إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 يناير 2016

1631 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والتسعون الارواء المسايل


1631

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل السادس والتسعون

الارواء

المسايل

وللسيطرة على المياه، ولا سيما مياه الأمطار،عمد العرب الجنوبيون إلى الوسائل الصناعية الفنية في التحكم فيها، فاًنشأوا المجاري الصناعية لتجري فيها المياه وتسيل فلا تذهب عبثأَ ولا تجري في القنوات إلا بقدر. ومن هذه المجاري ما يقال له "مأخذ" و "مأخذت" في لغة المسند. أي "مأخذ" و "مأخذة". ويراد بالمأخذ المجرى المحفور المعمق لمرور المياه إلى الحقول والبساتين أو المعابد.

ويقال للقناة أي الممر الذي تمرّ منه المياه "عبرن" في اللهجات العربية الجنوبية، أي المعبر. ذلك لأن المياه تعبرها وتجري فيها وتسيل منها إلى الأماكن التي كان يقصد وصولها إليها. وترد بكثرة في النصوص المتعلقة بتنظيم الإرواء وفي النصوص المتعلقة بشؤون الزراعة. وأما لفظة "امررن " فتعني "المرور"، والامرار و "الممرات"، وقد وردت فيَ النصوص الزراعية بمعنى الممرات المائية التي تجري فيها المياه، فهي بمعنى سواق لإسقاء الأرض. وأما الممر الواحد أو الوادي، فيقال له "سر ن".

وترد كثيراً في النصوص المتعلقة بشؤون الإرواء لفظة "حرت". وورودها فيها يدل على وجود علاقة لها بالإسقاء والإرواء.ويظهر أن لهذه اللفظة صلة بلفظة "خر" العربية التي تعني ما خدّه السيل من الأرض، والشق، فيقال خر الماء الأرض خراً إذا شقها، والهوى من علو إلى أسفل، واذا تدهدى الشيء من علوه. وهي بهذا المعنى وبمعنى ثقب وفتحة في لغة بني إرم وفي العبرانية المتأخرة، وتؤدي لفظة "خرو" Harru معنى قناة في الأشورية. وهذا يدل على إن للفظة "حرت" معنى قناة أو فتحة تفتح في السد، أو في مجرى ماء، لإسالة الماء من الفتحة إلى القناة أو المجرى المخصص بجري الماء.

وقد عثر السيّاح الذين زاروا اليمن ودرسوا آثار السدود على "حر"ات"كثيرة تتخلل جانبي السدّ. وهي عبارة عن فتحات مستديرة، تختلف أقطار فتحاتها بحسب كميات المياه المراد إمرارها منها إلى "القنوات". وهذه الفتحات هي الحرات "حررتن". والفتحة الواحدة هي "حرت" "حرة".

ويعبر عن احداث فتحة أو ثغرة في جدار أو جبل أو في صخرة لإسالة الماء منها أو فتح شيء ما، بلفظة "بلق". وتؤدي لفظة "مخض" معنى "بلق" أيضأَ، فهي أيضاً بمعنى احداث ثغرة اًو فتحة، غير أنها تستعمل للتعبير عن معان أخرى مثل فتح الطرق وشقها في الجبال في الغالب، أو احداث طريق فوق "منقًلن". ويراد بالمنقل معنى "نقيل" أي ممر.

ولما كانت العربية الجنوبية ذات جبال ومرتفعات، تصطدم بها الرياح المتشبعة باًلأبخرة، فتتساقط مطراً، عمل المهندسون على الاستفادة من هذه الأمطار بالتحكم فيها وبتوجيهها الجهة التي يريدونها، وذلك بإحداث فتحات في الصخور وعمل قنوات وأنفاق لإكراه الماء على المرور منها إلى المواضع التي يريدون خزنها فيها للاستفادة منها عند الحاجة، ولتكوين مسايل كبيرهّ تتجمع فيها المياه فتجري كالأنهار.

وتؤدي لفظة " قلح" معنى سال وجرى وصب، ولها معان أخرى ذات صلة بالحركة. وبهذا المعنى ترد لفظة "سفح" كذلك. ولسفح في عربيتنا معنى قربب من معناها في المسند، فمن معاني السفح، عرض الجبل حيث يسفح فيه الماء، وسفح بمعنى سال وأراق وصب. وهي معان لها صلة بجريان الماء.

وأما لفظة "منفخت" "منفخة" و "منفخ"، من أصل "نفخ"، فإنها تعني فتح الماء واسالته، وذلك بفتح الفتحات الماسكة له ليسيل منها إلى المجاري المخصصة بمسيله. وهي في معنى لفظة "منفس" التي هي من أصل "نفس". ويراد بها خروج الماء وجريانه من الفتحات الحابسة له وارتفاعه نتيجة لفتح الماء. وهي من ألفاظ الإرواء الواردة في الكتابات العربية الجنوبية.

وبستعمل العراقيون جملة "تنفس الشط" بمعنى ارتفع ماء النهر وزاد، وذلك في ايام الفيضان. و "تنفس الموج" و "تنفس دجلة". فالمنفخ والمنفس اذن في معنى واحد، ويطلقان على عملية رفع مستوى الماء بزيادة كمياته من الفتحات التي تضبطه وتسيطر عليه، لأجل رفع مستواه في الأنهار أو في المجاري والسواقي لإرواء الأرضين في يسر وسهولة، ولا سيما الأرضين المرتفعة بعض الارتفاع. ويقال لمجرى الماء الصغير المتفرع من مجرى أوسع منه "مسبا". وذهب بعض الباحثين إلى أن المراد بهذه اللفظة الصهريج. وقد عرف علماء اللغة "المسبا" بأنه الطريق في الجبل.

أما السواقي ومجاري الماء الصغيرة التي تستعمل في اسقاء المزارع والحدائق، فيقال لها "مسقيت"، أي "مسقية" و "ساقية". وذهب "رودوكناكس" إلى أن لفظة "مسفحة" "المسفحة"، تعنى الساقية أيضاً.

ويعبر عن خروج الماء وسيلانه ونزوله بلفظة "فجر". و "الفجر" في عربيتنا تفجير الماء، يقال انفجر الماء وتفجر: سال وانبعث. والمفجر والمفجرة منفجر الماء من الحوض وغيره. وفجرة الوادي، متسعه الذي ينفجر اليه الماء. و "الشرج" مسيل ماء من الحرة إلى الوادي، ومنفسح الوادي، فلها علاقة بمسير الماء وسيلانه. وبهذا المعنى وردت لفظة "سفح" في المسند.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق