إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1598 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع والتسعون الثروة الحيوانية


1598

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل الرابع والتسعون

الثروة الحيوانية

والحيوان ثروة مهمة وخاصة لتلك البلاد الفقيرة التي لا تملك صناعة، والتي تكون مواردها الطبيعية محدودة. فتعوض عن الصناعة بتربية الحيوان وبالزراعة إن توفر الماء. والإبل مصدر ثروة عظيمة في الجاهلية، لاستفادتهم منها في أمور كثيرة عديدة. وبعدد الإبل تقاس الثروات. والإبل المال عند العرب، وأساس التعامل بينهم. قال بعض العلماء: "المال في الأصل، ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان. وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل، لأنها كانت أكثر أموالهم". وفي الحديث نهي عن اضاعة المال. قيل أراد به الحيوان، أي يحسن إليه ولا يهمل.

ويطلق العرب على الإبل والبقر والشاء "النعم"، وزاد بعض علماء اللغة المعز والضأن. وذكر بعض آخر، إن النعم، إنما خصت باًلإبل، لكونها عندهم أعظم نعمة. وقيل إن العرب إذا أفردت النعم، لم يريدوا بها إلا الإبل، فإذا قالوا الأنعام: أرادوا بها الإبل والبقر والغنم.

ويراد ب "الماشية"، الإبل والغنم، وقيل الإبل وابقر والغنم، وقال بعض العلماء، وأكثرما يستعمل في الغنم، وقيل: كل مالّ يكون سائمة للنسل والقنية من إبل وشاء وبقر، فهي ماشية وأصل المشاء النماء والكثرة. ومشت الماشية مشاءً كثرت أولادها.

و "الشاة"، الواحدة من الغنم، تكون للذكر والأنثى، أو يكون من الضأن، والمعز، والظباء، والبقر، والنعام، وحمر الوحش. وفي الحديث ": فأمر لها بشياه غنم، انما أضافها إلى الغنم، لأن العرب تسمي البقرة الوحشة شاة، فميزها بالاضافة لذلك، وشاء، وشياه، وشواه، وأشاوه، وشويّ، وشيه، في حالة الجمع.

و "السوام"و "السائمة"، الإبل الراعية، وقيل كل ما رعى من المال في الفلوات، إذا خلى وسومه يرعى حيث شاء. والسائم الذاهب إلى وجهه حيث شاء، يقال سامت السائمة، وأسأمها هو، أي أرعاها أو أخرجها إلى الرعيّ. وذ كَر إن السوام والسائمة كل إبل ترسل ترعى ولا تعلف في الأصل. وسوّم الخيل، أرسلها إلى المرعى، ترعى حيث شاءت.

والجمل هو الحيوان الوحيد الذي رضي بمرافقة الأعراب وبمشاطرتهم حياتهم في البوادي. ألفهم وعاشرهم وشاركهم في مسرّ اتهم وفي أحزانهم، صابراً راضياً، حملهم ويحمل أثقالهم، لا يسألهم على ذلك أجراً، وهو مع ذلك طعامهم إذا جاعوا، اًو شعروا انه قد مرض مرضاً لا يرجى شفاؤه،أو انه قد كبر وأسن، فصار لا يصلح للعمل، ومن وبره صنعوا خيامهم. وهو قنوع يقنع بالقليل ولا يطالب بالكثير. ويصبر على العطش والجوع، لا يباريه في هذا الصبر أي حيوان من الحيوانات التي ألفت الإنسان وقاسمته حياته، إذا اخضرت الأرض، وجد طعامه هبة، لا يكلف مالكه شيئاً عن اقتضامه له، وإذا يبست الأرض، قنع بالتهام اليابس، وبتناول العوسج ونباتات البر، التي يكون عمرها أطول من عمر الكلأ، وإذا بَعُدَ الماء صبر على العطش حتى يجده،لا يلح على صاحبه بوجوب تقديم الما، له، كما تفعل الخيل والحمير والبغال.

وتعد" لحوم الإبل من اللحوم اللذيذة الطيبة عند العرب. وتنحر عند قدوم شخصية كبيرة تقديراً لها، وتنحر تقرباً إلى الأصنام وفي المناسبات الدينية وتعقر القبور إكرامأ لصاحب القبر، ويبيع الجزّارون لحومها وسائر اللحوم الأخرى. ونظراً إلى أهمية الإبل باًلنسبة إلى حياة الأعراب، ولغلاء ثمنها، ولعدم تمكنهم من شراء عدد كثير منها، إلا بالنسبة للموسر منهم، اقتصدوا في ذبحها، إلا لعلة قاتلة ومرض مهلك، لأنها أصول أموالهم، فهم يريدون إكثارها، وفي اكثارها اكثار لأموالهم، ولا سيما في إكثار الإبل النجيبة التي لا توازى عندهم بثمن، والتي تعد مقياس الثراء والجاه والغنى عند العرب.

وإذا مات فصيل الناقة أو ذبح، سلخ برأسه وقوائمه ثم حشي جلده تبناً لتزأمه أمه وتشم رائحته، فتدر عليه ولا ينقطع لبنها، فتحلب. ويقال للجلد المحشو بالتبن "أاِبو".

و "الأشراط"الإبل أو الغنم تعزل للبيع. و "الشريطة"، الجماعة المعزولة منها، المعدّة للبيع.

والجمل،هو الحيوان الوحيد الذي لم يجد الأعرابي في تربيته بأسأَ ولا غضاضة، ولا حطة لقدر ومنزلة. فاجتناه وتباهى به وافتخر، وجعله مقياس ثرائه وماله، وأعزشيء عنده في حياته، وما الذي يملكه الأعراب في دنياه غير هذا الجمل ! أما البقر والغنم والحمير واابغال، فهي دون الجمل في المكانة والمنزلة عنده، فترفّع لذلك عن تربينها، واعتبر تربيتها وخدمتها وبيعها عملاً من أعمال "النبط"والخدم والعبيد والأعاجم.وكيف يقبل أن ينظف تلك الحيوانات وأن يجمع روثها، ويتحمل سقوط أبوالها عليه، وأن يشم رائحة أرواثها وبولها، وهي حوله أو في بيته، والروث قذارة. وكيف يرضى أن يحشها وأن يقدم لها العلف والقت، ثم تروّث له. جاء في المثل: أحشك وتروثني?.

والجمل قليل الكلفة، لا يكلف أكله صاحبه كثيراً، يعيش على ما تنبته الأرض، وعلى ما يجده على وجهها من يابس النبات، ومن عوسج ونبات ذي شوك، ومن نباتات أخرى تتبطر عليها بقية الماشية. وهو لا يطلب من صاحبه علفاً غالياً، أو متنوعاً، كما تفعل بقية الماشية، مثل البقر والخيل والغنم والحمير، مع إنها ليست في صبر الجمل ولا في قدرته على تحمل المشقات وحمل الأثقال إلى مسافات طويلة في البوادي، وفي الرمال التي تفزع منها بقية الماشية، وتهلك إن اجبرت على للسير بها.

والإبل من حيث الأصالة والعرق أجناس وأصناف، فيها الإبل الأصيلة التي يفتخر أصحابها بها، ويظنون على غيرهم بها، ولا يعطون منها لأحد، وفيها الإبل الرخيصة، من الصنف الواطيء المعدود للبيع، لخساسة جنسه، ولعدم نجابته. وكان الملوك وسادات القبائل يجنون الأصيل من الإبل، فكان "النعمان ابن المننر"، وهو من أصحاب الهوايات في حيازة النادر من الأشياء، يمتلك الإبل الجيدة، ومنها إبل عرفت ب "عصافير النعمان". وقد أمر للنابغة بمائة ناقة من عصافيره بريشها وحسام وآنية من فضة، أعطاها بريشها ليعلم أنها من عطايا الملوك. وكانت للملك "المنذر"ملك الحيرة إبل نجائب منهن إبل عرفت ب "عصافير المنذر".

ومن الابل الجيدة الشهيرة، النجائب القطريات. نسبت إلى قطر وما والاها من البر. و "المهرية"، وقد نالت حظاً واسعاً من الشهرة حتى زعم أنها من إبل الجن. وقد اشتهرت "جرش"، باليمن بإبلها. فقيل "ناقة جرشية" وبعير جرشي، . والأرحبيات من نجائب الإبل الكريمة، منسوبة إلى بني أرحب من همدان، والصدفية، و الجرمية، والداعرية.

وكانوا لا يبيعون الإبل النجيبة، إلا عن اضطرار. ويسمونها "الحرائز". ذكر عماء اللغة إن الحرائز من الإبل التي لا تباع نفاسة. ومنه المثل: لا حريز من بيع، أي إن أعطيتني ثمنأَ أرضاه لم أمتنع من بيعه. والحرزة خيار المال، لأن صاحبها يحرزها ويصونها، ومنه الحديث في الزكاة: لا تأخذوا من حرزات أموال الناس شيئاً، أي من خيارها.

وللعرب مصطلحات يقولونها في الإبل إذا كثر عددها. منها "الهجمة" القطعة الضخمة منها، قيل: أولها أربعون إلى ما زادت، و "الهنيدة"، المائة فقط، وقيل: هي ما بين الثلاثين والمائة، أو ما بين السبعين والمائة، أو ما بين السبعين إلى دوينها، أو هي ما بين التسعين إلى المائة. وقال بعض علماء اللغة: إذا بلغت الإبل ستين، فهي "عجرمة"، ثم هي "هجمة"حى تبلغ المائة. وتطلق لفظة "الكور"على الجماعة الكثيرة من الإبل.

والعارض الناقة المريضة أو الكسير، وهي التي أصابها كسر أو آفة، وكانوا ينحرون ا لعوارض،ومن عادتهم انهم لا ينحرون الإبل إلا من داء يصيبها،وتقول العرب للرجل إذا قدم اليهم لحماً أعبيط أم عارضة. فالعبيط الذي ينحر من غير علة. والعرب تعير من يأكل العوارض، ومن ينحر الإبل المريضة للضيوف.

ويقال للابل وللبقر "العوامل"، ويظهر أن ذلك بسبب تشغيل أهل القرى لها في كثير من الأعمال في مثل الحمل وسحب الماء من الابار والحراثة وأمثال ذلك من أعمال. وأطلقت اللفظة على بقر الحراثة والدياسة. وفي حديث الزكاة: ليس في العوامل شيء... العوامل من البقر،هي التي يستقى عليها ويحرث وتستعمل في الأشغال.

وذكر "الهمداني"أن بالعربية الجنوبية من البقر الجندية والخديرية والجبلانية، وهي قوية. وقد استخدم أهل العربية الجنوبية البقر في الحراثة، وكذلك غيرهم في معظم أنحاء جزيرة العرب.

والخيل جماعة الأفراس. و "الفرس" للذكر والأنى، ولا يقال للانثى فرسة. و "الحصان"الفرس الذكر، أو هو الكريم المضنون بمائه، حتى سموا كل ذكر من الخيل حصاناً. و "الحجر"، الأنثى من الخيل. و "الطحون"الكتيبة من الخيل.

لم تكن الخيل كثيرة في الحجاز عند ظهور الإسلام. ففي معركة "بدر"لم يكن مع المسلمين سوى فرسين، فرس للمقداد بن عمرو، وفرس لمرثد بن أبي مرثد، ولم يكن مع قريش سوى مائة فرس. فقد كانت غالية الثمن، وتكاليفها عالية، فعسر عاى من لا مال له شراؤها والانفاق عليها. وقد ورد في.بعض الروايات أن "المقداد بن عمرو"، كان فارس يوم بدر، حتى انه لم يثبت انه كان فيها عاى فرس غيره. وكان اسم فرسه "سبحة".

والأخدرية من الخيل منسوبة ائ "أخدر"فحل أفلت فتوحش، ذكر أهل ا الأخبار انه كان لسليمان، أو لأزدشير "أردشير". وهناك حمر عرفت بالأخدرية كذلك، ذكروا إنها منسوبة إليه أيضاً. والخدري، الحمار الأسود، والأخدري وحشيه، ويقال للاخدرية م ن الحصر بنات الأخدر.

والأغنام عند الحضر وأشباههم،يربونها للاستفادة من لحومها وألبانها وأصوافها، ولحاجتها إلى الماء والكلا والعلف بصورة دائمة، صارت من ماشية أهل الحضر والمراعي. وهي مصدر ثروة لأصحابها، تصدًّر إلى أسواق العراق وبلاد الشام لبيعها هناك. ومن أنواعها المشهورة: الكباش العوسية. والعوس، ضرب من الكباش البيض، ويكون صوفها أبيض، وهو مرغوب مطلوب.

و "المعز"خلاف الضأن من الغنم، والمعز ذوات الشعور، والضأن ذوات الصوف، و "الماعز"واحد المعز. ويستفاد من لحوم المعز ومن ألبانها وشعرها. وكان أعراب بادية الشام الساكنين على مقربة من فلسطين، يتخذون بيوتهم من شعر الماعز، كما تتخذ البسط والسجاجيد منها. و "العنز"الأنثى من المعز. ويكثر وجود المعز البري فيَ جبال السراة وفي المناطق الصخرية،حيث يعيش على الأشجار و الاعشاب البرية. ويربي الرعاة المعز، حيث يأخذون قطعانها الى المواضع المعشبة القريبة من الماء لترعى هناك، وتربى بصورة خاصة فيَ الأرضبن الجبلية والمتوجة، حيث يتسلق المعز المرتفعات، فيأكل ما يجده أمامه من شجر و حشائش.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق