إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 يناير 2016

1597 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث والتسعون المراعي الرعاة والحضارة


1597

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
      
الفصل الثالث والتسعون

المراعي

الرعاة والحضارة

وقد حدث في الجاهلية ما يحدث اليوم: يتنقل الأعراب بمواشيهم وبيوتهم وكل ما يملكون من باطن جزيرة العرب في الجفاف، فيتجهون نحو الشمال، نحو بلاد الشام والعراق للرعي والاكتيال. ينزلون هناك جماعات حيث يجدون الماء والكلأ، في مواضع مختلفة قد تكون بعيدة عن القرى والمدن ممعنة في البادية، وقد تكون في اًطراف القرى وبين الحضر، وقد يدخلون بين الحضر للاكتيال والامتيار وللري في مواضع العشب والكلا المحيطة بهم. وهم على هذه الحالة ما دامت بهم حاجة إلى كل أولئك، فإذا انتهت أو شح ما قصدوه انتقلوا إلى مواضع أخرى، وهكذا كانت سنةّ البدوي في الحياة.

وقد كانوا يفدون دوماً من باطن الجزيرة، فيتوغلون في بادية الشام ومنهم من كان يمعن في التوغل في تلك البادية حتى يصل أقصاها،أي أعاليها في الشمال، فيدخل الأرضين الجنوبية من "تركية"في الوقت الحلضر، وأعالي العراق وبلاد الشام. ومنهم من كان يجد له طيب العيش والمقام، في هذه المهابط والمواطن الجديدة، فيقيم بها، وقد يتحضر قوم منهم، ومن هؤلاء تولد حضر العرب في هذه الديار.

ولمّا كان في مجيء الأعراب علما هذه الصورة محاذير وأخطار على الحضر وعلى الحكومات، اضطرت الحكومات المسيطرة على العراق وبلاد الشام إلى اتخاذ وسائل الحماية المختلفة لحماية أرضها منهم، فبنت المسالح ووضعت الحرس في المواضع المشرفة على البوادي الممسكة بعنان طرقها، لمراقبة القادم والخارج ولابلاغ رجال الأمن بدنوّ الخطر، وحذرت من الأعراب، فأشرفت على حركاتهم وسكناتهم خشية انتهازها فرص الضعف، فتعبث على عادتها بالأمن. وقد أنشأ الرومان واليونان بركأَ واتخذوا صهاريج لخزن مياه الأمطار ليستفيد منها الأعراب وليجدوا فيها ما يحتاجون إليه، فلا يتوغلوا عميقاً في بلاد الشام، كما أقاموا حصوناً في أطراف البادية لمراقبة حركات الأعراب.

وهكذا أمن حكّام الشام من خطر الأعراب، بعد أن اتبعوا معهم سياسة الترضية والتهدئة للاستفادة منهم في حفظ الحدود. وأقام قسم من الأعراب في المواضع التي تتوافر فيها المياه، وزرعوا، واشتغلوا ببعض الحرف مثل غزل الأصواف ونسجها، والتوسط في التجارة بين الأعراب وسكان المدن والقرى البعيدة عن البادية من بلاد الشام، وزرع الحبوب وأشجار الزيتون والكروم. واستفادوا من هذا الحاصل الزراعي ببيعه للاعراب المحتاجين إليه.

ولا حاجة بي إلى الاشارة إلى أثر ألمراعي في حياة جزيرة العرب، وفي حياة الأعراب بصورة خاصة. فعلى المراعي تتوقف حياة الماشية عماد الثروة والمال لأهل البادية، وهي من أهم المشكلات العويصة بالنسبة اليهم وإلى الحكومات حتى الان. والأعرابي ومعه ماشيته وراء المراعي يفتش عنها في كل مكان،وينتقل إليها ليجد فيها الكلأ لماشيته. وسبب هذه المشكلة هو قلة وجود الماء في جزيرة العرب، وقلة الأمطار وانحصارها في مواسم ضيقة لا تمتد طويلاً، وانحباسها في بعض السنين، مما يسبب قصر زمن الرعي، وجفاف الكلا والتأثير في حياة الماشية بحيث تتعرض للهلاك والموت. وهذا مما يحمل القبائل على التنقل من مكان إلى مكان، فتتزاحم وتتطاحن للاستيلاء على المراعي.



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق