إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1552 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع والثمانون تسخير عالم الارواح الشيطان


1552

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
     
الفصل الرابع والثمانون

تسخير عالم الارواح

الشيطان

والشيطان هو "Satan" في الانكليزية، و "Diabolos" في الإغريقية. ويرجع علماء اللغة كلمة "الشيطان" إلى أصل "شطن"، ويقولون إن من معاني هذه الكلمة الخبث، ولما كان الشيطان خبيثًا قيل له "شيطان" ومعنى ذلك ان.فكرة خبث الشيطان كانت معروفة لصاحبها قبل التسمية. فلما بحث عن لفظة مناسبة لها، اختاروا هذه الكلمة الني تدل على الخبث. وهو تعليل من تلك التعليلات المعروفة المألوفة الني كان يرجع اليها علماء اللغة كلما أعياهم الوصول إلى أصول ا لأشياء.

و "الشيطان" "ساطان" "سطن" في العبرانية، ومعناه: عدو ومشتك. في هذه اللغة. ومن هذه اللغة جاءت لفظة "Satan" في الانكليزية.

وذكر "الطبري": والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء" ثم قال: "وانما سمي المتمرد من كل شيء شيطاناً لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله وبعده من الخير. وقد قيل انه أخذ من قول القائل شطنت داري من دارك، يريد بذلك بعدت. ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان: نأت بسعادً عنك نوى شطون  فبانت والفؤاد بها رهـين

والنوى الوجه. للذي نوته وقصدته، والشطون البعيد. فكأن الشيطان على هذا التأويل شطن. وما يدل على ذلك كذلك، قول أمية بن أبي الصلت: أيما شاطن عصاه عـكـاه  ثم يلقى في السجن والاْكبال

ولم ترد لفظة "الشيطان" في شعر الشعراء الجاهليين، خلا شعر "أمية بن أبي الصلت" و "عدي بن زيد العبادي". والأول شاعر وقف،على ما يظهر من شعره، على شيء من اليهوذية والنصرانية. وأما الثاني، فهو نصراني، لذلك يجوز لنا ان نرجع علمهما. بالشيطان إلى ما جاء في اليهودية والنصرانية عنه، ولذلك نستطيع ان نقول ان هذه اللفظة جاءت العربَ عن طريق أهل الكتاب.

وذكر علماء اللغة، أن "الأزب" اسم من أسماء الشياطين، وذكروا أن "الأزب" شيطان اسمه أزب العقبة، وقيل هو حية وأن من أسماء الشيطان: "الحُباب". ويقع على الحية أيضاً، لأن الحية يقال لها شيطان، وفي حديث: "الحباب شيطان"وذكروا أن من أسماء الشيطان "الطاغوت".

ومن الشياطين، شيطان اسمه "زوبعة"، وقيل هو رئيس للجن. ومنه سمي الإعصار زوبعة، ويقال أم زوبعة وأبو زوبعة وهو الذي يثر الاغبار، حين يدور على نفسهه، ثم برتّفع في السماء ساطعاً كأنه عمود.

وأما ما ورد في القصص عن الشياطين عند الجاهليين، فهو يختلف عما جاء عن الشيطان في الكتب اليهودية والنصرانية، مما يدل على أن منبعه منبع آخر، وان "الشيطان" عند الجاهليين، هو غير الشيطان المعروف عند اليهود والنصارى، الذي دخل إلى العرب قبيل الإسلام وفي الإسلام.

ومن القصص المذكورة، استمد بعض الجاهليين قصصهم عن ذكاء الشيطان وعن حيله. ومن هذا القصص ولا شك استعمل الناس مصطلح "تشيطن" و "الشيطنة" بمعنى الذكاء والحيلة، لما رسخ في ذهنهم من ذلك القصص عن ذكاء الشيطان وسعة حيله وتلاعبه بأذكى البشر. وهو في التوراة ذو طبع شرير، وزعيم العصاة لأوامر الله يضل الناس بهم سبيل الخطيئة ولذلك تعوذوا منه.

ومن القصص المذكور استمد أيضاً حكماء اللغة ما ذكروه من ان كلمة،الشطن تعني الحية، فقي ذلك القصص ظهور ألشيطان على صورة حية خدعت ابوينا ادم وحواء في الجنة. وتمثل هذا القصص في الأدبين العبراني والنصراني. وسبب ذلك هو ما علق بأذهان العبرانيين من مكر الحيات ودهائها وخبثها وميلها إلى الشر، وما علق بذهنهم عن هذه الصورة في الشيطان. والحية هي عند أكثر المستشرقين رمز يشير إلى الثورة والعصيان والشر. وهذه الفكرة هي من اسطورة شرقية قديمة على سقوط البشرية في الشر، وتمثل في سقوط آدم وحواء وطردهما لذلك من الجنة، وفي تعاليم زرادشت من ان الشرير ظهر في هيأة حية، وأخذ يعلم الناس الشر.

وزعم ان "شيطان الحماطة" الحية. وورد "شيطان حماط". ولعل ذلك بسبب لجوء الحيات إلى الحماط، والحماطة شجرة شبيهة بالتين، وهي أحب الشجر إلى الحيات، إذ تألفها كَثيراًْ. وفي هذا المعنى ورد في قول الشاعر: تلاعبُ مثنى حضرمي كأنـه  تعمج شيطان بذي خروع قفر

والتعمج التلوي. والمراد هنا تلوي شيطان بمكان قفر نبت فيه الخروع. وقصد بالشيطان الحية.

وقد وصف الشيطان بالقبح، فإذا أريد تعنيف شخص وتقبيحه، قيل له: يا وجه الشيطان وما هو إلا شيطان، يريدون بذلك القبح، وذلك على سبيل تمثيل قبحه بقبح الشيطان. وقيل: الشيطان حية ذو عرف قبيح الخلقة.

وقيل إنه كان حية زعم أنها تأتي حول البيت، فلا يطوف أحد. ولما شرعوا ببناء الكعبة في أيام شباب الرسول،جاء طير فالتقط الحية. ولقبح وجه الشيطان، قالوا للذي به لقوة أو شتر، إذا سبّ: يا لطيم الشيطان. وقالوا للمتكبر الضخم: ظل الشيطان. وكانوا إذا،أرادوا ضرب مثل بقبح انسان قالوا: لهو أقبح من الشيطان. وقالوا لشجرة تكون ببلاد اليمن،لها مظهر كريه "رؤوس الشياطين"4. وبهذا المعنى فسرت "رؤوس الشياطن" في الاية: )إنها شجرة تخرج من أصل الجحيم: طلعها كانه رؤوس الشياطين(، يقول تعالى ذكره كأن طلع هذه الشجرة، يعني شجرة الزقوم في قبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قبحها، وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء، قال: كأنه شيطان، فذلك أحد الأقوال. والثاني أن يكون مثل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطاناً. وهي حية له عرف فيما ذكر، قبيح الوجه والمنظر، وإياه عنى الراجز، يقوله: عنجرد تّحلف حين أحـلـف  كمثل شيطان الحماط أعرف

ويروي عجيز: والثالث ان يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين، ذكر انه قبيح الرأس. ويظهر ان العرب في الجاهلية، كانوا يطلقون رؤوس الشياطين" على شجر كريه المنظر جداً، قال علماء اللغة: "والصوم: شجر على شكل شخص الإنسان كريه المنظر جداً، يقال لثمره رؤوس الشياطين، يعني بالشياطشن الحيات، ووليس له ورق وقد جمع هذا التفسير بين الشياطن والقبح. وبمثل الصورة اليَ رسمها الناس في مخيلتهم للشياطين.

وكانت الشعراء تزعم ان الشياطين تلقي على أفواهها الشعر، وتلقنها اياه رتعينها عليه، وتدعي ان لكل فحل منهم شيطاناً يقول الشعر على لسانه فمن كان شيطانه أمرد كان شعره أجود. وبلغ من تحقيقهم وتصديقهم بهذا ان ذكروا لهم اسماء شياطينهم، فقالوا: إن اسم شيطان الأعشى مسحل، وللأعشى أشعار فيه، يمدحه ويثتي عليه، لأنه يعاونه ويساعده في نظم الشعر فيلقيه عليه إلقاءً. وقد زعم "حسان بن ثابت" ان شيطانه الذي يلهمه الشعر هو من "بني شيصبان" من فصائل الجن. وقد انتقلت هذه العقيدة في إلهام الشعر للشعراء إلى المسلمين كذلك. وقد دعا "جرير" شيطانه الذي يلقي عليه الشعر "ابليس الأباليس".

ويكنى عن الشيطان بالشيخ النجدي. وقد أشير اليه مراراٌ في كتب السير والأخبار. أشير اليه في بنيان الكعبة، حين حكموا رسول الله في أمر الركن من يرفعه، فحضر في زي شيخ نجدي بين الحاضرين، وصاح: يا معشر قريش أرضيتم أن يليه هذا الغلام دون أشرافكم وذوي أسنانكم، وحضر اجتماع "دار الندوة". وأيد قرارهم في قتله. وذكَر علماء الأخبار، أنه عرف بالشيخ النجدي، لأنه تمثل نجدياً، وقيل لأن نجداً يطلع منها "قرن الشيطان" ورووا أحاديث تذكر ذلك، وتذكر أن الفتن تخرج من المشرق، والمشرق نجد بالنسبة لأهل الحجاز.

و "قرن الشيطان"، ناحية رأسه، ومنه الحديث: تطلع الشمس بين قرني الشيطان، فإذا طلعت قارنها، وإذا ارتفعت فارقها. وفي الأساطير أن للشيطان قرنين.

وكان الكهان يستعينون بالشياطين في الإخبار عن المغيبات،يذكرون أن الشياطين يسترقون السمع من السماء، يخبرونهم عن أنباء الأرض. وكان للكاهن "صاف ابن صياد شيطان يلقي اليه. ما خفي من أخبار الأرض، وذكر أن النجوم تقذف الشياطين،وأن الجاهليين.كانوا يرون ذلك، وهو موجود في أشعار القدماء من الجاهلية، منهم عوف بن الجزع،.وأوس بن حجر، وبشر بن أبي خازم وكلهم جاهلي، وقد وصفو الرمي بالنجوم.

و "إبليس" من هذه الأفكار التي نفذت إلى العرب عن طريق أهل الكتاب، والعلماء على ان الكلمة معربة، وهي كذلك. فأصلها "ديابولس"، Diabolos، وهي كلمة يونانية استعملت في مقابل لفظة "شيطان". وقد أطلقت لفظة "أباليس" في مقابل "شياطين". وقد ورد ان من أسماء ابليس "قترة"، وان اللفظة علم للشيطان. ومن المجاز أبو قترة: ابليس. وفي الحدبث نعوذ بالله من الأعميين ومن قترة وما ولد. الأعميين الحريق والسيل، قترة من أسماء ابليس، وكنيته: أبو قترة. وقترة حية صغيرة، لا ينجو سميمها، ولعل بين التسميتين صلة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق