار قديمة جداً، فهي تسقي النخيل المغروسة عليها، ولهم رواكد فيها "الغاب"و "البردى"يزخر فيها نهر "المرار"، ولهم الزرع الذي يتباهى بسنبله الجميل، لا سيما إذا أصابته أشعة الشمس، لم يجعلوا تجارتهم اشتراء الحمير لأرض دوس أو مراد، بل أثاروا الأرض وحرثوها وغرسوها على نحو ما تفعل النبط في أمصارها، لا يخافون عليها كيد كائد، دلالة على عز أهل يثرب ومنعتهم وأنهم لم يغلبوا على بلادهم من قديم الدهر كما أجليت أكثر الأعاريب عن محالها وأزعجها الخوف عن مواطنها.

ومن أنواع التمور: "الصرفان"، و "البرني"، تمر أصفر مدور، من أجود التمور. وقيل: ضرب من التمر أحمر مشرب بصفرة كثير اللحاء عذب الحلاوة. و "التعضوض"ضرب من التمر، والعمر نخل السكر، وهو معروف عند أهل البحرين. و "البحون"، ضرب من التمر، والصفرى، وقد نعت بأنه سيد التمور، ثم "السرى"، ثم "اللصف"، ثم "الفحاحيل"، ثم "المجتنى"، ثم "الجعا دى"، ثم "الشماريخ"، ثم " المشمرخ"، ثم "البياض"، ثم "السواد"وهما ألوان كثيرة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق