إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 يناير 2016

1622 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والتسعون الارواء الحياض


1622

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل السادس والتسعون

الارواء

الحياض

وقد ترك الجاهليون حياضاً واسعة كانوا أنشأوها في مواضع كثيرة من اليمن وبقية العربية الجنوبية لخزن الماء فيها للاستفادة منها أيام الجفاف. فإذا ما تساقطت الأمطار، سالت إلى هذه الحياض، وبعضها عميق واسع لا تنضب منها مياهها طوال السنة. وقد أحيطت هذه الحياض بجدران متينة من الصخور صفت ورتبت على هيأة مدرجات، حتى إذا انخفض الماء أمكن لمن يريد الاستسقاء منها أن ينزل على هذه الدرجات حتى يبلغ الماء ولا يزال بعض هذه الحياض موجوداً يستعمله الناس. وقد وصف السوّاح الذين زاروا اليمن بعضها وتحدثوا عنها وعن أبعادها وعن طرق بنائها وهندستها.

ولمنع تسرب الماء من الحوض، يسدّ ما بين الحجارة من منافذ بالمدرة المعجونة، وتطلى أوجه الجدر بمادة تغطيها مثل الصهريج لمنع تسرب الماء وخروجه إلى الخارج، كما يبلط قاع الحوض ويطلى كذلك. وتوضع حجارة تنصب حول الحوض، ويسد ما بينها بالمدرة، ويقال لذلك النصيبة. ويمدر الحوض إذا طين وسدَُّ خصاص ما بين حجارته، كما يعبر عن ذلك بلفظة اللوط. ويوضع الإباد حول الحوض، أي التراب، لدعمه وتقويته. وقد ترفع جسر الحوض فوق الأرض، وتعمل فيه صنابير لخروج الماء فيها وقد تنشأ فيها حنفيات لأخذ الماء منها، تعمل من المعدن أو الحجارة.

وقد عثر على ميازيب ومثاعب حجر نحتت نحتاً جميلاً، وضعت في جدران الأحواض، ليسيل منها الماء. وقد صنعت مواضع مسايل بعضها على هيأة رؤوس حيوانات فتحت أفواهها ومن هذه الأفواه المفتوحة يتساقط الماء. ولا يزال بعضها في هيأة حسنة ومستعملة حتى الآن. واستعملت بعضها في السطوح لسيلان الأمطار منها، كما عثر على صخور منحوتة نحتاً جميلاّ جداً كانت تكوّن الواجهة الظاهرة من جدران الحياض. وقد نحت بعضها على شكل صور حيوانات بارزة أو أوجه حيوانات، ونحت بعضها على صور أوراق نبات وأغصان أعناب أو عناقيد أعناب وما شابه ذلك من أجزاء النبات.

وثعب الماءُ سالَ، ومنه اشتق مثعب المطر. والثعب هو مسيل الوادي، ومنه مثاعب المدينة، أي مسايل مائها. والمثعب المرزاب  

وتعمل الأحواض لشرب الإبل وغيرها. وقد يوضع في وسطها حجر، يكون مقياساً للماء، يقال له "القداس"إذا غمره الماء رويت الإبل، أو هو حجر يطرح في حوض الإبل، يقدّر عليه الماء، يقتسمونه بينهم. وقيل هو حصاة، توضع في الماء قدر الري للابل، أو يقسم بها الماء في المفاوز.

وفي كتب اللغة ألفاظ عديدة أطلقت على الحوض، بحسب شكله واتساعه وعمقه منها الحوض المركو. أما المقراة، فالحوض العظيم. وأما الجرموز، فالحوض الصغير، وقيل هو حوض مرتفع الأعضاد. والنضيج الحوض، وخصه بعضهم بالحوض الصغير. والجابية الحوض كذلك. وأما الشّرَبة فالحوض يجعل حول النخلة يملأ ماء، فيكون ري النخلة. والحضج الحوض.

و يقال لموضع تجمع الماء، والمكان الذي يخزن فيه فيكون على هيأة بحيرة صغيرة أو حوض "بحرت"، "البحرة". ولا يزال أهل الشام يطلقون لفظة "بحرة"على حوض الماء الذي يقيمونه في أفناء دورهم، للتمتع بمنظره وبمنظر الماء الذي يتدفق منه. وقد يضعون الأسماك فيه. وقد وردت اللفظة في هذه الجملة: "وصرح ثبرن وبحرت بموثب احلين"، ومعناها: "وأعلى حصن ثبر، والبحرة الكائنة في أسفل السلالم". ويظهر إن أصحاب الحصن كانوا قد أقاموا "بحرة"ضد قاعدة السلالم التي ترتقي إلى الحصن،وذلك من أجل نقل الماء منها الى أعلى للاستفادة منه، ولاحمائه وسكبه على المحاصرين في أثناء الحصار.

والمقرى والمقراة كل ما اجتمع فيه الماء من حوض وغيره، وخصه بعضهم بالحوض. وذكر بعضهم، إن المقراة المسيل، وهو الموضع الذي يجتمع فيه المطر من كل جانب. وقيل المقراة شبه حوض ضخم يقرى فيه من البئر، ثم يفرغ في المقراة. وقريّ الماء مسيله من التلاع، أو مجرى الماء في الروض.

ويقال للموضع الذي يستنقع فيه الماء، أي يجتمع: "النقيع"، فإذا نضب الماء نبت فيه الكلأ. و"المنقع"الموضع الذي يستنقع فيه الماء، أي ويقال لموضع تجمع المياه في خزانات صغيرة لخزنها فيها وتوزيعها على السواقي "مزف". تأتي المياه إليها من خزانات أخرى أكثر منها. فتخزن فيها لإعادة توزيعها. والفعل هو "زف"من "زفف". وتطلق لفظة "زف" على مواد عمل ما. وأما العمل نفسه فيقال له "فعل".

وقد أشير في نصٍ إلى وجود "هور" أمام "محفد"، اي حصن: "بقنو هور محفدهمو ذ معينن"، ومعناها: "أمام هور محفدهم "حصنهم " ذي المعين". و "هور"في هذه الجملة هو "الهور" في عربيتنا. وهو "بحرة تفيض فيها مياه. فتتسع ويكثر ماؤها"، ويجمع على أهوار. أما في النص، فلا يراد به هذا المتسع الواسع من الماء، بل يراد به حوض أو متجمع من الماء أوسع من البحرة، كان أمام الحصن.

وقد وردت لفظة "بركن"أي البركة في اللهجات العربية الجنوبية كذلك، ووردت لفظة أخرى هي "عسن"يظهر أنها تعني بركة كبيرة أو صهريج ماء تحت الأرض، أو جملة برك تتصل بمأخذ أو مآخذ، تتجمع فيها المياه. وقد ذكر علماء اللغة أن البركة مثل الحوض يحفر في الأرض لا يجعل له أعضاد فوق صعيد الأرض. ويسمي العرب الصهاريج التي سويت بالآجر وصرجت بالنورة في طريق مكة ومناهلها بركاً. وربّ بركة تكون ألف ذراع وأقل وأكثر. وأما الحياض التي تسوى لماء السماء، ولا تطوى بالاجر، فهي الأصناع واحدها صنع.

وقد طليت جدران البرك الجاهلية بمادة متماسكة قوية، ترى اليوم وكأتها قد فرغ منها من عهد قريب. فلم تتشقق ولم تصب بتلف إلا قليلا. فيها فتحات عملت لمرور الماء منها إلى السواقي. وقد استعمل مثل هذه البرك لخزن الماء وللأرواء في الوقت نفسه.وتمكن الاستفادة منها إذا ما نظفت من المواد الزائدة التي تراكمت فيها وأدخلت عليها بعض الإصلاحات.

و "الأضاة"الغدير، والماء المستنقع من سيل أو غيره. والغدير مستنقع الماء، ماء المطر صغيراً كان أو كبيراً، غير أنه لا يبقى إلى القيظ الا ما يتخذه الناس من عدّ ووجد أو وقط أو صهريج أو حائر. والعدّ الماء الدائم الذي لا انقطاع له. ولا يسمى الماء الذي يجمع في غدير أو صهريج أو صنع عداً، لأن العدّ ما يدوم مثل ماء العين والركية. ويعبر عن "الغدير"ب "النهي"،. وقيل النهي الغدير حيث يتحير السيل فيوسع، وكل موضع يجتمع فيه الماء أو الذي له حاجز ينهى الماء أن يفيض منه.

وفي كتب اللغة ألفاظ عديدة أطلقت على النهيرات والسواقي المتفرعة منها.

ومنها الشراج، جمع شرج،وهي مسايل الماء من الحَزن إلى السهل. والاربعاء، وهي مسايل ومساقي يسقى منها النخيل والبساتين، ويزرع على جانبيها. وأما "الجعافر"، فقيل: "الجعفر"النهر، وقيل هو النهر الصغير، وقيل هو النهر الكبير الواسع: وقيل النهر الملآن، أو فوق الجدول.

ويقال للجدول الربيع في عربية القرآن الكريم، ويجمع على "أربعاء".وأهل المدينة يغرسون الشجر على جانبيه. ويقال له أيضاً "السعيد". ويراد به النهر الذي يسقي المزرعة. وقد ورد في الحديث: "كنا نزارع على السعيد". و "الجدول"النهر الصغير. ويقال لأوائل الجداول "أقبال الجداول". وأما السواقي بين الزروع، فتسمى "دبار".

ويطلق أهل اليمن على ساقية الماء والجدول الصغير "الغيلَ"، وهي من الألفاظ القديمة المستعملة في الري. وفي اليمن جملة أغيال، يقل ماؤها عند انحباس المطر، ويزداد عند هطوله في مواسمه. ويشرب أهل صنعاء من مياه الغيل المسمى "الغيل الأسود"، ويزرعون عليه. وذكر علماء اللغة إن الغيل الماء الجاري على وجه الأرض، وقال بعضهم ما جري من المياه في الأنهار والسواقي. وأما الذي يجري بين الشجر، فهو "الغلل"." وفي الحديث ما سقي بالغيل ففيه العشر، وما سقي بالدلو، ففيه نصف العشر".


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق