إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1594 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث والتسعون المراعي


1594

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
      
الفصل الثالث والتسعون

المراعي

وفي جزيرة العرب مراعي، منها الخاص، ومنها العام. والمراعي الخاصة ما تكون ملكاً لرجل أو أسرة أو قبيلة تفرض سلطانها على المرعى، مثل الاحماء، حيث لا يسمح لأحد غير مأذون بالرعي في "الحمى". أما المراعيَ العامة، فهي التي لا تدخل في ملك أحد، وإنما يرعى فيها كل أبناء الحي، وجميع أبناء ا!قبيلة، لأن أرض القبيلة ملك للقبيلة ما دامت عزيزة فيها مالكة لرقبتها، يرعى فيها كل أبنائها، فإذا ذلت واستخذت طمعت فيها القبائل المجاورة القوية، فشاركتها في أرضها، وربما أجلتها عنها. وإذا ارتحلت القبيلة عن أرضها، وتركتها، ونزل بها نازل جديد، صارت الأرض ملكاً له، ما لم يدفع عنها بالقوة، أو يتركها هو رضاءً. فإذا ارتحل عنها، ونزل في مكان جديد، سقط حقه فيها، وانتقلت رقبة الأرض إلى النازل الجديد. وهكذا تكون المراعي عامة مشاعة بين جميع أبناء القبيلة، ما خلا الحمى، ينتفع بها جميع أبنائها، بما في ذلك سادة القبيلة وأصحاب الاحماء، الذين ترعى إِبلهم في احمائهم، كما ترعى مع إبل الناس في مراعي القبيلة، ولا يجوز لأحد من القبيلة أن يأخذ من أرباب المواشي عوضاً عن مراعي القبيلة، لأنها للجميع. وقد اخذ بهذا الحكم في الإسلام بالنسبة للمراعي الموات، بقول الرسول: "الناس شركاء في ثلاث: الماء، والنار، والكلأ".

و "الر عي"الكلأ، وهو ما ترعاه الراعية. والراعي، هو للذي يتولى أمر الماشية الَتي ترعى، ويقال للذي يجيد رعية الإبل "ترِْ عاية"و "ترعى"، أو هو الحسن الارتياد للكلأ للماشية، أو صناعته وصناعة آبائه رعايةَ الإبل. و "الرُعاوى" الإبل التي ترعى حوالى القوم وديارهم لأنها الإبل التي يعتمل عليها.

ويقال للمرعى في المسند "مرعم"، "مرعيم"، "مرعى". والمرعى موضع الرعي. والر عي الكلأ. والمرعى والرعي ما ترعاه الراعية. ورُعيان، ورُعاء، رعاة الغنمَ على الأكثر. ويقال "ترعى"و "ترعاية"و "تراعية"للرجل يجيد رعية الإبل، أو هو الحسن الارتياد للكلأ للماشية، أو صناعته وصناعة آبائه رعاية الإبل. و "الرُعاوى"، الإبل التي ترعى حوالى القوم وديارهم، لأنها الإبل التي يعتمل عليها. ويقال للمرعى "الأب"، وهو الكلأ جميعه الذي تعتلفه الماشية، رطبه ويابسه.

ويعبر عن الإبل إذا رعت ب "سامت المال"، و "سامت الإبل"، يقال سامت الراعية والماشية والغنم تسوم سوماً، رعت حيث شاءت، فهي سائمة. والسوام والسائمة الإبل الراعية، وقيل كل ما رعى من المال في الفلوات إذا خلى وسومه يرعى حيث شاء، والسائم للذاهب على وجهه حيث يشاء. وذكر إن السوام والسائمة كل إبل ترسل ترعى ولا تعلف في الأصل. وورد في الحديث: سائمة الغنم. و "السرح"المال السائم. وذكر بعض علماء اللغة إن المال لايسمى سرحاً إلا ما يفدى به ويراح.

وتؤدي لفظة "مرتع"معنى "مرعى"، ورتع بمعنى أكل وشرب للبهائم.

ولا يكون الرتع إلا في خصب وسعة. وتؤدي لفظة "النجعة"، معنى طلب الكلا في موضعه. و "والنجعة عند العرب المذهب في طلب الكلأ في موضعه، والبادية تحضر محاضرها عند هيج العشب ونقص الخرف وفناء ماء السماء في الغدران، فلا يزالون حاضرة يشربون الماء العدّ حتى يقع ربيع بالأرض خرفياً كان أو شتياً، فإذا وقع الربيع توزعتهم النجع وتشبعوا مساقط الغيث يرعون الكلأ والعشب، إذا أعشبت البلاد، ويشربون الكرع وهو ماء السماء، فلا يزالون في النجع الى أن يهيج العشب من عام قابل وتنش الغدران فيرجعون إلى محاضرهم على أعداد المياه".

ويقال أرض معرضة، للأرض التي يستعرضها المال ويعرضها، أي هي أرض فيها نبات ي رعاه المال إذا مرّ فيها.

وإذا أقامت الإبل في المرعى، قيل: "عدنت الإبل"، وخص بعضهم به الإقامة في "الحمض"، وقيل يكون في كل شيء.

وقد تكون المراعي عند مشارف أهل الحضر، لا تبعد عن القرى وعن مستوطناتهم كثيراً، وذلك بالنسبة لرعي الغنم. فيؤدي أهل البيوت أغنامهم إلى الراعي، ليأخذها إلى الخارج فيرعى بها وتتجمع عند الراعي أغنام لمختلف الناس، في مقابل أجر يدفع له. وقد كان الرسول راعي غنم، يرعى غنم قريش، وغنم أهله ب "أجياد"بالقراريط.

وكان بين أصحاب الغنم، وبين أصحاب الإبل تنازع، وقد كان يستطيل أصحاب الإبل على أصحاب الغنم.

و "المنقل"، النجعة يتنقلون من المرعى إذا احتفوه إلي مرعى آخر، وذلك  

إذا رعوا فلم يتركوا فيه شيئاً. والناقلة ضد للقاطنين، والجمع النواقل. والنقل الطريق المختصر. والنجُعة طلب الكلأ في موضعه. والبادية تحضر محاضرها عند هيج العشب ونقص الخرف وفناء ماء السماء في الغدران، فلا يزالون حاضرة يشربون الماء العدّ حتى يقع ربيع بالأرض خرفياً كان أو شتياً، فإذا وقع الربيع توزعتهم النجع وتتبعوا مساقط الغيث يرعون الكلأ والعشب إذا أعشبت البلاد ويشربون الكرع وهو ماء السماء، فلا يزالون في النجع إلى ان يهيج العشب من عام قابل، وتنش الغدران، فيرجعون إلى محاضرهم على اًعداد المياه.

وإِذا أمطرت السماء مطراً كافيأ، كان ذلك خيرأً للعرب وفرحة عظيمة. إذ تغيث الأرض وتكسوها حلة سندسية جميلة، وتزول الغبرة عن وجهها، وتظهر الأرض فرحة مستبشرة بعد عبوس وكآبة. فتهيج الأرض وتنبت نبتاً أخضر، يكون بهجة للناظرين وطعاماً شهياً للابل ولبقيه حيواناتهم، تقبل عليه إقبالاّ شديداً، فتشبع وتصح أجسامها، ويكثر نسلها. ويقال للخضرة التي تكسو وجه الأرض "الكلأ"، وهو العشب، رطبه ويابسه. وأرض كليئة ومعكلأة، كثيرة الكلأ. وذكر إن العشب الكلأ الرطب، والرطب من البقول البرية، ينبت في الربيع، وهو سرعان الكلأ في الربيع يهيج ولا يبقى. ويدخل في العشب، أحرار البقول وذكورها، فأحرارها ما رق منها وكان ناعماً. وذكورها ما صلب وغلظ منها. وذكر بعضم إن العشب كل ما أباده الشتاء وكان نباته ثانية من أرومة أو بذر.

وفي ذلك يقول الأعشى: ألم تر أن الأرض أصبح بطنها  نخيلاّ وزرعاً نابتاً وفصافصا

والفصافص الرطب من علف الحيوان، ويسمى "القت". وقيل هو رطب القت. وفي الحديث: ليس في الفصافص صدقة.

و "البقل"ما نبت في بزره لا في أرومة ثابتة. وذكر أنه كل ما اخضرت به الأرض. والفرق بين البقل ودقّ الشجر، أن البقل إذا رعي لم يبق له ساق، والشجر تبقى له سوق وإن دقت. وقال بعض علماء اللغة: البقل ما لا يثبت أصله وفرعه في الشتاء. والبقُلة، بقل الربيع خاصة. وبقلت الأرض إذا أنبتت. وذكر أن من أسماء بقل الربيع: الجشر.

وترد لفظة "لسسن"، "لسس"، الواردة في نصوص المسند في معنى "لساس " في عربيتنا. ويراد بها أول البقل، وقيل هو من البقل ما استمكنت منه الراعية وهو صغار. وقيل: البقل ما دام صغيراً لا تستمكن منه الراعية، وذلك لأنها تلسه بألسنتها لساً.

والحشيش الكلأ اليابس، ولا يقال وهو رطب حشيش. والطاقة منه حشيشة. والعشب يعم الرطب واليابس. وقال بعض علماء اللغة: الحشيش أخضر الكلأ ويابسه. وقال بعض آخر العرب إذا اطلقوا امم الحشيش عنوا به الخليّ خاصة، وهو أجود علف يصلح الخيل عليه. وهو من خير مراعي النعم. وقال بعض آخر: البقل أجمع رطباً ويابساً حشيش وعلف وخلي. والخلي: الرطب من النبات. وقال بعض علماء اللغة: هو النبات الرقيق ما دام رطباً.

وترد في المسند لفظة "جمست""جمسة"، بمعنى الحشائش عند جفافها والنبت إذا ما ذهبت غضاضته. وهي بهذا المعنى في عربية القرآن الكريم. فالجامس من النبات ما ذهبت غضوضته ورطوبته فولى وجسا.

وتنبت الأمطار ما دقَّ من الشجر، وبعض أنواع الشجر، وقد تثمر ثمراً يستفيد منه الإنسان. كما يستفيد من عوده ومن حطبه وخشبه. أما ورقه فيكون طعاماً شهيأَ للابل. ونجد في كتب اللغة أسماء عدد كبير من هذه النباتات. وقد استعان الأعراب بالنبات وبالشجر في مداواة أنفسهم،، علمتهم تجاربهم الطويلة القديمة، ما ينفع منها في معالجة ما يصابون به من مرض، فصار لهم طب خاص بهم،يقوم على الفراسة وعلى الملاحظة وعلى التجارب في استخدام النبات في مداواة الإنسان وفي معالجة ماله، ولا زال هذا الطب معمولاً به في البوادي، عند ا لأعراب.

ويعد الأراك من أطايب أكل الإبل، إذا أصابت منه شيئاً.، ظهر طعمه في للبن، وهم يستحسنون هذا اللبن. وقد كان الرعاة إذا مروا به اجتنبوا ثمرته، و "الكباث"، هو أحسن ثمره، ولونه أسود، وهو أطيب ثمر الأراك. وقد اجشاه الرسول يوم كان راعياً، وهو النضيج من ثمر الأراك. وما لم ينضج فهو "بربر". وقيل: الكباث هو ما لم ينضج منه، وقيل حمله إذا كان متفرقاً.

وتكتسي الأرض بعد ظهور الكلأ ثوباً سندسياً جميلاً، فتظهر خضراء، لكثرة ما عليها من "الخضر"، وهو الزرع والنبات الذي نبت عليها. و "الخضر"، المكان ااكثير الخضرة. ويراد بالخضرة "البقلة الخضراء"، وهي بقلة خضراء خشناء ورقها مثل ورق الدخن وكذلك ثمرتها وترتفع ذراعاً،وهي تملأ فم البعير.

و "الخضر" ضرب من الجنبة، والجنبة من الكلأ ما له أصل غامض في الأرضّ، مثل النصى والصليان. وليس الخضر من أحرار البقول التي تهيج في الصيف. وجيدها الذي ينبته الربيع بتوالي أمطاره فتحسن وتنعم، ولكنه من البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها حيث لاتجد سواها،وتسميها العرب الجنبة، فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستمريها.

والجنبة، عامة الشجر التي تتربل في زمان الصيف. واسم لنبوت كثيرة، وهي كلها عروق. سميت جنبة، لأنها صغرت عن الشجر الكبار وارتفعت عن التي لا أرومة لها في الأرض. فمن الجنبة: النصي والصليان والحماط والمكر والحذر والدهماء. صغرت عن الشجر ونبلت عن البقول. والنصي: نبت ما دام رطباً، فإذا ابيض، فهو الطريفة، فإذا ضخم ويبس، فهو الحليّ. وهو من أفضل المرعى. وذكر أن "الطريفة"من النصي، إذا ابيض ويبس، أو هو منه إذا اعتم وتمّ وكذلك من الصليان. وذكر أيضاً أن الطريفة من النبات، أول الشيء، يستطرفه المال،،فيرعاه كائناً ما كان. وسميت طريفة، لأن المال يطرفه إذا لم يجد بقلاه. وقيل لكرمها وطرافتها واستطراف المال إياه. وقيل: الطريفة خير الكلأ، إلا ما كان من العشب. ومن الطريفة النصيّ والصليان والهلتي والشحم والثغام.

و "الحلي"ما ابيض من يبيس النصي والسبط، وقيل: هو كل نبت يشبه نبات الزرع،أو اسم نبت بعينه. وقيل هو من خير مراتع أهل البادية للنعم والخيل.

والحماط، شجر شبيه بالتين، خشبه وجناه وريحه، إلا أن جناه هو أصغر وأشد حمرة من التين، ومنابته في أجواف الجبال، وقد يستوقد بحطبه، ويتخذ خشبه لما ينتفع به الناس، يبنون عليه البيوت والخيام. وقيل: هو في مثل نبات التين، غير أنه أصغر ورقاً، وله تين كثير صغار من كل لون أسود وأملح وأصفر، وهو شديد الحلاوة يحرق الفم إذا كان رطباً، فإذا جف ذهب ذلك عنه. وهو يدخر وله إذا جفّ متانة وعلوكة. وهو أحب شجر إلى الحيات، أي إنها تألفه كثيراً. يقال: شيطان حماط.

والصليان، نبت من الطريفة، ينبت صعداً وأضخمه أعجازه وأصوله على قدر نبت الحلي"، ومنابته السهول والرياض. وقيل الصليان من الجنبة لغلظه و بقائه.

والمكرة نبتة غبراء مليحاء تنبت قصداً، كأن فيها حمضاً حين تمضغ، تنبت في السهل والرمل، لها ورق وليس لها زهر. وقد تقع المكورعلى ضروب من الششجر كالرغل. و "الدهماء"، عشبة عريضة ذات ورق وقضب، كأنها القرنوة، ولها نورة حمراء يدبغ بها، ومنبتها قفاف الرمل.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق