إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1557 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع والثمانون تسخير عالم الارواح السحر


1557

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
     
الفصل الرابع والثمانون

تسخير عالم الارواح

السحر

والسحر من اهم الوسائل التي لجأ اليها البشر وأقدمها منذ أعتق أيامه فى التأثير على الأرواح، وقد جعله جزءاً من الدين، لذلك كان من اختصاص رجال الدين يقومون به في المعابد قيامهم بالشعائر.

واذ كان معظم الناس في الزمن الحاضر يفرقون بين الدين والسحر، ويعدّ ون السحر شيئاً بعيداً عن الدين، بل هو ضد الدين،.فإن قدماء البشر لم يكونوا ينظرون اليه هذه النظرة، كانوا ينظرون اليه كما قلت على انه جزء مهم من الدين، بل هو أهم جزء فيه وأعظمه، بل ما زلنا نجد ديانات القبائل البدائية تعدّ السحر جزءاً من الدين. وهو كذلك في كل دين بدائي.

وعمل الساحر هو السحر، والسحر في عرف بعض علماء اللغة الإسلاميين هو "عمل يقرب فيه إلى الشيطان". وقد فسّر بعض العلماء كلمة "الجِبْت" في القرآن الكريم بمعنى السحر، كما ذكر أنها تعني الساحر والكاهن والصنم وكل ما عبد من دون الله. وفسر "الطاغوت" بمعنى الشيطان.

وقد وردت كلمة "السحر" و "سحر" و "الساحر" و "الساحرون" و "السحرة" و "مسحوراً" و "مسحورون" في مواضع عديدة من القرآن الكريم، ويدل ورودها فيه بهذه الكثرة على مبلغ اثر السحر في عقلية الجاهليين. وقد اتهم أهل مكة الرسول أنه ساحر، حينما أخبرهم بنزول الوحى عليه. وقالوا انه يستمد وحيه من الشياطين.

وقد جمع البخاري بين الكهانة والسحر بأن قدّم الكهانة على السحر، لأن مرجع الاثنين شيء واحد هو الشياطين.

وقد حملت تلك المواضع من القرآن الكريم المفسربن على جمع ما علق بأذهان الناس عن السحر. أما كتب الحديث ففيها مادة مفيدة وردت ضمناً عن عقيدة اهل الجاهلية به. كما وردت في أخبار اهل الأخبار إشارات اليه، تجمل جميعها ان الاعتقاد بالسحر بين الجاهليين كان شائعاً معروفاً، وان ممارسيه في جزيرة العرب كانوا عرباً ويهوداً، وانهم كانوا يرون ان أصوله في بابل وعند يهود.

وقد كان أكثر السحرة في الجاهلية من يهود. يقصدهم الجاهليون من أنحاء بعيدة، لاعتقادهم بسعة علمهم وباختصاصهمم فيه. وكان اليهود، يسندون علمهم إلى بابل،ولهذا نجد الأحاديث والأخبار العربية ترجع علم السحر إلى بابل واليهود.

والفرق بين الكهانة والسحر ان الكهانة تنبؤ، فسند الكاهن هو كلامه الذي يذكره للناس. أما السحر، فانه عمل في الأكثر، للتأثير في الأرواح، كي تقوم بأداء ما يطلب منها. ولا يمكن صنع سحر ما لم يقترن بعمل. ويصحب هذاالعمل كلام مفهوم أو غير مفهوم، واشارات، يدعي الساحر انه انما يقوم به وبالاشارات لتسخير الأرواح، وان ما يفعله مفهوم عند جنوده، وهم الجن و الشياطين.

وفن مثل هذا مغر جداً، فمن من الناس من لا يريد تسخير القوى الخفية لخيره ولصالحه، وإلحاق الأذية بأعدائه ومبغضيه. ولذلك كان للسحر والسحرة اثر خطير في التأريخ، بالرغم من مقاومة بعض الأديان له. فما يقوم به السحرة من أعمال وخفة، وما لشخصيات بعض السحرة من تاثير نفسي كبير، تجعل من الصعب على بعض الناس ان يكذّ بوا أقوالهم وأفعالهم، ولذلك يتأثرون بهم، ويأخذون بما يقولونه لهم، حتى تكون للساحر مكانة كبيرة في نفس ذلك الشخص.

وللسحر أغراض عديدة، وقد استخدم في معالجة أمور كثيرة، حتى ادارة الملك والقضاء على الأعداء،للسحر رللسحرة فيها صولات وجولات. ومن الطبيعي أن يكون للحب المكانة البارزة فيه، حتى ليكاد يتخصص بهذا الجانب من حياة الإنسان. ولما كانت العادة أن يتزوج الرجل من جملة نساء صار السحر من أهم الوسائل التي استعانت بها الزوجات للتأثير في قاب الرجل، ولكسب المكانة الأولى عنده، وللتفريق بين الرجل وبين بقية أزواجه. ومصداق ذلك ما ورد في القرآن الكريم عن السحرة في هذه الاية: )ولكن الشياطين كفروا، يعلّمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما يعلّمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة، فلا تكفر، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه (. فالتفريق بين المرء وزوجه، كان ولا يزال من أهم أعمال السحرة. ونجد في الحديث تقريعاً ولوماً للسحرة لاستخدامهم السحر في هذا الغرض الفاسد.

والساحر في معالجة الحب على طريقين.: اشعال جذوة نار الحب في قلب من يقصد إثآرته عنده، أو اطفاء نارها وإخمادها واماتتها في قلب المسحور. ولكل من الطريقين قواعد وأحكام وأصول يجب تطبيقها بعناية، وإلا بطل فعل السحر.

أما إشعال نيران الحب، فيكون بطرق متعددة يتبعها الساحر، فقد يستعين بالنباتات. والأعشاب، يستخرج أدوية منها يقدمها إلى المرأة لتُوجر الرجل اياها سراً. وقد يستعين بالجمر يقرأ عليه، ثم يرمى في الممرات التي يمر الرجل،أو الشخص المراد سحره منها. وقد يدفن السحر في موضع كمقبرة أو محل آخر ليؤثر من ذلك الموضع على المسحور. وقد يستعين بالخرز يسحر عليها، فتحبب المرأة إلى زوجها، وتسمى "التوِْلة".

وكما يستعمل السحر لاشعال نيران الحب في القلب، كذلك يستعمل لايقاد البغض والكراهية في النفوس. فقي استطاعة الساحر بما عنده من جنود مجندة ان يلقي البغضاء والكراهية والحقد في نفس أي شخص يود انساناً آخر، فينقلب مبغضاً حاقداً كارهاً لمن كان يحبه ويعشقه. ومجال هذا الباب واسع جداً للنساء خاصة.

وفي استطاعة الساحر مداواة العاشق وإماتة عشقه بوصفة يعطيها اليه تقضي على حبه الجامح قضاءً تاماً يسمونها "السلوانة" و "السلوان". وما هذه الوصفة إلا مادة ذات سحر عجيب يغتسل بها الإنسان أو يشربها، فتطفيء في الحال أو بعد أمد كل نيران الحب مؤججة في قلب العاشق.والسلوانة هي شيء من تراب قبر، أو خرزة تسحق ويشرب ماؤها ؛ فيورث شاربها سلوة. وتكون الخرزة شفافة، تدفن في الرمل فتسود، ثم تستخرج لسحقها وشربها، وقد يكتفى بصب ماء المطر على تلك الخرزة لسقي العاشق ذلك الماء الذي يسمونه "السلوان"، ليشفى من العشق. ولا بد أن يكون لاختيار الماء وتراب القبر أو مسحوق الخرزة في معالجة العشق، سبب يمكن تفسيره باًنه لغسل قلب المحب،وإماتة الحب فيه.

ومن أهم الأعمال التي يعالجها السحرة، اخراج الجن من المجانين فالجنون هو من عمل الجن. تحل الجنة بالإنسان فتأخذ عقله. ومن هنا قبل لهذا المرض "جنة" و "جنون". ومن واجب الساحر اخراج الجن من هؤلاء المرضى، وهو عمل يقوم به الساحر حتى اليوم،ويكون ذلك بضرب المريض بالعصا لإخراج الجنة منه. أو بسقيه بعض الأشربة السحرية، أو بتدليك جسمه وغسله،وبإدخاله محلاً مظلماً هادئاً يحرق فيه البخور، وبتعليق بعض العزائم والحجب وما شاكل ذلك لإبعاد الجن عن المجنون وإعادة عقله اليه.

ويداوي الساحر أمراضاً عديدة أخرى، بل كل أنواع الأمراض، وما المرض في نظر القدماء إلا أرواح شريرة حات في الأجساد أو بجزء منها، فألحقت بها الأمراض. ولن يشفى الجسد أو الجزء المصاب منه إلا بطرد تلك الأرواح. وطرد الأرواح من أعمال السحر. والساحر هو سلف من أسلاف الأطباء. وكلمة "طبيب" العربية هي من هذا الأصل. فالطب في اللغة السحر، و "المطبوب" هو المسحور، والطابّ هو الساحر يستخدم طبه في الشفاء. وقد أدخلت كتب الحديث السحر في "كتاب الطب". فالساحر هو طبيب يعالج أشياء عديدة، ثم تخصص الأطباء بالطب، غير ان الأطباء ظلوا يمارسون حتى في أوروبة السحر في معالجة مرضاهم مدة طويلة، إلى ان تطور العلم، وظهر البحث الحديث.

ويقوم أكثر مداواة المرضى بواسطة السحر بالنفث على المريض أو في فمه وبامساك الرأس أو الجزء المريض، لقراءة شيء عليه يضمن شفاءه، أو بتدليك ذلك الجزء منه. وقد يعطى حجباً وتمائم تشفي المريض من مرضه. والنفث في الفم من العادات الجاهلية القديمة، يقوم به الكاهن والساحر والأب في بعض الأحيان، لاعتقادهم ان ذلك سيلهم الطفل فيعلمه العلم والحكمة والذكاء وبمنحه الصحة الجيدة.

ومن طرق السحر عند الجاهليين، النفثُ في العُقد، وقد دلتّ عليه هذه الآية الكريمة: )ومن شر النفّاثات في العقد (. ويكون ذلك بعقد عقد والنفث عليها. ويذكر المفسرون في سبب نزول هذه الاية أن "لبيد بن أعصم اليهودي" سحر الرسول، ودس ذلك السحر في بئر "لبني زريق" تسمى "بئر ذروان" "بئر ذي أروان"، وأنه وضع ذلك السحر في جف طلعة تحت راعوفة، أي في قشر الطلع وتحت حجر في أسفل البئر. فلما استخرج السحر،وجدوه مشاطة رأس وأسنان مشطه،وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر. ويقوم بهذا السحر الرجال والنساء. غير أن المفسربن وأهل الأخبار واللغة حينما يذكرون هذا النوع من السحر يذكرون أن النساء النفاثات هن اللواتي كنّ يقمن بذلك، أخذوا رأيهم هذا من الاية المذكورة التي تشير الى بنات لبيد وكنّ ساحرات،والاشارة في هذه الآية عن حادث معين، ولم يقصد بها الاطلاق.

والنفث في العقد، وعقد سبع عقد توضع فيها مادة السحر، من طرق السحر القديمة المعروفة عند العبرانيين والآشوريين وغيرهم. وقد عثر في الكتابات المسمارية على تعليمات في كيفية اتقاء شر الأرواح الخبيثة وأرواح الأموات الشريرة التي تسحر الناس، فكان مما جاء فيها عقد سبع عقد ووضع مادة سحرية فصلت في تلك التعليمات لاتقاء شر سحر تلك الأرواح.

ويذكر المفسرون وأهل الحديث ان الرسول لما سحره "لبيد بن الأعصم" من "بني زريق"، كان "يخيل اليه انه كان يفعل شيئاً وما فعله " حتى علم بسحر "لبيد"، فلما استخلصه من البئر، ذهب أثر ذلك السحر عنه.

وقد كان السحرة اليهود يقرأون شيئاً ويهمهمون عند عقدهم كل عقدة من هذه العقد، ويقال لذلك Ghabar. ومن هؤلاء اقتبس السحرة العرب طريقهم في النفث على العقد.

والمواد التي يستعين بها الساحر لعمل السحر عديدة. أوراق بعض النباتات والملح والبخور والدماء والعظام وقرون الحيوانات يدفنها أو يحرقها أو يذيبها في الماء. وفي كل سحر لا بد أن يشفع الساحر سحره بطقوس أو بحركات خاصة، وبتمتمة تلقي في الروع ان الساحر يقول شيئاً ويخاطب أشخاصاً هم الجن والتمتمة هي في الغالب كلام غير مفهوم عند الناس، ولكنه عند الساحر وجنوده الجن والشياطين كلام واضح بليغ.

ويعمد السحرة إلى الصور والرموز في سحرهم، ومنهم من كانوا لا يعرفون الكتابة ولا القراءة فيرمزون إلى من يريدون سحره، أو إلحاق الأذى به، أو يصورونه. وقد يشيرون بالصور والرموز إلى الجن والشياطن. وهم في الغالب يدفنون تلك الصور والرموز في المقابر، لأنها من أنسب الأماكن للسحر. وقد عثر على عدد من هذه الاشارات والصور السحرية. ومنها ما هو مكتوب بكتابات لها صور بالسحر.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق