إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1564 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والثمانون في اوابد العرب العرّاف


1564

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
      
الفصل الخامس والثمانون

في اوابد العرب

العرّاف

ويطلق بعض علماء اللغة على الكاهن "العرّاف"، فهو عندهم مرادف للكاهن. غير ان من العلماء من يفرق بين الكلمتين، ويرى بينهما فرقاً، فالكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، والعراف هو الذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، أو الذي يزعم انه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله. ومنهم من يذهب الى ان العراف من اختص بالإنباء عن الأحوال المستقبلية. أما الكاهن فهو الذي اختص بالإخبار عن الأحوال الماضية. وقد فرّ ق بين الكاهن والعراف في حديث: "من أتى عرافاً أو كاهناً 000". وأطلق بعضهم العراف على من يدعي الغيب مطلقاً وفي ضمنهم المنجم والحازي.

وذكر ان "العراف" الكاهن أو الطبيب أو المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب. فللكلمة معان عديدة، ولا تختص بمعنى واحد. وقد ذهب "المسعودي" إلى ان العراف دون الكاهن. ونجد هذه النظرة عند غيره أيضاً.

وخلاصة ما يفهم عن الكهانة والعرافة في روايات الأخباريين أن الكهانة هي التنبأ بواسطة تابع. وأن العرافة تكون بالملاحظات وبالاستنتاجات وبمراقبة الأشياء لاستنتاج أمور منها، يخبر بها السائلون على سببل التنبؤ. وهي على ما يظهر من تلك الروايات، دون الكهانة في المنزلة، ولم يكن للعرافين اتصال ببيوت العبادة والأصنام، ولم يكن لهم "رئي" أي "تابع"، وإنما كانوا يستنبطون ما يقولونه بذكائهم وعلى القياس. فيأخذون بالمشابهة وبالارتباط بين الحوادث، ويحكمون بما سيحدث بموجب ذلك.

وقد عدّ العبرانيون العرافة من الحيل الشيطانية كالسكر والتفاؤل، لأنها من رجس المشركين. وتشمل عندهم التنجيم والقرعة والزجر وما شاكل ذلك. وقد نهي عنها في الإسلام.

وقد اعتمد العرّاف على الخط. فكان يخط خطوطاً، ثم يخطر اليها، ليستنبط شيئأ منها، يتنبأ به للناس. ومن مشاهيرهم "حليس الخطاط الأسدي". وقد ذكر أنهم كانوا يحطون خطوطاً، ثم ينظر العراف ويقول: "ابنا عيان،اسرعا البيان، ثم يخبر بما يرى".

وتعتمد العرافة -كما تعتمد الكهانة - على الذكاء والتفرس في الأمور والتجارب. وقد خصصها أكثر الناس في الإسلام بالتوصل إلى معرفة الأشياء المفقودة.والعراف مما عنده من الملكات والمواهب المذكورة، يقضي ويتنبأ للناس فيما يراه، ومن أشهر العرافين في الجاهلية: عرّاف اليمامة، وهو "رباح بن كحلة" "رباج ابن عجلة" "رياح بن كحلة" المذكور في الشعر، وعرّ اف نجد وهو الأبلق الأسدي. والأجلح الزهري، وعروة بن زيد الأسدي.

وفي عرّاف اليمامة ورد قول الشاعر: فقلتُ لعرّاف اليمامه داوني  فإنك ان داويتني لطبـيب

والأبلق الأسدي، هو عراف نجد، وفيه يقول عروة بن حزام: جعلت لعرّاف اليمامة حكمه  وعرّاف نجد إن هما شفياني

وقد كان أهل الجاهلية يعرضون صبيانهم على "العرافين" لإخبارهم عن مستقبلهم. وكانت الأسواق مثل سوق عكاظ موئلاً لهم. فكان العراف فيها ير به للناس صبيانهم، ويقول عنهم ما يجول بخاطره، وذلك بالتفرس في وجه الصبي، ومقارنة ذلك بما حصل عليه من تجارب في هذا الباب، وفي اللغة العربية كلمة قديمة أخرى لها صلة بموضوعنا هذا، هي "القيافة". ويقصد بها التنبؤ والإخبار عن شيء بتتبع الأثر والشبه، وتدخل في ذلك قيافة اثار الأقدام والأخفاف والحوافر للاستدلال منها على أصحابها، وتعيين النسب في حالة الشك فيه. وما زالت القيافة معروفة عند العرب حتى الآن. وقد اشتهرت بها "بنو مدُلج" خاصة، حتى قيل للطائف "مدلجيّ" بسبب هذا الاختصاص، وبنو لهب، وأحياء مضرْ.

ويرى "المسعودي" ان القيافة من الأمور التي برع بها العرب واختصوا بها، وصار لهم مران وخبرة بها، وذكر ان ممن عرف واشتهر بها "محرز المدلجي"، وقد تعجب الرسول من قيافته وصدقه، وذكر أهل الأخبار ان "الحازر"، هو من يحزر الأشياء، وان "الحزارة" في معنى القيافة.

وأما "الفراسة"، فتكون بالاستدلال بهيأة الإنسان وأشكاله وأقواله على صفاته وطبائعه. وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أنها من الكلمات المعربة التي أخذت من "بني إرم"، وانها أحدث عهداً من لفظة "القيافة" التي هي من الكلمات العربية الجاهلية، وقد توسع في معناها وألف فيها الكتب في الإسلام وتبحر فيها بعض أئمة الفقهاء مثل الشافعي.

وأما "العيافة" فهي التنبؤ بملاحظة حركات الطيور والحيوانات ودراسة أصواتها،وقراءة بعض أحشائها، ولذلك قيل في العبرانية للعائف "الشاق"، لشقه الحيوانات والطيور لدراسة أحشائها واستخراج الخير مما يراه على تلك الأحشاء من ألياف يرى ان في أوضاعها معاني يذكرها للسائل على شكل نبوءة. وكانت معروفة خاصة عند الكلدانيين.

وقد اشتهرت "بنو أسد" بالعيافة، فقصدها الناس للاخذ منها، حتى الجن سمعت بعيافتها، وعجبت منها، فجاءت اليها تمتحنها في هذا العلم.

واشتهرت "بنو لهب" بالعيافة كذلك،ولهب حي من الأرد. ومن هؤلاء "العائف اللهبي"، "لهبَ بن أحجن بن كعب"، وهو الذي تكهن بموت عمر بن الخطاب قبل وقوعه بعام.

والزجر العيافة. وهو يزجر الطير يعافها، وأصله ان يرمى الطير بحصاة ويصيح،فان ولاه في طيرانه ميامنه تفاءل به أو مياسره تطير. وهو ضرب من التكهن. وانما سمي الكاهن زاجراً، لأنه اذا رأى ما يظن انه يتشاعم به زجر بالنهي عن المضي في تلك الحاجة برفع صوت وشدة.

وتطلق لفظة "الحازي" على من يحزر الأشياء ويقدرها بظنه، فهي من الكلمات المستعملة في الكهانة، ويطلق على من يشتغل بالنجوم اسم "حزاء"، لأنه ينظر في النجوم وأحكامها بظنه وتقديره. وأطلقت أيضاً على من يزجر الطير، ولا سيما الغراب.

وقد أشير في كتب أهل الأخبار إلى "خازي" عرف واشتهر بين الجاهليين ب "حازي جهينة".

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق