إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1571 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والثمانون الطيرة الفأل


1571

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل السادس والثمانون

الطيرة

الفأل

والفال ضد التشاؤم والطيرة. ويكون برؤية شيء أو سماع أمر أو قول أو غير ذلك يُتفاءلُ منه، كأن يسمع مريض رجلا يقول يا سالم فيقع في ظنه انه يبرأ من مرضه، أو يسمع طالب حاجة رجلاً يقول يا واجد فيخال انه يجد ضالته، فيتوقع صحة هذه البشرى،. ويقال لذلك في الانكليزية Omen. وهو معروف عند العبرانين وقد ذكر في التوراة.

وأصل كلمة "الفأل" على ما يظهر للتشاؤم والتفاؤل، أي أنها كالطيرة أريد بها الحالتان، ثم تخصصت بالحسن، كما تخصصت الطيرة بالشؤم. وقد نهي في الحديث عن الطيرة. أما الفأل، فقد ورد ان الرسول كان يتفاءل ولا يتطير لما في التفاؤل من أثر طيب في أعمال الإنسان.

وضد "الشؤم" "اليمن"، ومن معاني اليمن "البركة"، و "الميامين" على نقيض "المشائيم"، و ""الميمون" ضد "المشؤوم". وورد "ميمون النقيبة" و "ميمون الناصية". ويلاحظ ان للناصية علاقهٌ متينة بالشؤم والتيمن، فكما يقال "ميمون الناصية" قيل "شؤم الناصية" كذلك، وهى كناية عن الإنسان، فقد كان في رأيهم ان من الناس من هم شؤم، ويجلبون الشؤم على من يراهم، وان منهم من تجلب رؤيته الخير لمن يراه. ويكون للحسن وللقبح ولسيماء الوجه والجسم دخل كبير في تكوين رأي عن الشخص الذي يُتشاءم أو يُتفاءل منه. وقد قلت إن بعض العاهات التي تكون في بعض الناس، تجعل غيرهم يتشاءمون منهم عند وقوع نظرهم عليهم في الصباح.

وهناك كلمات عديدة في التشاؤم و "الشؤم"، مثل "شائم" و "شؤم" و "مشؤوم" و "مشوم" و "مشائيم" و "تشاءموا"، و "الأشأم " وأمثال ذلك.

ولا يقتصر استعمال هذه الألفاظ على جنسٍ معين، بل تقال لكل ما يجلب الشؤم على الإنسان. فمن البشر - كما قلت - من هم شؤم على غيرهم، يجلبون الشرّ لمن يتشاءم منهم، يستوي في ذلك الرجال والنساء والأطفال. ولما كان التشاؤم قضية اعتبارية تتعلق بالنفس والمزاج، كان بعض الأشخاص أو الحيوانات أو الأشياء شؤماً عند ناس، بينما هم ليسوا كذلك عند جماعة آخرين. ولكن الغالب أن التشاؤم من الأشياء القبيحة أو الناقصة أو الراعبة وما شابه ذلك، فهذه المزعجات تؤثر على النفس، فتجعلها تتشاءم منها، وتتوقع حدوث النحس من رؤيتها، ولا سيما في الصباح، وعند الهمّ بالشروع في عمل مهم.

وكانوا يحبون أن يأتوا أعداءهم من شق اليمين. يتفاءلون بذلك. لأن في اليمين اليمن، وفي اليسار العسر.

وللاسماء والكلمات أثرها في الفأل وفي الطيرة، فالأسماء الحسنة الجميلة تبعث على التفاؤل، أما الأسماء الخبيثة والرديئة فإنها تولي التشاؤم. وقد عرف هذا النوع من التفاؤل في الإسلام، ولم ينه عنه. بل قيل ان الرسول كان يتأثر من الأسماء، وكان يقول إذا أعجبته كلمة: "أخذنا فألك من فيك"، وانه يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا راشد، يا نجيح، وأنه قال: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل" وللطيرة سمت العربُ المنهوش السليم، والبرّية المفازة،وكنوّا الأعمى أبا بصير، والأسود أبا البيضاء، وسمّوا الغراب بحاتم، إذ كان يحتم الزجر به على الأمور وورد ان العرب اذا تطيروا من الإنسان وغيره قالوا: صباح الله لا صباحك.

ولإيمان العرب بباب الطيرة والفأل عقدوا الرتائم، وعشروا اذا دخلوا القرى تعشير الحمار، واستعملوا في القداح الآمر،والناهي، والمتربص، وهن غير قداح الأيسار.

ومن أبواب الفراسة النظر إلى خطوط الكف للاستدلال بها على طبيعة صاحب الكف وعلى ما سيحدث له من أحداث. وقد أشار إلى الكف والى أسرارها الأعشى في قوله: أنظر إلـى كـفٍ وأسـرارهـا  هل أنت، إن أوعدتني، ضائري?

ٍولمراقبة الكلف الذي يظهر على وجه القمر ودراسة النجوم والظواهر الطبيعية التي تحدث للاجرام السماوية كالكسوف والخسوف، أهمية كبيرة في التكهن. وقد كان الجاهليون يعتقدون ان للكسوف والخسوف أثراً في حياة الإنسان، فاذا وقعا دلا على موت انسان عظيم أو حياته، أو ولادة مولود صاحب حظ كبير.

وكذلك كان رأيهم في تساقط النجوم. وقد أشير اليه في أشعار القدماء من الجاهلية، منهم عوف بن الجزع وأوس بن حجر وبشر.بن أبي خازم.

وقد كان في زعم الكهان من صنف المنجمين أن في استطاعتهم التأثير في الأجرام السماوية وفي احداث الضباب والأمطار والعواصف والرياح، وقد نهي عن التصديق بها في الإسلام، لتعارضها مع الايمان بسيطرة الله وهيمنته وحده على الكون.

وكان للجاهليين اعتقاد بأثر فعل النجوم في الإنسان، ولهذا كانوا يراقبون السماء لتفسير ما يرون فيه من تساقط نجوم، ومن أخبار الشياطين عما يستمعون اليه من وحي السماء. وذكر أنهم كانوا يفزعون إذا تساقطت الشهب بكثرة غير معهودة. وقد حدث أن تساقطت النجوم بكثرة ففزعوا وجزعوا وقالوا: "هلك من في السماء. فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيراً، وصاحب البقر يذبح كل يوم بقرة، وصاحب الغنم كل يوم شاة حتى أسرعوا في اتلاف أموالهم. فقالت ثقيف بعد سؤال كاهنهم.. امسكوا عن أموالكم، فإنه لم يمت من في السماء. ألستم ترون معالمكم من النجوم كما هي. والشمس والقمر كذلك"ا. فكأنهم تصوروا أن تساقط النجوم بكثرة معناه اختلال نظام السماء وموت من فيه، واحتمال فناء العالم تبعاً لذلك.

وكانوا إذا خافوا من شيء وأرادوا الاستعاذة، كأن يكون الإنسان مسافراً فرأى من يخافه قال: حجراً محجوراً، اًي حرام عليك التعرض بي. وقد ترك هذا الاستعمال في الإسلام.

وقد ورد الحديث في النهي عن التطير. جاء: "الطيرة شرك. ولكن الله يذهبه بالتوكل".

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق