إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1560 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع والثمانون تسخير عالم الارواح ذبائح الجن


1560

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
     
الفصل الرابع والثمانون

تسخير عالم الارواح

ذبائح الجن

ولارضاء الجن واسكانها، وتجنب أذاها، قام الجاهليون بتقديم الذبائح لها. فاذا أراد انسان السكن في بيت جديد، أو استخراج الماء من بئر احتفرها أو من عين ماء، أو ما شاكل ذلك وخاف من وجود الجن فيها ذبح ذبيحة، يرضى بها الجن، فلا تتحرش عندئذ به ولا تصيبه بأذى،لأنه قد تقرب بالذبيحة اليها وبين فا انه صديق لها، فيعيش عندئذ. قرير العين في بيته الجديد، لابمس عماره بسوء. ويقال لهذه الذيائح: "ذبائح الجن". وقد نهى الإسلام عن ذبائح الجن. ورد انهم "كانوا اذا اشتروا دارأَ أو استخرجوا عيناً أو بنوا بنياناً، ذبحوا ذبيحة مخافة ان تصيبهم الجن، فأضيفت الذبائح اليهم لذلك. و "النّشُرة" سلاح مفيد جداً لحل عقد الرجل عن مباشرة أهله. وقد كانت مشهورة في أيام الرسول. وقد اباح العلماء "النشرة العربية التي لا تضر إِذا وطئت، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عصاه، فيأخذ عن يمينه وشماله من كل، ثم يذيبه ويقرأ فيه، ثم يغتسل به". ويدل نعت هذه النشرة بالنشرة لعربية على وجود نشرات غير عربية، وهي النشرات الني كان يعملها اليهود. وقد كانوا يستعملون الأدعية العبرانية، لذلك نهى الإسلام عن استعمال تلك النشرات.

و "النُشرة" في تعريف علماء اللغة: رقية يعالج بها المجنون والمريض ومن كان يظن أن به مساً من الجن. وإذا نشر المسفوع كان كأنما أنشط من عقال، أي يذهب عنه سريعاً. وفي الحديث أنه سئل عن النشرة، فقال هي من عمل الشيطان. وقد أدخلها بعضهم في السحر، و "العوذة" ويقال لها "المعاذة" و "المعاذات"، تستعمل في التعويذ م الفزع والجنون. وتبعث تسميتها على الظن بأنها من المصطلحات الاسلامية، وانها أخذت تسميتها من المعوذتين. غير ان ورودها في مواضع عديدة من الحديث، واستعمالها في القرآن الكريم للتعبير عن فكرة معينة معلومة، يدلان على انها من المصطلحات التي كانت معروفة بين أهل "يثرب" حتى إن بعض الصحابة ذكروا انها نزلت للتعويذ. ومعنى "أعوذ" أعتصم و التجىء، فلا يستبعد ان يكون أهل يثرب على الأقل قد تعلموا ذلك من اليهود الذين كانوا يقرأون بعض التعاويذ من التوراة لحمإية أنفسهم من شر الأمراض.

و تستعمل "الرقية" في مداواة الآفات، مثل الحمى والصرع والنظرة ولدغات العقارب والحيات وأمثال ذلك، وتكون بقراءة شيء على المريض أو على موضع اامرض ثم النفث عليه، أو بحمل شيء مكتوب. وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها في الإسلام، وفي بعضه النهي عنها. وقد ذكر الحديث ان الإسلام نهى عن الرقية التي تكون بلسان غير عربي، ويدل هذا على ان الجاهليين كانوا يذهبون إلى أهل الكتاب ولا سيما اليهود منهم، فيرقونهم بالعبرانية أو السريانية، ولذلك نهوا عنه. وقد عرضت بعض أنواع الرقية التي كان يستعملها أهل الجاهلية على الرسول لأخذ رأيه فيها، فأباحها لهم، وأباح لهم كل رقية ليس فيها شيء من ألفاظ الجاهلية.

وقد حفظت الكتب لنا أنموذجات فى بعض الرقى منها هذه الرقية التي استعملت في اشعال نيران الحب: "هوا به هوا به، اابرق والسحابة، أخذته بمركن. فحبه تمكن. أخذته بإبره، فلا يزل في عبره، جلبته بإشفى، فقبه لا يهدأ. جلبته بمبرد، فقلبه لا يبرد. فهذه ا الرقية تلهب قلب الرجل وتهيجه، وتجعله كأنه في إجانة غسل الثياب. يعمل على وفق ارادة المرأة التي استعملت تلك الرقية.

أما إذا سئمت المرأة زوجها، وأرادت الابتعاد عنه، وطرده عنها، فسبيلها في ذلك رقية تبعد الرجل، وتنفره منهما، وذلك بأن تقول: بأفول القمر، وظل الشجر، شمال تشمله، ودبور تدبره، ونكباء تنكبه، شيك فلا انتقش. فاذا أتمت ذلك، رمت في أثره بحصاة ونواة وروثة وبعرة. ثم تقول: حصاة حصت أثره، ونواة نأت داره، وروثة راثت خبره، لفعته ببعرة.

و "العزائم" الرقيّ، أو ضروب منها. يقال عزم الراقي، كأنه أقسم على الداء، وعزم الحوًاء، إذا استخرج الحية. كأنه يقسم عليها. والعزيمة من الرقي التي يعزم بها على الجن والأرواح. ومن اعتقادات الأعراب أن الجن لا تجيب صاحب العزيمة، حتى يكون المعزّم مشاكلاً لها في الطباع. وأن للمعزمين جنوداً من الشياطين والجن تتبع أوامرهم وتطيعهم وتخدمهم وتتصرف بين أمرهم ونهيهم.

ومن ضروب الرقية، ما يدعيه الحوّ اء من اخراج الحية من جحرها، بعزيمة يقوم بها،تجبرها على الخروج منه. وقد قالت بذلك الشعراء في الجاهلية والاسلام. وكانوا يؤمنون بذلك ويصدقون به. وقد أشير في شعر لأمية بن أبي الصلت، إلى اخراج الحية من جحرها. وقد تحدث "الجاحظ" عن ذلك، وعلل سبب خروجها وجاء بأبيات شعر في ذلك، وتحدث عن تمويه الحواء والراقيْ.

و "التمائم" ومفردها "التميمة"، هي عوذة على هيأة قلادة من سيور تضم خرزاً، وقد تكون من خرزة واحدة تستعمل للصبيان والنساء في الغالب اتقاء النفس والعين. فاذا كبر الطفل، انتزعت التميمة منه. وقيل: التمائم "خرزات كان الأعراب يعلقونها على أولادهم يتقون بها النفس والعين بزعمهم، فأبطله الإسلام". وذكر ان التميمة خرزة رقطاء تنظم في السير ثم يعقد في العنق. وكانوا يعتقدون انها تمام الدواء والشفاء. وقد أشير اليها في الشعر الجاهلي. وكانوا يستعملونها بكثرة، يتعوذون بها، لذلك عدها بعض الصحابة من الشرك، لأنهم جعلوها واقية من المقادير والموت وأرادوا دقع ذلك بها، وطلبوا دفع الذفى من غير الله.

وللخرز عند الجاهلين وعند الأعراب حتى اليوم، أهمية كبيرة في السر، وفي دفع أذى الأرواح والعين، وفي النفع والحب، وأمثال ذلك. ولما كانت الخرز فصائل وأنواعاً، فقد خصوا كل فصيلة باسم معين، وجعلوا لكل قسم وصنف أثراً خاصاً يمتاز به عن بقية الأصناف الأخرى. فالتولة مثلاً الخرزة التي تحبب المرأة إلى زوجها، و "العقرة" "خرزة العقر" خرزة تشدها المراة على حقويها لئلا تلد. يزعم الأعراب انها إذا علقت على حقو المرأة لم تحمل إذا وطئت. وقيل العكس: العقرة خرزة تعلق على العاقر لتلد. و "الينجلب" خرزة للتأخيذ، تفيد في رجوع الرجل بعد الفرار وفي اكتساب عطفه بعد وقوع بغضه. وكانوا يقولون أقوالاً في ذلك مثل: "أخذته بالينجلب، فلا يرم ولا يغب، ولا يزل عند الطنب، و "وأعيذه بالينجلب، ان يقم وان يغب". فهم يربطون الرجل بهذه الخرزة. فيجعلونه لا يفارق بيته وأهله.

و "الخَصُمة"، وهي خرزة للدخول على السلطان والخصومة تجعل تحت الخاتم أو في زر القميص أو في حمائل السيف. و "العطفة" هي خرزة تجلب العطف لصاحبها. و "السلوانة" خرزة تسحق ويشرب ماؤها، فيورث شاربه سلوة. وقيل: خرزة للتاخيذ، يؤخذ بها النساء الرجال، وقيل خرزة للبغض بعد المحبة، وقيل خرزة شفافة تدفن في الرمل، فتسود فيبحث عنها ويسقاها الإنسان فتسليه، أو يسقاه العاشق فيسليه عن المرأة. وقيل خرزة كانوا يقولون: اذا صب عليها ماء المطر، فشربه العاشق سلا.أو هو ان يؤخذ تراب قبر ميت: فيجعل في ماء فيسقى العاشق، فيموت حبه، أو هو دواء يسقاه فيفرحه. و "القرزحلة"، وهي خرزة من خرز الضرائر.

وكانوا يرقون بالخرز. فلخرزة "الهنمة"، رقية خاصة، هي: "أخذته بالهنمة، بالليل زوج وبالنهار أمة، وللقبلة و "الدردبيس"، وهي خرزة مؤثرة ذات قوة فعالة، يتحبب بها النساء إلى أزواجهن،تؤخذ من القبور العادية، أي القبور الجاهلية القديمة، رقية خاصة، هي: "أخذته بالدردبيس تدرّ العرق اليبيس، وتذر الجديد كالدريش". وقيل الدردبيس خرزة سوداء، كأن سوادها لون الكبد، اذا رفعتها واستشففتها رأيتهاا تشف مثل العنبة الحمراء للحب، تتحبب بها المرأة إلى زوجها، توجد في قبور عاد.

ومن خرزهم: "كرار"، خرزة تؤخذ بها نساء الأعراب. وقيل خرزة تؤخذ بها النساء والرجال. ورقيتها: "يا كرار كرّ يه، يا همرة اهمريه، ان أقبل فسريه، وان أدبر فضريه، من فرجه الى فيه". ومنها "الهمرة"، خرزة للتأخيذ. وهي خرزة الحب، يستعطف بها الرجال، ورقيتها: "يا همرة اهمريه، ويا غمرة اغمريه، ان أقبل فسرّ يه، وإن أدبر فضريه، من استه إلى فيه، وماله وبنيه، ومثلها "الهصرة"، خرزة للتأخيذ.

ومن الخرز المعروفة: "ااكحلة"، خرزة من خرزات العرب للتأخيذ، تؤخذ بها النساء الرجال. أو هي خرزة سوداء تجعل على الصببان للعين والنفس من الجن والإنس، فيها لونان بياض وسواد.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق