إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 يناير 2016

1636 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والتسعون الارواء سد مأرب


1636

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل السادس والتسعون

الارواء

سد مأرب

واستبد سدّ مأرب من بين سائر سدود جزيرة العرب بالإسم والذكر، ونال مكانة كبيرة في كتب التفسير والسير والأخبار. ولذكر القرآن ل "سيل العرم"، نصيب كبير في توجه اًنظار علماء التفسير واللغة والأخبار اليه، وفي خلود اسمه إلى الآن. وقد روى أهل الأخبار قصصاً عنه وعن كيفية خرابه، وتشتت شمل سبأ بسببه، ونزوحهم إلى مواضع بعيدة عن ديارهم القديمة.

ويعدّ سدّ "مأرب" من أهم السدود التي أقيمت في اليمن وفي جزيرة العرب، وقد بني من أجل السيطرة على مياه الأمطار والسيول التي تتدفق منها لوقاية المزارع والقرى منها، وللاحتفاظ بهذه السيول للاستفادة منها إذا انقطعت الأمطار. وإرواء مناطق واسعة من الأرضين، جيدة التربة، خصبة مثمرة. لكن بها حاجة شديدة إلى الماء، وما كان في الامكان إنباتها لولا السيطرة على السيول وإنشاء هذا السدّ.

وتأتي السيول إلى السد من أماكن عديدة، من "ذمار"، و "جهران"، و "الحدي"، و "حولان"، و بلاد مر اد، وقيفة، وعروش، وجوا نب ردمان، وشرعة، وكومان وغيرها، وذلك إذا أمطرت السماء وتجمعت فيها السيول وانحدرت، حتى تنتهي إلى وادي "أذنة"، فتسير فيه المياه حتى تنتهي إلى مضيق بين جبلين، يقال لكل منهما "يلق"، ويسميهما "الهمداني" مأزمي مأرب، تسير المياه فيه حتى تدخل منخفضاً من الأرض واسعاً، هو حوض هذا السد. تدخر مياه الأمطار فيه. وله سدود وأبواب لحجز المياه وحبسها، أو لتصريفها حسب الحاجة. فتمر من أبواب تفتح وتغلق،لتمر المياه منها في قنوات توزع إلى الأماكن التي يراد توجيه الماء إليها.

ولا توجد لدينا نصوص عن أول رجل أقام هذا السد، وعن العهد الذي تم فيه البناء. وكل ما لدينا اليوم عن وقت بنائه لأول مرة هو لذلك حدس ونخمين.

ويرى "كلاسر" أن عهده يعود إلى السنة السبعمئة قبل الميلاد. وقد بقي قائماً يؤدي واجبه إلى حوالى السنة "575" بعد الميلاد. ويظهر من بعض الكتابات المحفورة على جدرانه بالمسند أن جملة تحسينات وتعميرات أدخلت عليه في أوقات مختلفة قبل الميلاد وبعدها، وآخرها هو اصلاح أبرهة له الذي تم على أثر تصدعه سنة 542للميلاد. ويظهر أن تصدعاً اخر وقع للسدّ في أيام طفولة الرسول، وذلك في حوالى السنة "575" للميلاد، لم يكن من الممكن التغلب عليه،بسبب التدهور الاقتصادي الذي حدث في هذا العهد في اليمن وارتباك الأوضاع السياسية واضطراب الأمن وانتشار الثورات في كل مكان وتدخل الأجانب في شؤون البلاد، فتصدع قسم كبير منه، ولم يهتم أحد من الحاكمين في اعادته إلى أصله بإصلاحه وترميمه، وتحولت بذلك الأرضين الخصبة التي كانت تروى بمائه والتي كانت واسعة إلى أرضين موات، غطتها الطبيعة بطبقة من الرمال والأتربة وألبستها أكسية الصحراء الحزينة، حداداً على فراقها لذلك السدّ العتيد.

وتعود أقدم الكتاباًت الباقية إلى أيام "المكربين". وتأتي كتابة "سمه على ينف" "سمهعلى ينوف" مكرب سبأ على الرأس. ويظهر منها إن هذا المكرّب قدأقام سد "رحاب"، وقد اشتغل به ابنه "يئع أمر بين" وقوّ اه، كما بنى سداً آخر عند "حبابض"، ويقع في المنطقة الشمالية من سد مأرب.

وقام المكرب "كرب ال بين بن يثع امر"، ببناء جزء من السد وتقوية أجزائه الأخرى. كما قام الملوك بإضافة أجزاء جديدة اليه، وتقوية الأجزاء القديمة منه. ومن هؤلاء الملك "ذمر على ذرح" ملك سبأ، والملك "يدع ال وتر" "يدع ايل وتر".

كذلك أصلح الملك "شمر يهرعش" هذا السد، ورممه الملك "شرحبيل يعفر" في سنة "449" للميلاد. ولكن المياه جرفت أقساماً منه سنة "450" للميلاد، أي بعد سنة من الترميمات، فاضطر إلى إعادة إصلاحه وتقويته.

وقد أقام المهندسون في الجهة الضيقة التي تسيل منها السيول إلى المجاري ثم إلى حوض واسع سداً قوياً طوله نحو من "577" مترأ ونصف المتر، عرف ب "رحاب" في المسند. أقيم في المنطقة التي تضيق فيها الشقة بين جزءي جبل "بلق"، حيث يمر بينهما واد يفصل بين الجزءين المعروفين ب "بلق القبلي" و "بلق الأوسط". فسدّ الوادي بذلك وتحكم السد بمسير ماء السيول. وصار يجري من خلال فتحة، هي باب يتحكم الإنسان فيها كيف يشاء إلى "وادي أذنة" "وادي ذنة"، حيث يملا الحوض. وينتهي الحوض بسدين آخرين أقيما لتنظيم تصريف الماء المخزون عند الحاجة وتوجيهه إلى الأرضين المحتاجة اليه، بهما منافذ هي أبواب تفتح وتغلق للتحكم في توزيع الماء.

وقد استخدمت في بناء السد والحواجز حجارة اقتطعت من الصخور، وعولجت بمهارة وحذق حتى توضع بعضها فوق بعض، وتثبت وتتماسك وتكون وكأنها قطعة صلدة واحدة. ونحتت الصخور، بحيث صارت تتداخل بعض في بعض، بأن يدخل رأس من صخرة في فتحة مقابلة لها، فتكون كالمفتاح في القفل، وبذلك تتماسك هذه الصخور وترتبط ارتباطاً وثيقاً، وتكون كاًنها صخرة واحدة. وقد وجد إن بعض الأحجار قد ربطت بعضها ببعض بقطع من قضبان اسطوانية من المعدن المكون من الرصاص والنحاس يبلغ طول الواحد منها حوالى "16" سنتمتراً، وقطرها حوالى الثلاثة سنتمترات ونصف. وذلك بصب المعدن في ثقب الحجر، فإذا جمد وصار على شكل "مسمار"، يوضع الحجر المطابق الذي صمم ليكون فوقه في موضعه بإدخال "المسمار" في الثقب المعمول في الجهة السفلى من ذلك الحجر، وبذلك يرتبط الحجران بعضهما ببعض برباط قوي محكم. وقد اتخذت هذه الطريقة لشد أزر السد، وليكون في امكانه الوقوف أمام ضغط الماء وخطر وقوع الزلازل. أما المادة التي استعملت في البناء لربط الأحجار بعضها ببعض فهي من أحسن أنواع الجبس Gips، وقد تصلب هذا الجبس الذي طليت به واجهات السد أيضاً حتى صار كأصلب أنواع السمنت.

وقد أقام المهندسون أبواباً لدخول المياه منها وخروجها، كما أنشأوا فتحات لتقسيم المياه وتوزيعها على المجاري والسواقي تفتح وتقفل بحسب حاجة المزارع والأماكن إلى المياه. ولا يزال بعض جدر السد قائماً.، وآثار السواقي والمجاري التي كانت تجري فيها المياه من الحوض باًقية، وهي تدل على مهارة مهندسي الري في ذلك العهد وعلى براعتهم في كيفية الاستفادة من الأرض ومن الطبيعة لخدمة الإنسان.

وبنيت في اليمن سدود أخرى، منها "قصعان" و "ربوان"، وهو سدّ قتاب، وشحران، وطمحان، وسد عباد، وسد لحج، وهو سد عرايس، وسد سحر، وسد ذي شمال، وسد ذي رعين، وسد نقاطة، وسد نضار وهران، وسد الشعباني، وسد النواسي، وسد الخانق بصعدة، وسد ريعان، وسد سيان، وسد شبام، وسد دعان وغيرها. وذكر "الهمداني" أن في مخلاف "يحضب العلو" ثمانين سدأَ.

وسد "الخانق " سد ينسب إلى "نوال بن عتيك" مولى سيف بن ذي يزن، ومظهره في "الخنفرين" من رحبان. وقد خرّ به "ابراهيم بن موسى العلوي" بعد هدم صعدة.

وهناك آثار سدود جاهلية أخرى أقيمت في مواضع متعددة من العربية الجنوبية. منها آثار سد قتباني أقيم عند موضع "هجر بن حميد" بوادي بيحان. وقد درسه ووصفه "بوون". كان يسقي بمائه منطقة واسعة من أرض مملكة قتبان.

وآثار سد "مرخة"، وآثار سد آخر أقيم عند "شبوة"، وسد آخر عند "الحريضة"، تفرعت منه شبكة من القنوات والمجاري لايصال الماء إلى المزارع والأرضين الخصبة التي تعيش عليها.

وقد ظهرت من الصور "الفوتغرافية"، الذي أخذت من الجو لبعض مواضع من جزيرة العرب آثار شبكات للارواء تتصل بأحواض مياه وسدود أقيمت لخزن مياه الأمطار فيها للاستفادة منها وقت الحاجة. ففي "وادي عديم" آثار جدر سدود وقنوات ومجاري مياه متصلة بعضها ببعض تمتد إلى مسافات بعيدة كانت تمدها بإكسير الحياة. وكذلك تشاهد آثار الإرواء عند "حصن العر" و "ثوية" في القسم الجنوبي من "وادي حضرموت". وقد نحتت الصخور عند "نجران" لعمل ممر منها للماء ليذهب إلى حوض واسع أحيط بسد وجدار حيث يمكن خزن مئة مليون "غالون " من الماء فيه.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق