إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1566 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والثمانون في اوابد العرب الاستقسام بالأزلام


1566

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
      
الفصل الخامس والثمانون

في اوابد العرب

الاستقسام بالأزلام

ومن طرق التنبؤ الاستقسام بالأزلام ويقابل ذلك ما يقال له "كسيم" "كسم" " Gasam " في العبرانية. وهي طريقة معروفة عند البابليين كذلك. وعند غيرهم من الشعوب. وقد أشير في التوراة إلى أن "نبو ختنصر" "بختنصر" "نبخد نصر" " Nebuchadnessar" أجال السهام حين عزِم على فتح "اًورشليم" "القدس". " فإن ملك بابل قد وقف عند أم الطويق في رأس الطريقين ليباشر عرافة. فأجال السهام وسأل الترافيم ونظر في الكبد". وقد خرج السهم الذي كتب عليه "أورشليم"، فعمل به وهاجم القدس وفتحها.

وتعني لفظة " كوسيم " Gosem" و" Gesem" ,"Kosem" العرافة في العبرانية. من أصل "كسم" "كيسم" "قيسم" وهو التكهن. وهو أصل "سامي".واليه تعود كلمة "الاستقسام"، لا إلى "قسم" بمعنى تقسيم الشيء وتجزئته.

وهو المعنى الذي ذهاب اليه أكثر علماء اللغة. وقريب من معنى "قيسم" "كيسم" ما ذكره علماء اللغة من أن القِسمَ هو الحظ والنصيب. فإن للحظ والنصيب علاقة وثيقة بالتكهن، لما فيه من معرفة المستقبل والوقوف عليه.

وقد عرف أهل الأخبار "الأزلام": انها السهام التي كان أهل الجاهلية يستقسمون بها. وعرفوا "الزلم"، ائه السهم، وانه القدح المزلم، وعرفوا القدح: انه السهم قبل ان ينصل ويراش. وان القدح: قدح السهم، وجمعه قداح، وصانعه قدّاح. وقد فسر بعض العلماء الأزلام بأحجار بيض تشبه أحَجار الشطرنج، كما جعل بعض اخر تلك السهام في مقابل "الكعاب" التي يستعملها الروم والفرس في الاستخارة. وذكر بعض اخر ان "الأزلام: سهام كانت لأهل الجاهلية مكتوب على بعضها: أمرني ربي، وعلى بعضها: نهاني ربي، فإذا أراد الرجل سفراً أو أمراً، ضرب تلك القداح،فإن خرج السهم الذي عليه أمرني ربي مضى لحاجته، وإن خرج الذي عليه نهاني ربي لم يمض في أمره". وذكر ان الأزلام التي كانوا يستقسمون بها غير قداح الميسر،وانها قداح الأمر والنهي لا قداح الميسر. وذكر ان أهل الجاهلية، كانوا اذا أرادوا ان يخرجوا في سفر، جعلوا قداحاً للجلوس والخروج، فإن وقع الخروج خرجوا، وإن وقع الجلوس جلسوا.

وطريقة الضرب بالقداح، ان الرجل منهم اذا أراد ان يخرج مسافراً، كتب في قدح هذا يأمرني بالمكث، وهذا يأمرني بالخروج،وجعل معهما أزلاماً مسحة،أي لم يكتب فيها شيئاً، ثم استقسم بها حين يريد الخروج، فإن خرج الذي يأمرِ بالمكث، مكث، وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج، وإِن خرج الآخر أي المسح، أجالها ثانية حتى يخرج أحد القدحين. وهكذا يفعلون في سائر أمور الاستقسام.

وقد جمع المفسرون ما تمكنوا من جمعه عما علق في أذهان الناس من الأزلام، لورود الإشارة اليها في موضعين من سورة "المائدة"، وأورد علماء الحديث والأخبار ما وصل إلى علمهم أيضاً عن "الاستقسام بالأزلام". ويظهر مما ذكروه أن اهل الجاهلية كانوا يقيمون في ايامهم وزناً كبيراً للاستقسام بالأزلام لاعتقادهم أنه يحكي ارادة الأرباب ويتحدث عن مشيئتها. لذلك كانوا لا يفعلون فعلا ولا يعملون عملا إلا بعد أخذ رأيها بالاستقسام. فإن جاء أمر فعلوا، وان جاء نهي امتنعوا.

وجاء في سورة المائدة: )وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق لكم(، وذلك مع أمور نهى عنها الإسلام. منها تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل إلسبع إلا ما ذُكي، وما ذبح على النصب. وجاء ذكر الأزلام في موضع آخر مع ذكر الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، حيث جعلت رجساً من عمل الشيطان، لذلك، على المسلم اجتنابها والابتعاد عنها. فالاستقسام بالأزلام من الأمور التي نزل الأمر بالنهي عنها في الإسلام. وقد جاء الأمر بالنهي عنها في شريعة يهود كذلك إذ اعتبرت "رجساً"، ومن أعمال الوثنيين.

ويكون الاستقسام عند الأصنام في الغالب لاعتقادهم ان النتيجة تمثل ارادة الصنم ومشيئته، غير ان ذلك ليس بشرط، فقد كان أصحاب الأزلام يحملون أزلامهم معهم، ويستقسمون حيث يطلب ذلك منهم. فهم في ذلك مثل أصحاب "الفأل" والقارئون للرمل والسحرة في الوقت الحاضر، يتنقلون بين الناس عارضين فنهم عليهم في مقابل حلوان يقدم اليهم. وهذا النوع، من أصحاب الأزلام، هم من الطبقة المرتزقة على شاكلة هذه الجماعة المذكورة في هذه الأيام. وقد كان منهم من يستقسم لنفسه بنفسه، وذلك بأن يمستقسم بالأزلام التي عنده في بيته، والتي قد يحملها معه، تماماً كما يفعل أهل "الاستخارة" في الاستخارة بالمسبحة "السبحة" أو بوسائل الاستخارة الأخرى في الوقت الحاضر.

قال أهل الأخبار: "والأزلام كانت لقريش في الجاهلية مكتوب عليها أمر ونهي وافعَل ولا تفعل، قد زُلمت وسويت ووضعت في الكعبة، يقوم بها سدنة البيت، فإذا اراد رجل سفراً أو نكاحاً أتى السادن فقال: اخرج لي زلماً، فيخرجه وينظر اليه، فاذا خرج قدح الأمر مضى على ما عزم عليه، وان خرج قدح للنهي قعد عما أراده، وربما كان مع الرجل زلمان وضعهما في قرابه، فاذا أراد الاستقسام أخرج أحدهما".

و "قالوا: كانوا اذا كانت مداراة أو نكاح أو أمر يريدونه، ولا يدرون ما الأمر فيه ولم يصح لهم أخذوا قداحاً لهم فيها: أفعل ولا أفعل لا يفعل، نعم لا خير، شر بطيء سريع، فأما المداراة فإن قداحاً لهم فيها بيضاً ليس لهم فيها شيء، فكانوا يجيلونها فمن خرج سهمه فالحق له، وللحضر والسفر سهمان، فيأتون السادن من سدنة الأوثان، فيقول السادن: اللهم أيهما كان خيراً فاخرجه لفلان، فيرضى بما يخرج له، فإذا شكوا في نسب الرجل أجالوا له القداح وفيها: صريح، وملصق، فإن خرج الصريح ألحقوه بهم، وان خرج الملصق نفوه، وان كان صريحاً، فهذه قداح الاستقسام"، "وان كان بين اثنين اختلاف في حق، سمي كل منهما له سهماً وأجالوا القداح، فمن خرج سهمه فالحق له".

وذكر ان اقداح. "هُبل" سبعة، وضعت قدامه. فان أراد آحدهم سفراً أو عملاً أو تجارة أو زواجاً أو بتّاً في نسب مشكوك فيه أو دفع دية أو أن يخرجوا ماء، أتوا هُبَلَ، ومعهم مائة درهم وبجزور فأعطوها صاحب القداح حتى يجيلها لهم، وكانت أزلامهم سبعة قدّاح محفوظة عند سادن الكعبة وخادمها، وهي مستوية في المقدار عليها أعلام وكتابة قد كتب على واحد منها "أمرني ربي" وعلى واحد منها "نهاني ربي" وعلى واحد "منكم" وعلى واحد "من غيركم" وعلى واحد "ملصق" وعلى واحد "العقل" وواحد غفل ليس عليه شيء، فاذا أرادوا الوقوف على مستقبل الأمر الذي تصدوا له استقسم لهم صاحب القداح بقدحي الأمر والنهي، فان نجح قدح الأمر ائتمروا وباشروا فيما تصدوا له من حرب أو سفر أو زواج أو ختان أو بناء أو نحو ذلك مما يتفق لهم، وإن خرج قدح النهي أخروا ذلك العمل إلى سنة فاذا انقضت أعادوا الاستقسام مرة أخرى.

ويروى ان السؤال إن كإن يخص اقداماً أو احجاماً، استعمل صاحب القداح قدحي "نعم" أو "لا" فاذا ظهر للمجيل قدح "نعم" عمل به، ومضى إلى ما قصد، وإن جاء "لا" أي النهي توقفوا سنة. أما اذا كان نزاعاً في نسب أحد منهم، استقسم بالأزلام الموسومة به "منكم" و "من غيركم" و "ملصق"، فان ظهر "منكم"، اعتبر المتنازع على نسبه منهم، وإن خرج "من غيركم" اجتنبوه ونفروا منه، وان ظهر "ملصق"، بقي أمره على ما كان عليه قبل إلاستقسام، وأما اذا كان السؤال نزاعاً في "العقل": أي دية القتيل، بأن اشتبه عليهم القاتل، أحضروا من اتهم بالقتل بالقدحين الموسومين ب "العقل" وب "الغفل"، واستقسم بهما فمن خرج عليه العقل تحمل الدية، وإن خرج "الغفل" أجالوا ثانيأَ حتى يخرج المكتوب عليه.

ولما أراد "أبو سفيان" الخروج إلى "أحد"، استخار هبل. بأن كتب على سهم نعم، وعلى آخر لا، وأجالهما عند هبل، فخرج سهم نعم، فخرج بقومه إلى "أحد". وقال يقول: أعلُ هبل. وقال عمر: الله أعلى وأجل، قال أبو سفيان: أنعمت فعال عنها، أي اترك ذكرها، فقد صدقت في فتواها، وأنعمت، أي أجابت بنعم.

ولصاحب الأزلام وخازنها حق يتقاضاه سن الطالبين في مقابل عمله. فكان سادن "هبُل" يتقاضى مئة درهم أجراً عن الاستقسام، كما سبق ان ذكرت، فان تكرر ذلك زيد أجره على ما يذكره الرواة. وقد كان غير العرب يدفعون حلواناً إلى صاحب الأزلام ليتنبأ لهم. فلما انطلق "شيوخ مديان" "مدين" و "مؤآب" إلى "بلعام" ليستقسم لهم، حملوا حلوانهم معه، فقدموه اليه مقابل ما قام به من عرافة اليهم.

وقيل للذين يضربون بالقداح "الضرباء". والواحد الضريب والضارب. وهو الموكل بالقداح، وقيل الذي يضرب بالقداح. يقال هو ضريب قداحٍ. وقد أشير إلى الاستقسام في شعر الشعراء الجاهليين، وقد ذكرت في قصة الشاعر "امرىء القيس" الكندي حينما جاء إلى الصنم "ذي الخلصة"،ليستقممم عنده بشأن الأخذ بثأر أبيه. فلما خرج النهي عنه ثلاث مرات، غضب على صنمه، وكسر الأزلام ورماها في وجهه، كما يقول الرواة قائلأ: "لو كان أبوك المقتول لما نهيتني"، وأنشد: لو كنت يا ذا الخلص الموتورا  لم تنه عن قتل العـداة زورا

وأشار الحطيئة إلى ذلك بقوله: لم يزجر الطير،أن مرت به سنحاً  ولا يفيض على قسـمٍ بـأزلام

وقال طرفة: أخذ الأزلام مقتسماً  فأتى أغواهما زلمه

وهنآك طرق عدة عرفت عند الشعوب القديمة في التكهن بالسهام، ومنها رمي السهام في الهواء لمراقبة حركاتها وكيفية سقوطها، ومنها رمي حزمة من السهام أمام الصنم، فالسهم الأول الذي يقع قبل بقية الأزلام، يكون هو السهم الذي أمر به الصنم في زعمهم، فيعمل بموجب ما كتب عليه.

ولخص "الألوسي" الأزلام التي كانت عند العرب على ثلاثة أنحاء: أحدها: قداح الميسر العشرة، وثانيها: لكل أحد، وهي ثلاثة على أحدها مكتوب "افعل"، أي أمر، وعلى الثاني "لا تفعل" وعلى الثالث "غفل"، فاذا أراد أحدهم الأمر جعلها في خريطة، وهي "الربابة" وأدخل يده فيها وأخرج واحداً، فان طلع الامر فعل أو الناهي ترك أو الغفل أعاد. وثالثها: للأحكام وهي التي عند الكعبة. وكانوا يتحاكمون عند "هبل" في جوف الكعبة. وكان عند كل كاهن وحاكم للعرب مثل ذلك. وكانت سبعة مكتوب عليها ماسبق.

و "القرُعة" أي "السهمة"، نوع من أنواع التنبؤ بالغيب التابعة للاستقسام بالأزلام. و "السهمة" هي رضاء بحكم "السهم"، أي بحكم وقوع السهام على الأشياء. وهي جواب فصل يمثل ارادة الآلهة للسائل أو للمختصمين في اًمر من الأمور. وقد قيل للسهم: الحظ والنصيب، لأنه يتكلم عن حظ الإنسان ونصيه.

والتنبؤ بالتفرس في الأشباح التي تظهر على الماء، أو الزيت المصبوب في الأقداح، أوالحركات التي تظهر على سطح السائل بعد رمي شيء فيه، لمعرفة الأسرار والمغيبات والاجرام كالسرقات والقتل، والزنى، ودراسة سطح المرآة: هذه وأمثالها كانت معروفة عند البابليين والعبرانيين، وعند غيرهم من الشعوب. وعقيدتهم أن الأرواح هي التي ترشد إلى اظهار المخفيات، وان هناك مأمورين من بينهم واجبهم اخبار العراف والعائف والكاهن بما يطلب منهم معرفته ليقوله للسائل.

ومن ضروب التنبؤ " الطرقُ"، وهو الضرب بالحصى للكشف عن المستقبل، يقوم بذلك الرجال والنساء. ويقال للقائمين بذلك الطُرّاق والطوارق. وورد ان الطرق: الضرب بالحصى والخط في التراب، وهما ضربان من التكهن. وقيل أيضاً: الطوق: أن يخط الرجل في الأرض بإصبعين ثم باصبع، ويقول: ابني عيان اسرعا البيان،وزعم بعضهم أن الطرق ان يخلط الكاهن القطن بالصوف فيتكهن. وقد نهى عنه في الإسلام. ورد في الحديث:انه قال: الطرق والعيافة من الجبت.

ويدخل في ضروب التنبؤ "الخط" "وهو الذي يخطه الحازي. يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلواناً، فيقول له: اقعد حتى أخط لك،وبين يدي الحازي غلام له معه ميل، ثم يأتى إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطاً كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين،وغلامه يقول للتفاؤل: "ابني عيان، أسرعا البيان"، فان بقي خطان فهما علامة النجح، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة... وقيل: الخط هو ان يخط ثلاثة خطوط، ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى، ويقول: يكون كذا وكذا. وهو ضرب من الكهانة". وكانت العرب تسمي ذلك الخط الذي يبقى من خطوط الحازي الأسحم. وكان هذا الخط عندهم مشؤوماً، وقد كان الخط من علوم العرب القديمة.

وعلم الخط هو علم الرمل. وينسب إلى "ابن عباس" قوله: علم قديم تركه الناس. وخط الزاجر في الأرض، رسم خطاً باصبعه، ثم زجر. وذكر ان "الخطيطة" الرملة التي يخط عليها الزاجر، وان الأسحم اسم خط من خطوط الزاجر، وهوعلامة الخيبة عندهم. وذلك ان يأتي إلى أرض رخوة وله غلام معه ميل، فيخط الأستاذ خطوطاً كثيرة على عجل لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها خطين خطين، فان بقي من الخطوط خطان، فهما علامة النجح وقضاء الحاجة، ويمحو وغلامه يقول للتفاؤل: ابني عيان أسرعا البيان، واذا محا الخطوط، فبقي منها خط،، فهي علامة الخيبة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق