إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 يناير 2016

1609 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والتسعون الارض الاقطاع


1609

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
      
الفصل الخامس والتسعون

الارض

الاقطاع

الاقطاع في الإسلام يكون تمليكاً ويكون غير تمليلك. والقطائع انما تجوز في عفو البلاد التي لا ملك لأحد فيها ولا عمارة فيها لأحد، وفيما ليس بمملوك كبطون الأودية والجبال، والموات، فيقطع الإمام المستقطع منها قدر ما يتهيأ له عمارته بأجراء الماء إليه أو باستخراج عين منه، او بتحجر عليه للبناء فيه. ومن الاقطاع اقطاع ارفاق لا تمليك كالمقاعدة بالأسواق التي هي طرق المسلمين، فمن قعد في موضع منها كان له بقدر ما يصلح له ما كان مقيماً فيه، فإذا فارقه لم يكن له منع غيره منه، كأبنية العرب وفساطيطهم، فإذا انتجعوا لم يملكوا بها حيث نزلوا منها، ومنها اقطاع السكنى. وفي الحديث: لما قدم النبي المدينة أقطع الناس الدور، معناه أنزلهم في دور الأنصار يسكنونها معهم، ثم يتحولون عنها. ومنه الحديث، انه أقطع الزبير نخلاً،يشبه انه انما أعطاه ذلك من الخمس الذي هو سهمه، لأن النخل مال ظاهر العين حاضر النفع، فلا يجوز اقطاعه. وأما اقطاع الموات، فهو تمليك.

وهر ضربان: إقطاع تمليك وإقطاع استغلال. فلما اقطاع التمليك فتنقسم فيه الأرض المقطعة ثلاثة أقسام: موات وعامر ومعادن. فأما الموات، فعلى ضربين: احدهما ما لم يزل مواتاً على قديم الدهر فلم تجر فيه عمارة ولا يثبت عليه ملك، فهذا الذي يجوز للسلطان إن يقطعه من يحييه ومن يعمره، والضرب الثاني من الموات ما كان عامراً، فصار مواتاً عاطلاً. وذلك ضربان: أحدهما ما كان جاهلياً،فهو كالموات الذي لم يثبت فيه عمارة، ويجوز اقطاعه. والضرب الثاني ما كان إسلامياً جرى عليه ملك المسلمين ثم خرب حتى صار مواتاً عاطلاّ وقد اختلف فيه الفقهاء.

وأما العامر فضربان: أحدهما ما تعين مالكه فلا نظر للسلطان فيه، والضرب الثاني من العامر ما لم يتعين مالكوه ولم يتميز مستحقوه، وهو على ثلاثة أقسام: تكلم فيها الفقهاء.

وأما اقطاع الاستغلال فعلى ضربين: عشر وخراج. فاما العشر: فإقطاعه لا يجوز. وأما الخراج، فيختلف حكم اقطاعه باختلاف حال مقطعه، وله ثلاثة أحوال، ذكرت في كتب الفقه.

وأما اقطاع المعادن، فهو ضربان، ظاهرة وباطنة، فأما الظاهرة، كمعادن الكحل والملح والقار والنفط، وهو كالماء الذي لا يجوز اقطاعه والناس فيه سواء يأخذه من ورد إليه. وأما المعادن الباطنية، ففي جواز اقطاعها قولان: أحدهما لا يجوز كالمعادن الظاهرة، وكل الناس فيها شرعَ. والقول الثاني: يجوز اقطاعها. وفي حكمه قولان: أحدهما أنه إقطاع تمليك يصير به المقطع مالكاً لرقبة المعدن كسائر أمواله في حال عمله وبعد قطعه يجوز له بيعه في حياته وينتقل إلى ورثته بعد موته. والقول الثاني أنه اقطاع ارفاق لا يملك فيه رقبة المعدن ويملك به الارتفاق بالعمل فيه مدة مقامه عليه، وليس لأحد أن ينازعه فيه ما أقام على العمل، فإذا تركه زال حكم الاقطاع عنه وعاد إلى حال الإباحة. فإذا أحيا مواتاً بالإقطاع أو غير اقطاع فظهر فيه بالإحياء معدن ظاهر أو باطن ملكه المعجبي على التأييد كما يملك ما استنبطه من العيون واحتفره من الآبار. واما الاقطاع عند أهل الجاهلية، فكان معروفاً عندهم، وقد أشير إليه في نصوص المسند. وقد كان اقطاع تمليك، واقطاع استغلال.

فأما اقطاع التمليك، فيشمل الموات والعامر والمعادن. وقد أقطع الحكام في كل هذه الأقسام الثلاثة. فكان الملوك، يهبون الموات أو العامر إلى من يريدون من أقربائهم أو قواد جيوشهم أو سادات القبائل، أو كبار الموظفين ومن يرضون عنه. يعطونهم أرضاٌ مواتاً لا أصحاب لها، أو أرضاً عامرة لها أصحاب وملاّك. فقد كانوا محاربون، فإذا انتصروا اصطفوا لأنفسهم ما أحبوا من أرض مملوكة للدولة أو للأشخاص، فسجلوه ملكهاً باسملهم، وأعطوا ما شاءوا الى خاصتهم وذوي رحمهم وقواد جيشهم، ملكاً لهم، يملكون رقبته وكل ما عليه من شجر ونبات وماء ومعادن ورقيق وأناس، لا ينازعهم في ذلك منازع،لهم حق بيعه إن شاءوا، أو حق ايجاره، أو اعطائه لأي شخص آخر لاستغلاله، وإن وجدت فيه معادن، فهي لهم أيضاً.

وقد يغضب ملك أو أي حاكم متفرد بأمره على من هو من تبعته، فينتزع منه ملكه، ويستولي عليه وعلى كل ما عليه، وقد يقطعه كله أو جزءاً منه أحد خاصته، أو يقطعه اقطاعاً، لجملة أشخاص هبة أي تمليكاً، أو غير تمليك، أي عارية، رقبته للحاكم، ومنفعه لمن أقطع له إلى أجل معين أو إلى أجل غير محدود، يكون له ولورثته حق الانتفاع منه. والحاكم الذي يقطع الإقطاع لمن يشاء ويهب الأرض لمن يحب، لا يعجز عن استعادة ما أقتطعه تمليكاً أو استغلالاً متى أحب، فهو الامر بأمره والناهي، لا يعارضه معارض، متى أراد الاستيلاء على أرض أو على اقطاع اقطعه أحداً، أمر بالاستيلاء عليه، فيطاع أمره وينفذ ما دام قوياً له الحول والطول.

ولا يعني الاقطاع عند الجاهليين وجوب وجود العبيد أو الأقنان في الأرض لأستغلالها ولإعمارها، فقد يتعامل الاقطاعي، مع أجراء أو أحرار يتفقون معه على استثمارها في مقابل حقوق يدفعونها له. أما إذا كان متمكناً غنياً له خدم ورقيق وأتباع، فقد يستخدمهم في خدمة ملكه بأجر او بغير اجر، حسب مبلغ هيمنته عليهم ومقدار نفوذه بين قومه واهله.

وقد عرف اقطاع المعادن عند الجاهليين، ما ظهر من المعادن، وما بطن. ويظهر إن أهل اليمن لم يكونوا يفرقون في الاقطاع بين النوعين من المعدن. فكانوا يقطعون المعادن الظاهرة، مثل الذهب والملح، كما كانوا يقطعون المعادن الباطنة، أي المعادن التي يكون جوهرها مستكناً فيها، لا يوصل إليه إلا بالعمل، كمعادن الذهب والفضة والصفر والحديد، فهذه معادن باطنة سواء احتاج المأخوذ منها إلى سبك وتخليص أو لم يحتج، في حين أن المعادن الظاهرة، ظاهرة على سطح الأرض، ولا يبذل لأخراجها ما يبذل في اخراج المعادن الباطنة. أما الإسلام، فقد جعل حكم المعادن الظاهرة حكم الماء العدّ من ورده أخذه، لا يجوز اقطاعه والناس فيه سواء يأخذه من ورد إليه.

وفي كتب السير والتأريخ أن الرسول أقطع بعض سادات القبائل ورؤساء الوفود اقطاعاً، وأمر فكتبت لهم كتب التملك. فأعطى "الزبير بن العوّام"ركض فرسه من موات النقيع "البقيع"، فأجراه، ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أعطوه منتهى سوطه". وفي حديث "أسماء"بنت "أبي بكر"، أنه أقطع الزبير أرضاً من أموال بني النضير ذات نخل وشجر.

وقد سأل "الأبيض بن حمّال"رسول الله، إن يستقطعه ملح مأرب، فأقطعه. " فقال الأفرع بن حابس التميمي: يا رسول الله إني وردت هذا الملح في الجاهلية، وهو بأرض ليس فيها غيره، من ورده أخذه، وهو مثل الماء العدّ بالأرض. فاستقال الأبيض في قطيعة الملح. فقد أقلتك على إن تجعله منى صدقة. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هو منك صدقة، وهو مثل الماء العد: من ورده أخذه". و "الأبيض بن حمال"، سبأي من أهل مأرب، وكان من سادة قومه. وفد على أبي بكر، لما انتقض عليه عمال اليمن، فأقره أبو بكر على ما صالح عليه النبي، من الصدقة، ثم انتقض ذلك بعد أبي يكر وصار إلى الصدقة. وكان مصاباً ب "حزازة"في وجهه، وهى القوباء، فالتقمت أنفه.

وأقطع الرسول " بلالَ بن الحارثَ، المعادن القبلية جلسّيها وغوريها.وحيث  

يصلح الزرع من قدََسٍ، ولم يقطعه حق مسلم". وذكر إن المراد من الجلسي والغوري: أعلاها وأسفلها، وذكر إن الجلسي بلاد نجد والغوري بلاد تهامة. وذكر إن "القبلية"، ناحية من ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمسة ايام، وقيل: ناحية من نواحي الفرع بين نخلة والمدينة، وهي التي أقطعها الرسول، بلال بن الحارث. وورد أيضاً: "معادن القبلة". ولم يذكر العلماء أسماء المعادن التي كانت في هذه الأرض. وقد باع بنو "بلال""عمر بن عبد العزيز"أرضاً منها، فظهر فيها معدن أو معدنان، فجاءوا اليه، وقالوا: انما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعادن. فقال "عمر"لقيمه: أنظر ما خرج منها وما أنفقت وقاصهم بالنفقة وردّ عليهم الفضل.

وأقطع الرسول "وائل بن حجر"ارضاً بحضرموت. وكان أبوه من أقيال اليمن، وفد على النبي واستقطعه أرضاً فأقطعه إياها وكتب له عهداً. وأقطع "زيد الخيل"الشاعر الفارس لما وفد عليه في سنة تسع من الهجرة أرضين. هي "فيد"وكتب له بذلك، فلما وصل موضع "قردة"، توفي بها فدفن هناك، وأقام عليه "قبيصة بن الأسود بن عامر"المناحة سنة.

واقطع الرسول "حمزة بن النعمان بن هوذة""جمرة"العذري، أرضاً من وادي القرى، وكان سيد "بني عذرة". وكان "جمرة"أول من قدم بصدقة "بني عذرة"إلى النبي، وقدم في وفد قومه، وقد نزل أرضه التي اقطعها الرسول له إلى أن مات. واقطع الرسول "ساعدة التميمي العنبري" بئراً في الملاة. وأقطع "مجاعة بن مرارة"الحنفي اليمامي، وكان من رؤساء "بني حنيفة"أرضاً باليمامة يقال لها "العورة"، وكتب له بذلك كتاباً وكانت خصبة منتجة ذات ماء.

واقطع الخلفاء القطائع كذلك، فأقطع "أبو بكر""الزبير"ما بين "الجرف " إلى "قناة". واقطع "عمر""الزبير""العقيق"، واقطع "خوات بن جبير"الأنصاري أرضاً تتصل بالعقيق، فعرفت بقطيعة خوات، فباعها، واقطع "عليا""ينبع "

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق