إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 يناير 2016

1630 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والتسعون الارواء التحكم في الماء


1630

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل السادس والتسعون

الارواء

التحكم في الماء

وللسيطرة على المياه، ولا سيما مياه الأمطار، عند أهل الجاهلية إلى اتخاد مختلف الوسائل في التحكم فيها. بعضها بدائية وبعضها راقية تدلّ على براعة وعلم وفن. منها اتخاذ السدود للهيمنة على الماء، وخزنه للاستفادة منه عند الحاجة، وتوجيهه الجهة التي يريدونها. وقد أظهر العرب الجنوبيون مقدرة كبيرة في الاستفادة من الأمطار ومن مياه الينابيع والأنهار لاستعمالها في الإرواء والشرب والسقي. وتحكم مهندس الإرواء عندهم في الماء وسيطر عليه، لكيلا يذهب هباء، فاستخدم لضبطه الأبواب والفتحات والحواجز والرحاب، ونوّع في المجاري وفي مسايل المياه، ليستفيد من الماء قدر إمكانه فلا يفلت منه شيء.

ولم يكن من السهل على حكومات ذلك الزمن السيطرة على مياه السيول والاستفادة منها، فكانت تذهب سدى، بعد أن كانت تصيب الأرض والناس يالأضرار وحين تنحدر هذه السيول من النجاد والجبال والأمكنة المرتفعة، تتحول الأودية فجأة وبسرعة أنهاراً عريضة كبيرة، تسبل مياهها مندفعة هدارة، لكنها لاتلبث طويلاً،بل تزول وتذهب وتجف الأودية ولا يبقى فيها من الماء شيء، إذ يسيل إلى البحر أو يغور في التربة. وقد اجتهد الجاهليون إن يستفيدوا من هذه السيول فاقاموا السدود على قدر إمكَانهم كما فعلوا في سدّ مأرب وفي سدود أخرى كَما يظهر من الآثار، ولكن قدرتهم الفنية والمالية لم تكن من الاتساع والقوة بحيث تساعدهم على السيطرة على السيول.

وقد عثر على آثار سدود في مختلف أنحاء جزيرة العرب. وقد أنشئت في المواضع التي يزورها الغيث وتنهمل عليها الأمطار. وقد تقام لضبط مياه النهيرات والينابيع، لجمعها، ثم إعادة توزيعها. وبعض هذه السدود المندثرة هو اليوم في مناطق صحراوية لا ماء فيها ولا بشر، مما يشير الى أنها كانت مأهولة، ثم عفى على أهلها الدهر، فأهملت وتهدمت.

وبعض هذه السدود، سدود بسيطة، صنعت من تراب أو من تراب وحجارة لمنع ماء المطر من الذهاب عبثاً، فيسد" طريقه ويحبس في منخفض أو حوض ليستفاد منه. وقد أمر الرسول بسدّ ماء السماء في موضع ليستفاد من الماء، فعرف ب "سد". ويطل جبل "شوران" على السد. وأمر "معاوية" بسد الوادي الذي يمر بحرة المدينة، فحبس سيله بسد، عرف بسد معاوية فهو يحتبس فيه الماء، يرده الناس بمواشيهم يسقونها. ويمر على طرف "قدوم" ويصب في "أحد". و "قدوم" جبل على ستة أميال من المدينة.

وتتخذ "المُسُك" لمسك الماء وحبسه، تمنعه من الذهاب عبثاٌ. كاًن تمنعه من إن ينصب في البحر.

ويقال للسد "عرمن" في العربيات الجنوبية، أي "العرم". فلفظة "العرم" تعني السد عند اليمانين القدماء، ولم تكن علماً على سد معين. أعني سد مأرب. وقد وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى: )فأرسلنا عليهم سيل العرم(.

وفي هذه الآية اشارة إلى حادث انفجار سد مأرب كما يذهب إلى ذلك المفسرون. وتولت الحكومات في اليمن إنشاء السدود وحفر القنوات والسواقي، وأنفقت على الأعمال من أموالها، وقدّمت المواد الغذائية وبعض الأجور إلى العمال. وكانت تطلب إلى سادات القبائل والقرى تقديم الرجال للعمل وتقوم هي بإعاشتهم طوال أيام عملهم، كالذي ورد في نص "أبرهة" عامل الحبشة على اليمن، فقد كان يقدم الطعام إلى العمال لقاء اشتغالهم ببناء السد. وقد ذكر مقدار ما قدّمه وما صرفه عليهم من طحين وبرّ وتمر ولحم وقد يشغل العمال سخرة، فلا تدفع الحكومة أو سيد القبيلة أو الموضع اليهم شيئاً. وقد كانت السخرة شائعة في ذلك العهد، لا في اليمن حسب، بل في العالم القديم كله، فيسخر العمال بتكسير الحجارة واقتلاعها من المحاجر ونقلها إلى الأماكن التي يراد إقامة السدود أو منشآت البناء فيها أو غير ذلك، ثم بإصلاحها وببقية أعمال البناء اللازمة، إلى أن تنجز، وعندئذ يسمح لهم بالانصراف إلى حيث يشاؤون.

وفي الحالات الاضطرارية يحشر الناس حشراً، كما في الفيضانات المفاجئة التي تنشأ عن السيول. فتحشر الحكومة ورؤساء المدن والعشائر كل من يجدونه أمامهم للعمل على إنشاء الحواجز والسدود وفتح المجاري لمرور المياه لانقاذ الأرواح والأموال من الكوارث والأضرار.

وقد تتولى المعابد هذه الأعمال، فتصرف عليها من واردها، تعدّ ذلك هبة أو ديناً تتقاضاه من أصحاب الأرض ومن المستأجربن في المدن والقرى، كما يتولاها أيضاً رؤساء القبائل، بأن يكلفوا القبيلة القيام بذلك العمل، مقابل تعهدهم بتقديم الطعام للمشتغلين به، وقد يكلفونهم ذلك سخرة مستخدمين حق القوة التي يتمتعون بها إن كانوا رؤساء أقوياء.

وفي كتب أهل اللغة والأخبار تعابير عديدة عن سيل السيول، وأثرها في الأرض وجرفها التربة وما عليها، وتفتيتها أشفار الأودية والأماكن التي تنْحدر منها وكيفية قلعها الأشجار والصخور. يظهر منها كلها إن أثر السيول كان شديداً مؤذياً، وهو ما زال على أذاه إلى هذا اليوم.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق