إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 يناير 2016

1626 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والتسعون الارواء الآبار


1626

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل السادس والتسعون

الارواء

الآبار

وفي الأماكن التي تكون المياه الجوفية فيها غير بعيدة عن سطح الأرض،ويكون من السهولة حفر الآبار فيها، يحفر الناس آباراً في بيوتهم وفي أملاكهم للشرب والزرع إن كانت عذبة وللتنظيف والاستعمال. ويستعان بالخدم وبالسقائين في جلب مياه الشرب من الآبار العذبة والعيون والنهيرات. كما حفروا الآبار في الحصون. وقد كانت في حصن الهجوم بئر عظيمة عميقة، عذبة الماء. وقد بني الحصن من حجارة ضخمة ذكر أن طول الحجر منها سبع أذرع في عرض ثلاثة أذرع، واقام أصحابه عليه الأسوار والأبراج. وقد فتح فيَ أيام الرسولْ.

والبئر هي بار في كتابات المسندز والجمع ابار أي آبار وقد وصلت الينا نصوص عديدة في حفر آبار أو في شرائها وبيعهان وفي تعميرها وإصلاحها. و هي ثروة ورأس مال كبير في جزيرة العرب،تحيي الأرض وتميتها، وتفني الناس وتميتهم، ولذلك كانوا إذا حفروا بئراً أو إذا ظهرت لهم مياه عذبة غزيرة، يقدمون الى آلهتهم الشكَر والحمد والنذور. وقد أقامت الآبار الكبيرة العميقة العذبة مدناً، وأماتت مدناً بسبب نضوب مياهها وجفافها، وهي على هذه الأهمية الخطيرة الى الآن.

وللاهمية المذكورة للآبار في حياة العرب، كثرت في لغتهم المصطلحات الخاصة بها، من أسماء لأنواع الآبار ومن مصطلحات للحفر ولوسائل الحفر، ومن ألفاظ للمواد التي تستعمل في بناء البئر وفي استخراج الماء منها، ومن كلمات تشير إلى أبعاد البئر، ومقدار ما فيها من ماء، وأبعاد أفواهها. ومن أسماء البئر "الطوى" و "الطوية"، إذا بنيت بالحجارة. و "الجب"، البئر، وقيل البئر الكثيرة الماء البعيدة القعر، ولا تكون جباً حتى تكون مما وجد، لا مما حفره الناس. و "القليب" البئر ما كانت. وقيل: البئر قبل إن تطوى، فإن طويت فهي الطوي، أو العادية القديمة منها التي لا يعلم لها رب ولا حافر يكون في البراري. وقد عرفت ب "الرس" كذلك.

ومن أنواع الآبار التي ذكرها علماء اللغة: الشبكة، ويراد بالشبكة الآبار المتقاربة والأرض الكثيرة الآبار. وأما "الفُقُر"، فهي ركايا تحفر ثم ينفذ بعضها الى بعض حتى تجمع ماؤها في ركي. واذا اجتمعت ركايا ثلاث فما زاد إلى ما بلغ من العدة قيل له "فقير"، ولا يقال ذلك لأقل من ثلاث. وورد إن الفقر فم القناة، والمكان السهل تحفر فيه ر كَايا متناسقة، وفم القناة التي تجري تحت الارض، ومخرج الماء منهاْ، وأما "الكظامه"، فإنها بئر إن جنبها بئر بينهما مجرى في بطن الارض. وقيل: كل ما سددت من مجرى ماء أو باًب أو طريق، فهو كظم، والذي يسدّ به الكظامة. وقيل: هي آبار متناسقة تحفر وبباعد ما بينها، ثم يخرق ما بين كل نهرين بقناة تؤدي الماء من الأولى إلى التي تليها تحت الأرض فتجتمع مياهها جارية ثم تخرج عند منتهاها فتسيح على وجه الأرض.

و "الجفر" البئر التي ليست بمطوية، وتجمع على جفار. وأما "الجدّ"، فالبئر الجيدة الموضع من الكلأ، والجمع أحداد، والملك البئر ينفرد بها الرجل، والبود البئر كذلك. والسهبرة من أسماء الركايا. و "القليب" البئر ما كانت، والبئر قبل إن تطوى، فإذا طويت فهي "الطوي"، أو العادية منها التي لا يعلم لها رب ولا حافر يكون في البراري. و "الطوي" البئر المطوية بالحجارة.

ومن المواضع التي عرفت بأطوائها موضع "الأطواء" باليمامة، قرب "قر قرى"، ذو نخل وزرع كثير.

وقد تكون الآبار ذات مياه غزيرة كبيرة، تخص المدينة بأسرها، أو القبيلة بأسرها، وقد تكون ملك أسرة تستغلها الأسرة لحسابها، أو ملك فرد يستفيد منها مباشرة أو يبيع مياهها للناس،لاسقاء الأرضين أو الماشية. وقد تباع لأشخاص آخرين، وقد تؤجر. وطالما كانت الآبار مصدر نزاع خطير بين القبائل وسبباً في إثارة الحروب.

و "العِدُّ " البئر لها مادة من الأرض، فهي كثيرة الماء دوماً ولا تنزح، وأما "المفهاق" فإنها البئر الكثيرة الماء، و "الغروب" الدلاء، واحدها "غرب" وهي التي تجرها الإبل، و "الاسجل" الواسع من الدلاء بمائها، والغَلَل الماء الجاري يجري تحت النخيل،و "اليعيوب" النهر الجاري وتسلسله مضيه في جريته. و "الخسف." البئر ذات الماء الكثير.

وقد اشتهرت بعض الآبار بغزارة مياهها، ذكر "الهمداني" أن "بئر النقير" بناحية البحرين " على عشر قَبَم لا تنكش، ويجتمع عليها كثير من ورّادالعرب وربما سقى عليها عشرة آلاف بعير". وهناك آبار أخرى عرفت بغزارة مياهها.

وقد يحفرون سلسلة آبار نحرق أسافلها، ليفرغ بعضها في بعض من موضع الماء. مثل "الهباءة". وكانوا يزرعون عليها الحنطة والشعير وما أشبه.

ولم يكن من السهل في ذلك الزمن حفر الآبار، لعدم توفر الالات والأدوات الفنية. فإن حفر البئر إلى عمق بعيد الغور كما تتطليه الأماكن المرتفعة يحتاج إلى آلات كثيرة والى علم وتدبير وفن وذكاء في محافظة جدران البئر من الأنهيار على الحفارين، وعلى الماء بعد الانتهاء من الحفر، فتندثر ويذهب المجهود في حفرها عبثأَ. هذا ولا بد لمهندس الآبار من معرفة بطبيعة الأرض ومظنة وجود الماء فيها أو عدمه ومدى عمقه،فلا يعقل اقدام شخص على حفر بئر في أرض لايعرف من أمرها شيئاً. وحفر البئر في النجاد عمل مكلف باهظ، فلا بد إِذن من تخصص أناس بهندسة الآبار،ليقوموا بهذا العمل الذي لا يمكن القيام به ما لم يسنده علم وفهم.

وقد تخصص أناس بحفر الآبار وباختيار المواضع التي يحتمل وجود المياه العذبة بها. ولهم في ذلك علم ودراية وخبرة. وكانوا إذا قربوا من الماء احتفروا بئراً صغيرة في وسط البئر بقدر ما يجدون طعم الماء، فإن كان عذباً حفروا بقيتها، ولذلك يقال "التعاقب" و "الاعتقام". فالاعتقام إذن عملية تجريبية لاختبار طعم ماء البئر وتجربته من حيث العذوبة والملوحة وعليها تتوقف عملية الحفر.

ومتى حفرت البئر ووصل إلى الماء، قيل: أمهت البئر، وأموهت،وأمهيت. ويقال ابتأرت بئراً، اًي حفرتها. ويقال أيضاً: حفرت البئر حتى نهرت، أي بلغت الماء. واذا بلغ الحفارون الأرض الغليطة قيل: يلغت الكدية. واذا وصلوا موضعاً صعباً فصعب الحفر، قيل: بلغ مسكة البئر. ويقال أجبلت، أي انتهيت إلى جبل. ويقال الصلود، وهي الارض التي تحفر فيغلب جبلها الحافر. فيصلد الحفر على الحافر لصعوبة الأرض. واذا حفر الحفارون حتى يبلغوا الطين، فيقال عندئذ: أثلجت، فإذا بلغ الماء، قيل: أنبط ونبط. والنبط أول ما يظهر من ماء البئر حين تحفر. وإن بلغ الرمل، قيل: أسهب، وإن انتهى إلى سبخة، قيل: أسبخت. ويقال: تأثل البئر إذا حفرت البئر، وهزمت البئر حفرتها.

ويتحايل الحفارون في الحفر أذا فوجئوا بصخرة أو أرض صلدة، تمنعهم من الاستمرار في الحفر، خاصة إذا كانوا قد بلغوا عمقاً بعيداً في باطن الارض. وقد كلفهم الحفر صرف مال كثير، فإذا تركوه أصيب صاحب البئر بخسارة، لذلك يتحايل الحفارون على الأرض بالتعريج في الحفر، يمنة ويسرة، للعثور على موضع ينزلون منه إلى موضع وجود الماء، ويقولون لذلك: "التلجيف". ويراد به الحفر في جوانب البئر.

وقد تنقر آبار صغيرة ضيقة الرؤوس في نجفة صلبة، لئلا تهشم، ويقال لمثل هذه الآبار المناقر. وأما المنقر، فيراد بها البئر التي يكثر فيها الماء. وفي بعض المناطق الصخربة والجبلية آبار منقورة تتجمع فيها مياه جوفية تنحدر إليها من المواضع المرتفعة أو من مياه الامطار التي تتساقط على المواضع المرتفعة فتسيل إلى أفواه تلك الآبار وتدخل إليها وتجمع فيها، فيستفيد منها الناس.

وفي جملة الألفاظ الواردة في الكتابات العربية الجنوبية والمستعملة في حفر الآبار وتوسيعها وتعميقها، لفظة "حفر"، وهي بالمعنى المفهوم منها في عربيتنا. ولفظة "سنبط"، ويقصد بها معنى "استنبط"، من "نبط" ويراد بها ظهور الماء واستخراجه من باطن الارض وأما لفظة "سبحر"، فتعني "استبحر"، من أصل بحر، بمعنى التعميق. ولا يزال حفرةُ الابار في العراق يستعملون لفظة تبحير البئر بمعنى تعميقها. وفسرت لفظة "ضفر"، بعنى الدعم بالحجارة، أي كسوة جدار البئر يالحجارة.

وللمحافظة على البئر من الانهيار بسبب رخاوة جدرانها وتساقط المياه الممتوحة منها، عمدوا إلى ربرها من قعرها الى أعلاها بالحجارة. ويعبر عن هذا الجدار بلفظة " كولم" "كول" في المسند. وب "جول" في عربيتنا. ورد في كتب اللغة: "الجول: جدار البئر". ويقال لمثل هذه البئر "المزبورة" أي المطوية بالزبر. وأما "المعروشة"، فالتي تطوى قدر قامة من أسفلها بالحجارة، ثم يطوى سائرها بالخشب وحده، وذلك الخشب هو العرش. فإن كانت كلها بالحجارة، فهي مطوية، وليست معروشة. وهناك تعابير أخرى تشير إلى تبطين البئر وكساء جدرانها بمواد مقوية تمنعها ان تنهار. فإذا بنيت البئر بالحجارة، قيل بئر مضروسة وفى ضريس، وهو ان يسدّ ما بين خصاص طيها بحجر،وكذلك سائر البناء. ويقال الأعقاب للخزف الذيُ يدخل بين الأجر في الطي لكي يشتد. والوَسٌب خشبُ يطوى به أسفل البئر إذا خافوا إن تنهال، والجمع الوسوب. والحامية الحجارة تطوى بها البئر.

وهناك ألفاظ عديدة ذكرها علماء اللغة للآبار التي تكثر مياهها أو تقل. فورد: بئر غزيرة بمعنى كثيرة الماء، وورد بئر ميهة وماهة إذا كثر ماؤها، والعيلم البئر الكثيرة الماء. والخسَيف التي تحفر في حجارة فلا ينقطع ماؤها كثرة، وهي التي خسفت إلى الماء الواتن تحت الارض، ويقال بئر سجر ومسجورة بمعنى مملوءة، وبئر ذات غيث أي مادة. والقيلذم، البئر الكثيرة الماء، وبئر مقيضة كثيرة الماء قد قيضت عن الجبل. والبئر الماكدة التي يثبت ماؤها على قرن واحد لا يتغير، وإن كثر منها، وان وضع عليها قرنان أو أكثر، غير أن ذلك إنما يكون على قدر ما يوضع عليها من القرون بقدر مائها، وبئر مكود وماكدة لا تنقطع مادتها، والهزائم الآبار الكثيرة الماء، وبئر زغربة كثيرة الماء، وبئر ذمة وذميم وذميمة كثيرة الماء كذلك، والنقيع البئر الكثيرة الماء.

ويقال حبض ماء البئر، وذلك إذا انحدر ونقص، ونكزت البئر أي قلّ ماؤها، وبئر نزح ماء فيها، وبئر مكول وهي التي يقلّ ماؤها فيستجم حتى يجتمع الماء في أسفلها، واسم ذلك الماء المكٌلةُ، وبئر قطعة وبئر ذمة قليلة الماء، وبئر ضهول قليلة الماء، والخليقة البئر التي لا ماء فيها، وقيل هي الحفيرٍة في الارض المخلوقة، والضغيط بئر تحفر إلى جنبها بئر أخرى فيقلّ ماؤها، وبئر قَرُوع قليلة الماء وهي كالضنون سميت بذلك لانها تقرع قرعاً كلما فني ماؤها، وبئر رشوح وبروض وبضوض قليلة الماء.

وتستخرج المياه من الآبار بالدلاء، تربط بالحبال الى الأعمدة المثبتة فوق البئر. ويقال للعمود "عمد" "عامود" و الجمع "عمدُ" و "أعمد". وأما "الدلو" وهو الوعاء أو القربة المصنوعة من الجلد في الغالب، فيقال له "علبت" و "علبم" في المسند، تمتلىء بالماء حين دخولها في ماء البئر، فتسحب وهي مملوءة به. فإذا بلغت موضع سكب الماء سحبت إلى ذلك المكان لتفريغ مائها فيه، فينساب إلى "مسقيت" أي "مسقية"، بمعنى الساقيهّ لإرواء المزرعة، أو لايصاله الى المدينة أو البيوت.

وأما الآلة التي تعلق عليها الدلاء والمتصلة بالأعمدة فتعرف ب "اعرز" في المسند. ويقال للدولاب الذي يستقى عليه: المنجنون، وذلك في عربيتناْ.

ويقال لتفريغ الركية وأخذ ما فيها من ماء "حبض" في لغة المسند. وهي بهذا المعنى أيضاً في عربية القرآن الكريم. والاحباض إن يذهب ماء الركية فلا يعود، و "أحبض الركية" احباضاً، فلم يترك فيها ماء.

ولا بد للدلاء من حبال قوية متينة تتحمل الاحتكاك بينها وبين البكرة وتساعدها في حمل الدلو. وهذه الحبال تتخذ من مواد مختلفة، تفتل وتبرم، والعادة إن يقوى الحبل بجملة حبال تبرم بعضها فوق بعض، وتشد شداً قوياٌ لئلا تتهرأ بسرعة فينقطع. وقد يتكون الحيل الواحد من مجموع عشرة حبال. أما مادة الحبل فالليف والخوص والجلود ولا سيما جلود الإبل والابق والمصاص، وهو نبات، ولحاء الشجر والقنب، ومشاقة "السلبْ"، وهو ضرب من الشجر ينبت متسلقأَ فيطول. ويؤخذ فيحل ثم يشقق فتخرج منه مشاقة بيضاء كالليف يتخذ منها أجود ما يكون من الحبال، وقد تصنع من القطن ومن ليف جوز الهند.

ولفتل الحبال تستعمل المغازل والمبارم، لغزل الالياف وبرمها بعضها فوق بعض، كما تستعمل بعض المواد المقوية للالياف مثل الزيوت لتحافظ على قوة الحبل وعلى تماسكه فتبقيه طرياً،فلا ينقطع بسهولة: وقد تخصص أشخاص بصناعة الحبال وعاشوا عليها، وقد كانت ذات أهمية بالنسبة لذلك الزمن.

ويقال للدلو العظيمة: "الغرب". ويتخذ من مسك ثور، والغرب الراوية. و "السانية" الغرب وأداته، والناقة إذا سقت الارض، وسنيت الدابة، إذا استقى عليها، والقوم يسنون لانفسهم إذا استقوا. والسناية والسناوة السقي، وهو سان. والساني، يقع على الرجل والجمل والبقر، كما أن السانية على الجمل والناقة. والمسنوية، البئر التي يسنى منها، وركية مسنوية، إذا كانت بعيدة الرشاء لا يستقى منها إلا بالسانية من الإبل.

وتستخدم الثيران والجمال والحمير والبغال في مَتحْ الماء بالدلاء من الآبار الكبيرة الواسعة لسقي المزارع والبساتين والناس، ويشرف على ذلك العبيد أو الفلاحون أو أصحاب البئر. أما الآبار الصغيرة الخاصة بشرب الناس، فيستخرج الماء منها الإنسان، وتصب الدلاء المياه في أحواض أعدت لذلك، لها منفذ يسيل منه الماء إلى السواقي.

وقد تحمى البئر من الأدران ومن الأتربة ومن أخذ الماء منها، بإقامة بناء فوقها على هيأة غرفة، فإذا أقيم ذلك على البئر عرف ب "منشا" في المسند. وقد تؤدي هذه اللفظة معنى أخذ الماء وتوجيهه إلى الجهة المراد ارسال الماء إليها بمجرى ياخذ ماءه من "فنوت". وفسرت لفظة "ثقول" بمعنى تعليق. وتعليق شيء فوق بئر، أو انشاء سقف فوقها لحماية البئر ولتعليق الأدوات التي يمنح بها الماء من البئر عليها، وذلك كما في هذه الجملة: "ابارسم وثقولسم"، ومعناها: "وكل آبارهم وسقوفها" أو "وكل آبارهم والأعمدة المقامة فوقها للاستقاء بها".

وتتعرض الآبار لسقوط الأتربة والرمال فيها، وقد تنهار جدرانها فينضب ماوها، ولا تمكن الاستفادة منها إلا بنزحها. ويقال لنزح البئر جهرت البئر واجتهرت، أي نزحت. وقيل المجهورة المعمورة منها عذبة كانت أو ملحة. ولا بد من نزح هذه الآبار دائماً، إذا أريد بقاء الماء فيها، وإلا ذهب ماؤها وانتفت فائدتها، فتترك وتهمل وتنظف الآبار بنزول الرجال فيها فيشد الرجل وسطه بالحبل، ويترك طرفه في يد رجل، او مشدوداً بشيء ثابت قوي. ويقال لهذا الحبل "الجعار". وذكر إن "الجعار" حبل يشد به المستقي وسطه إذا نزل في البئر لئلا يقع فيها، وطرفه في يد رجل، فإن سقط مدّه به. وقيل هو حبل يشده الساقي الى وتد ثم يشده في حقوه. وتعمل في جدر الآبار في العادة مواضع للأقدام متقابلة يضع النازل في البئر رجليه عليها، تمكنه من النزول لمنح البئر، واستخراج ما قد يتساقط فيها من أتربة ورمال، أو لحفر قاعها لزيادة الماء فيها.

ويعبر عن انهيار البئر وسقوطها بألفاظ، مثل: "صقعت"، وانقاصت، وانقاضت، وانهارت، وتنقضت، وتجوخت، وانقارت. والهدم ما تهدم من نواحي البئر في جوفها، وانخسفت البئر، تهدمت.

وتنظف الآبار بالجُبٌجبة، تملأ بالأتربة وبالطين وباًلأوساخ المتراكمة في قاع البئر وترفع، وتصنع من جلود وأدم، وهي نوع من الزبيل. ويستعمل في التنظيف "الثوج" كذلك، وهو زبيل، يعمل من خوص، يحمل فيه التراب وغير ذلك. ويستعمل القفير كذلك، وهو الزبيل بلغة أهل اليمن. ومن أسماء الزببل أيضا "الصن" وهو زبيل كبير، والحفص زبيل صغير من أدم، والعرق نوع من أنواع الزببل. ويقال للخشبتين اللتين تدخلان في عروتي الزبيل إذا أخرج به التراب من البئر "المِسْمعان". وقيل المسمع العروة التي تكون في وسط المزادة.

وتسحب الزبيل بحبال أعلى لاستخلاص ما فيها من تراب وطين ووسخ حتى تنظف. ومن الالفاظ المعبرة عن تنقية البئر ونزولها وتنظيفها من الاوساخ والاتربة قولهم: نُثُلِت. البئر، أي أخرج ترابها، واسم ذلك التراب النثيلة والنثالة والثلة والنبيثة. ويقال نبيثة النهر كذلك. وأما خمامة البئر، فيراد بها ما كنس منها. ويقال جهَرَ تُ البئر، بمعنى أخرجت ما فيها من ألحمأة. وأما الشأو، فما يخرج من ترابها، وقد شأوت البئر نقيتها، ويقال للذيُ يخرج به المشآة، ويقال -أخرجت من البئر شأواَ أو شأوين، وهو ملء الزببل من التراب. وجششت البثر أجشها جشاً، أي كنستها. ونكشتُ البئر،أخرجت ما فيها من الحمأة والجيئة والطين.

وقد يتغير طعم مياه الآبار وألوانها لعوامل عديدة. وهناك مصطلحات عديدة ذكرها علماء اللغة للدلالة على فساد ماء البئر ونتنه. مثل: المسيط والضّغيط، والحماًة الطين الاسود المنتن، وقد يحمىء ماء البئر فيكدر وتخالطه الحمأة فتتغير رائحته. وتنزع حمأة الابار وتنظفّ ليمكن الاستفادة منها. والجيئة والجيأة: البئر المنتنة.

وقد كان أهل المدن والقرى يشربون من العيون ومن موارد المياه الطبيعية الاخرى إن كانت في قراهم عندها أو على مقربة منها، كما كانوا يحتفرون الآبار في بيوتهم أو في خارجها للاستفادة من مياهها، فإن كانت عذبة فرحوا بها وشربوا منها. وكانت قريش قبل جمع قصيّ إياها وقبل دخولها مكة تشرب من حياض ومصانع على رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها "لؤي بن غالب" خارج الحرم تدعى "اليسيرة"، ومن بئر حفرها "مرة بن كعب" تدعى "الروي"، وهي ما يلي "عوفة" ثم حفر "كلاب بن مرة" خم ورم، و"الجفر" بظاهر مكة، وورد أن الذي حفر بئر "خم" هو "عبد شمس بن عبد مناف"، حفرها بمكة. وأن الذي حفر بئر "رم" هو "مرة بن كعب" أو "كلاب ابن مرة" حفرها بمكة. وذكر أن "الجفر" بئر بمكة كانت لبني تميم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي.

ثم إن "قصي بن كلاب" حفر بئراً سماها "العجول" واتخذ سقاية، ثم إنه سقط في العجول بعد ممات "قصي" رجل فعطلت. وورد أن الذي احتفرها "قصي" أو "عبد شمس". وحفر "هاشم بن عبد مناف" "بذر"،وهي البئر التي عند حطم الخندمة على فم شعب أبي طالب، وهي لبني عبد الدار. وحفر "هاشم" أيضاً "سجلة"، وقد دخلت في المسجد. وحفر "عبد شمس ابن عبد مناف " "الطوى" وهي بأعلى مكة، و "الجفر"، وحفر "ميمون ابن الحضرمي" "بثرة"، وهي آخر بئر حفرت في الجاهلية بمكة. وعندها قبر "المنصور". وورد أن "عبد شمس" حفر أيضاً بئرين وسماهما "خم" و "رم"، على ما سمى "كلاب بن مرة" بئريه. فأما "خم" فهي عند "الردم". وأما "رم"، فعند دار "خديجة بنت خويلد".

وحفرت بنو أسد بئر "شفُيَة". وحفر "بنو عبد الدار" "أم أحراد"، وقد أشير إليها في الحديث. وحفر "بنو جمح" "السنبلة". وذكر إن الذي حفرها "بنو جمح" و "بنو عامر". وحفر "بنو سهم" "الغمر"، وهي بئر "العاص بن واثل". وحفرت "بنو عدي" "الحفير". وحفرت "بنو مخزوم" "السقيا"، و "بنو تيم" "الثريا"، وهي بئر "عبد الله بن جدعان". وحفرت "بنو عامر بن لؤي" "النقيع"، وكانت لجبير بن مطعم بئر، وهي بئر بني نوفل، وكان عقيل بن أبي طالب، حفر في الجاهلية بئراً، وهناك آبار أخرى غيرها، ذكرها "البلاذري" في كتابه "فتوح البلدان".

وقد اشتهرت بعض الآبار وعرفت، ، ولا تزال معروفة نقرأ أسماءها في الكتب. ومن أشهرها "بئر زمزم"، ذات الشهرة البعيدة، بسبب مكانتها من الكعبة، وبئر "طوى". وهي بئر حفرها عبد شمس بن مناف. وبئر "ذروان"، وهي لبني زريق، جاء ذكرها في حديث سحر النبي. و "بئر رومة"، وهي ليهودي كان يببع الماء منها للناس، وقد حصل على مال كثير منها، وكان إذا غاب، قفل عليها بقفل، فلا يستطيع أحد أخذ الماء منها. فشكا المسلمون ذلك إلى الرسول، فقال: "ومن يشتريها ويمنحها للمسلمين ويكون نصيبه كنصيب احدهم، فله الجنة". فاشتراها "عثمان" بخمسة وثلاثين ألف درهم، فوقفها.

وبيثرب وأطرافها آبار عديدة، كان يستقي منها أهلها للشرب، منها بئر "غرس". ويظهر انها كانت من أجود وأحسن آبار يثرب. وقد ورد ذكرها في الحديث، حيث ورد: نعم البئر بئر غرس، هي من عيون الجنة. وغُسّل رسول الله منها. وذكر انها كانت بقباء، وانه برك فيها. ويستقى منها على حمار. ومنها بئر "مالك بن النضر بن ضمضم"، وهي التي يقال لها بئر "أبي أنس". ولما نزل الرسول منزل "أبي أيوب"، كان أبو أيوب يخدمه ويستعذب له هذه البئر، ولما صار الرسول إلى منزله، كان خدمه يحملون قدور الماء إلى بيوت نسائه من بئر السقيا، ومن بئر غرس.

وبئر "يضاعة" بئر معروفة بالمدينة، قطر رأسها ستة أذرع، وهي في بستان، وكان أهل يثرب يطرحون فيها خرق الحيض ولحوم الكلاب والمنتن.

وكان أهل العربية الغربية يحفرون حفراً، يجعلونها كالبئر، يلقون بها الجيف وما شاكلها. وذكر أن "الجباجب"، حفر بمنى كان يلقى بها الكروش، كروش الأضاحي في أيام الحج، أو كان يجمع فيها دم البدن والهدايا، والعرب تعظمها وتفخر بها. وقد ورد أن الرسول كان يشرب من بئر "بضاعة" وأنه بصق فيها وبرك. وأن خيل رسول الله كانت تسقى منها، وأن أهل المدينة كانوا يغسلون مرضاهم بمائها، لاعتقادهم أنه يشفي من المرض. ولعل قصة رمي الجيف والمنتن بها من القصص الموضوع المصنوع، أو أن ذلك حدث فيما بعد، حين أهمل شأنها،فلم يعد الناس يستقون منها، فاتخذت موضعاً يرمى فيه الجيف.

ومن بقية الآبار "البقُعْ" وقيل هي السقيا التي بنقب بني دينار، ويئر "جنب"، وبئر "جاسم"،بئر أبي الهيثم بن التيهان براتج، وبئر "العبيرة"، بئر "بني أمية بن زيد"، وقد شرب منها الرسول وسماها "اليسيرة". وبئر "رومة" باًلعقيق، وكانت لرجل من مزينة يسقى عليها بأجر، فقال رسول الله: نعْمَ صدقة المسلم هذه من رجل يبتاعها من المزني فيتْصدق بها. وكان المزني، قد ضرب خيمة إلى جنب البئر، يأخذ أجور الدلاء، وله جرار بها ماء بارد، مرّ الرسول به مرة فشرب منها ماء بارداً، فقال: هذا العذب ا لزلال.

ويرد في كتب السير مصطلح "بئر السقيا" و "بيوت السقيا"، و"السقيا" ورد أن الرسول كان يشرب من بيوت السقيا، وورد أن خدمه كانوا يحملون قدور الماء إلى نسائه من "بئر السقيا"، وأنه شرب حين خرج إلى "بدر" من "بئر السقيا". وقد ذكر بعض، العلماء، أن "بيوت السقيا" موضع في بلاد "عذرة"، يقال له "سقيا الجزل"، قريب من وادي القرى. وهناك بئر قيل لها "السقيا" بنقب بني ديار، ورد ذكرها في الحديث. وهناك مواضع أخرى عرفت ب "السقيا"، و "سقيا"، منها سُقيا غفار، و "السقيا الجزل"، "سقيا يزيد"، والسقيا للعنبر.

وقد ذكر إن الرسول قد شرب من الآبار المذكورة، وبصق فيها وبرك، ليبارك في مائها.

ولأبي عبيدة، معمر بن المثنى كتاب في الآبار، جمع فيه ما ورد ذكره من الآبار.

وقد اتخذ النبط وغيرهم من القبائل آباراً لشربهم ولشرب مواشيهم، لها فتحات تسدّ بالحجارة، فلا يمكن لأحد غريب الوقوف عليها، فإذا داهمهم عدو، أو أرادوا النقلة إلى أماكن أخرى، سدوا بها فتحاتها، ووضعوا فوقها من التراب ما يخفي معالمها. وقد أشار إليها الكتبة اليونان واللاتين.

ولا تزال بعض الآبار القديمة مستعملة ينتفع بمائها وهناك آبار طمرت، أو جفت مياهها، وقد عثرعند أفواهها على كتابات تشير إليها والى أسماء أصحابها. وهناك آباًر أخرى عديدة عثر عليها في مواضع متعددة من جزيرة العرب، وبعضها عميقة جداً، وهي كلها "عادية" من أيام الجاهلية. والبئر العادية البئر القديمة التي لا يعرف لها مالك.

وقد استغلت بعض الآبار الجاهلية المندثرة، بتنظيفها وتطهيرها واستغلالها. ذكر "فؤاد حمزة" إن آباراً عديدة جاهلية نظفت وأصلحت، فعادت إليها الحياة، واستغلت مياهها في إحياء الأرضين التي كانت خصبة مثمرة ثم تحولت إلى موات. ولا يزال الناس يستغلون في اليمن وفي غير اليمن بعض الآبار القديمة للشرب، وذلك لصعوبة استخراج مياهها للزراعة لعمقها، واقتصار الناس هناك في استخراج الماء على الدلاء. ويظهر من وجود بعض الآبار "العادية" في البراري إن تلك المواضع كانت في محلات مأهولة، ثم تركها أهلها فعميت،وبقيت آثارها تتحدث عن وجود سكن قديم في هذه المواضع. وفيَ اليمامة آبار عديدة عادية، لا تزال على وضعها، وهي من آباًر ما قبل الإسلام. وأشار العلماء إلى مياه عادية، فقد ذكروا إن "لبينة" ماءة عادية، أي من المياه القديمة التي يعود عهدها إلى الجاهلية.

وقد عثر المنقبون على نصوص جاهلية مدوّ نة بالمسند، تتعلق بتملك الآبار وبحفرها وبإصلاحها. وقد أرخ بعض منها بأيام ملك، أو برجل عظيم كان معروفاً مشهوراً في زمانه،أو بحادث وقع لهم ذي يال. وقد أمدتنا هذه النصوص ببعض المعلومات عن الآبار وعن أصحابها وأسماء المواضع التي حفرت بها.

ويكون نضوب الماء من البئر، أو تحول مائها العذب إلى ماء ملح، نكبة بالنسبة لأهل البئر، ففي تبدل طعم الماء هذا خسارة كبيرة لأهل الماء، وعليهم البحث عن مورد آخر لسدّ رمقهم،واطفاء ظمأ أموالهم، وحفر بئر أخرى في مكان آخر. ونقرأ في كتب أهل الأخبار واللغة أمثلة كثيرة عن هذا التبدل الذي حدث في طعم الماء، وسببه، همو انحباس المطر، وتحول مجاري المياه العذبة الجوفية من مكان إلى مكان، مما يسبب نضوب ماء الآبار والعيون التي كانت على المجاري القديمة، أو تقليل كمياته، فتظهر عندئذ ملوحة التربة، وقد تتغلب على طعم الماء العذب، فتحوله إلى ماء ملح وقد هجرت مستوطنات عديدة بسبب وقوع هذه الظواهر المحزنة في موارد مياهها كانت تستمد مياهها من حوض ماء جوفي، فلما قلت المياه فيهما، أو تحولت إلى موضع آخر، لعوامل "جيولوجية"، تأثرت المنطقة التي فيها الماء، بهذا التحول، واضطر سكانها إلى تركها، نتيجة انقطاع موارد المياه عنها، أو تبدل طعمها، تبدلاً لا يطاق.

بنو سهم، و "غمر ذي كندة" بينه وبين مكة يومان، و "الغمر" باليمامة، موضع ماء. وأما لفظة "الركايا"، فتعني الآبار.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق