إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 27 يناير 2016

1548 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع والثمانون تسخير عالم الارواح


1548

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
     
الفصل الرابع والثمانون

تسخير عالم الارواح


للعالم الخفي، وأقصد به عالم الأرواح وكل ما لا تراه العين ويدركه الحس من قوى طيبة أو خبيثة، أثر خطير في عقائد أهل الجاهلية، وفي عقائد الشعوب القديمة، وفي أنفس كثير من الناس حتى اليوم، إذ يشغل ذلك العالم في الواقع جزءاً خطيراً من الدين ومن حياة الناس عامة.. فهناك صلوات وشعائر وأدعية مكتوبة وغير مكتوبة تتلى وتقال وتقرأ للسيطرة على ذلك العالم، وللانتفاع منه، ولتسخيره في سبيل خير الإنسان ومصلحته، ولتجنب أذى النوع الخبيث منه. واذا تأملنا هذه الاعتقادات، عند الجاهليين، وجدنا انها قد كونت الجزء الأكبر من عقيدتهم وديانتهم، وانها والذبائح من الأصول التي ارتكزت عليها ديانات العرب قبل الإسلام.

والواقع ان الاعتقاد بالأرواح يشغل جزّءاً كبيراً من فناء الدين عند الجاهليين، وإن بدا لنا انه شيء لا علاقة له بالدين. فنحن حين البحث في موضوع العقيدة والدين عند أهل الجاهلية، لا نتحدث بالطبع عن العقيدة والدين بالنسبة إلى معتقداتنا وبالنسبة الى تفكير الإنسان في القرن العشرين، وانما نتحدث عن رأي أناس عاشوا قبل الإسلام، وعن جماعة أدركت الإسلام: كانت الأرواح في نظرها أكثر اثراً في حياة الفرد من أثر الالهة فيه. فتقرب وتوسل اليها أكثر من تقربه وتوسله إلى الهته التي كان يرى ان بيدها مفتاح سعادته وشقائه. وآية ذلك كثرة الكلمات والمصطلحات الجاهلية المتعلقة بها، وما ورد في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي والأخبار من أثر الجن في نفوس القوم، حتى تصوروهم آلهة وشركاء للأرباب في ادارة دفة هذا الكون.

هذا، ونحن إن ذكرنا الأرواح، فإننا لا نقصد المعنى المفهوم منها في رأينا، بل نقصد هذا المعنى وشيئاً آخر أعم وأوسع منه،معنى يشمل ايضاً بعض الأحجار والأشجار والآبار والكهوف وأمثال ذلك من أشياء تصور أهل الجاهلية أنها تكمن فيها قوة خارقة تستطيع التأثير في حياة الناس، فتقربوا اليها بالزيارات والقرابين وبالتضرع والتوسل والأدعية لقدسيتها ولتلك القدرة العجيبة التي فيها، فهي من حيث النفع أو الضرر كالأرواح: لوجود قوى خارقة غير منظورة فيها، هي من الأرواح، فتقرب اليها الإنسان لذلك، لغرض الاستفادة منها أو دفع أذاها وطبيعة الأرواح، طبيعة غير مرئية ولا منظورة، هي لطيفة خفيفة مستورة.

إنما يجوز لبعضها الظهور في صورة أشباح، والتجسم على هيأة الأجساد. ثم انها على طبيعتين: شريرة وخيرة، خبيثة وصالحة. من الطبيعة الأولى الشياطين وبعض أنواع الجن، ومن الطبيعة الثانية الملائكة والشطر الثاني من الجن. وأثر الخبيث من الأرواح أوضح وأكثر في عقلية أهل الجاهلية من أثر الفريق الصالح. وهو شيء منطقي مفهوم، فالإنسان إلى الشر أقرب منه إلى الخير، ذلك اْن من طبع الخير عدم إلحاق الأذى بالغير، فلا يخشى منه. أما الشرْير، ففي طبعه إلحاق الضرر والأذى بكل واحد، وفي كل لحظة يراها، لذلك التفتت اليه الأنظار حذراً منه، وخشية من مكره، وتقرّبت وتوددت اليه، لا حباً، ولا تقرباً اليه لأنه جدير به، بل انما تملّقاً وتزلفاً لإبعاد شره، وأمن جانبه على نمط ما يفعله الناس تجاه الأقوياء من الأشرار حيث يتقربو ن اليهم أو يبتعدون عنهم طمعاً ورهبة تمشية لأمور معاشهم، لا حباً لهم واخلاصاًَ لاستحقاقهم ذلك الحب والاخلاص.

وقد ذكر "الجاحظ" ان الأعراب تجعل الخوافي والمستجنّات جنسين يقولون جن " وحن". وقصد ب "الخوافي" الأرواح.، لأنها لا ترى. وذكر غيره ان "الحن"، حي من الجن، كانوا قبل آدم، يقال منهم الكلاب السود البهم، يقال كلب حني أو سفلة الجن وضعفاؤهم او كلابهم ومنه حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، الكلاب من الحن، وهي ضعيفة الجن، فإن كان عندكم طعام فالقوا لهن، فإن لهن أنفساً، أي تصيب بأعينها". وذكر ان "الحن" خلق بين الجن والانس.

وذكر "الجاحظ" أيضاً أن بعض الناس يضم الجنّ على قسمين، فيقول: هم جنّ و "حن.".ويجعل "الجن" أضعفها. وقد ذهب بعض أهل الأخبار إلى أن "الحن"، هم كلاب الجن و سفلتهم، وشر أنواع الجن. ويجعلون الجن فوق الحن.

ويقال للجنّ الجان، و "الجنة" كذلك. و "الجان" اسم جمع للجن على رأي بعض علماء اللغة. وقد ورد في مقابل "الإنس" في القرآن الكريم، ) لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان له(، وصيره اسم أبي الجن بعض العلماء، أي في مقابل ادم أبي البشر. وقد ذهب بعض المستشرقين الى ان كلمة "الجن" من الكلمات المعربة، وذهب بعض آخر الى انها عربية. وأرى انها من الكلمات السامية القديمة، لأن الايمان بالجن من العقائد القديمة المعروفة عند قدماء الساميين وعند غير الساميين كذلك. والجن قوم مستترون، وكلمة "جنون" من هذا الأصل، ومن معاني أصل الكلمة الاستتار.

ولم يتوصل الباحثون حتى الان إلى رأي ثابت في أصل كلمة "الجن". فمنهم من رأى أنهم اسم صنم من أصنام العرب القديمة، ومنهم من رأى أنها من اصل اباه، وخرقوا له بين وبنات، و تخرصوا لله كذباً، فافتعلوا له بنين وبنات جهلا وكذبا. وورد ان الله تزوج الجن، وان الملائكة هم بناته من هذا الزواج. "قال كبار قريش: الملائكة بنات الله. فقال لهم أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم ? قالوا: بنات سراة الجن".

ويفهم من القرآن الكريم أيضاً ان من العرب من كان يعبد الجن: )قالوا: سبحانك، أنت ولينا من دونه، بل.كانوا يعبدون الجن، اكثرهم بهم مؤمنون (. وذكر "ابن الكلبي" ان "بني مليح" من خزاعة رهط طلحة الطلحات، كانوا ممن تعبد الجن من الجاهليين. ويزعمون ان الجن تتراءى لهمْ. وفيهم نزلت: )إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم(. وذكر ان قبائل من العرب عبدت الجن، أو صنفاً من الملائكة يقال لهم الجن. ويقولون هم بنات الله، فاًنزل الله.: )أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة. أيهم اقرب. و يرجون رحمته و يخافون عذابه. إن عذاب ربك كان محذوراً(. وليس لدى المفسرين أو أهل الأخبار علم واضح عن كيفية اعتقاد بعض العرب بألوهية الجن وبمصاهرتها للالهة أو الإلَه. وما ورد عن ذلك في القرآن، مجمل. والظاهر أن ذاكرة الأخباريين لم تتمكن من حفظ تفاصيل هذه العقيدة والعقائد المماثلة الأخرى، ولا بد وأن تكون لها اسطورة قديمة، يظهر أنها ماتت قبل الإسلام، أو أن المسلمين تركوا روايتها لمعارضتها للاسلام ولأنها كانت في نظرهم خرافة تتعلق باًصنام، فلم يروا الاهتمام بها، وتركوها، ولولا ورود ذكرها مقتضباً في القرآن، فلربما صرنا في جهل تام باًمر تلك العبادة.

ويرى "نولدكه" أن الجاهليين لم يتعبدوا للجن، ولم يتخذوها آلهة على نحو ما نفهم من معنىْ الآلهة، وأن "عبد الجن"، وإن دل على التعبد للجن إلا ان هذه التسمية لا تدل حتماً على عبادة للجن.

وتتألف الجن من عشائر وقبائل، تربط بينها رابطة القربى وصلة الرحم. وهي كعشائر وقبائل جزيرة للعرب، تتقابل فيما بينها، ويغزو بعضها بعضاً. ولها أسماء ذكر بعضاً منها أهل الأخبار، كما أن لها ملوكاً وحكاماً وسادات قبائل. فهي في حياتهْا تحيا على شكل نظام حياة الجاهليين. واذا اعتدى معتد على جان انتقمت قبيلته كلها من المعتدي أو المعتدين. وبين قبائل الجن عصبية شديدة، كعصبية القبيلة عند الجاهليين، وهي تراعي حرمة الجوار، وتحفظ الذمم والعقود وتعقد الأحلاف. فنحن إذن أمام حياة.جاهلية مستترة غير منظورة، هي حياة جن جاهلبين، ومن الجن "بنو غزوان" "بنو عزوان".

وقد تتقاتل طوائف من الجن، فيثير قتالها عواصف الغبار، ولذلك فسر الجاهليون حدوث العواصف وللزوابع بفعل الجن. ونجد هذه الفكرة فكرة إحداث الجن للرياح والعواصف في المزامير من أسفار التوراه.

وهم مثل البشر، فيهم الحضر، أهل القرار، وفيهم المتنقلة وهم أعراب الجن، وفيهم من يسير بالنهار، وفيهم من يسير بالليل، وهم "سراة الجن"، و "السراهّ". قال الشاعر: اتوا ناري فقلت منون قـالـوا:  سراة الجن، قلت: عموا ظلاماْ

وللجن كما للانس سادة ورؤساء وعظماء، نذكر منهم: الشنقناق والشيصبان.

وقد ذكر الأول في شعر "بشار بن برد" وفي شعر لأبي النجم، وفي شعر حسان بت ثابت. و "دحرش" أبو.قبيلة من الجن.

وعقد الجاهليون أحلافاً مع الجن على التعاون والتعاضد، فقد ذكر ان قوماً من العرب، كانوا قد تحالفوا مع قوم من الجن من "بني مالك بن أقيش". ويذكر الرواة قصصاً عن الجن مع الإنسان. يذكرون أن "تأبط شراً" رفع كبشا تحت إبطه، وأخذه معه إلى الحي، فصار يبول عليه في الطريق، حتى إذا قرب من مكانه، ثقل عليه، فرمى به، فإذا هو الغول. ويذكرون أن ابن امرأة من الجن أراد الحج في الجاهلية، فخافت عليه أمه من سفهاء قريش، ولكنه ألحّ عليها بان تسمح له بالذهاب. فلما أكمل الطواف، وصار ببعض دور بني سهم، عرض له شاب منهم فقتله، فثارت غبرة شديدة بمكة، ومات من بني سهم خلق كثير قتلهم الجنّ انتقاماً منهم لمقتل الجان، فنهضت بنو سهم وحلفاؤها ومواليها وعبيدها، فتركوا الجبال والشعاب بالثنيّة، فما تركوا حيّة ولا عقرباً ولا عظاية ولا خنفساء ولا شيئاً من الهوام يدب على وجه الأرض إلا قتلوه، حتى ضجت الجن، فصاح صائحهم من على أبي قبيس يطلب وساطة قريش بينهم وبين بني سهم الذين قتلوا منهم أضعاف ما قتله الجن من بني سهم، فتوسطت قريش، وانهي النزاع، وتغلب بنو سهم على الجن.

والجن مثل البشر، يعتدون كذلك، ولا يردعهم من اعتدائهم إلا القوة.

هذا رجل من "بني سهم" يقص علينا في الإسلام انه كان ب "تبالة" يراجع نخلاً له، وبين يديه جارية له، فصرعت، فادرك ان الجن هم الذين صرعوها، فوقف عليها قائلاً: يا معشر الجن ! أنا رجل من بني سهم،وقد علمتم ما كان بيننا وبينكم في الجاهلية من الحرب وما صرنا اليه من الصلح والعهد والميثاق ان لا يغدر بعضنا ببعض، ولا يعود إلى مكروه صاحبه، فإن وفيتم وفينا، وإن غدرتم عدنا إلى ما تعرفون. فخافت الجن من هذا التهديد، وأفاقت الجارية، ولم يصبها بعد ذلك مكروه. وذهب الجاهليون إلى جواز قتل الجن للانسان. وقد بقى هذا الاعتقاد في الإسلام. فلما قتل "سعد بن عبادة بن دليم"، زعم ان الجن قتلته. ولما قتل المغني المعروف "الغريض"، وهو من الموالي، وكان نشأ خياطاً ثم أخذ الغناء بمكة. عن "ابن سريج"،زعم أن الجن نهته أن يغني لحنه الذي يقول فيه: تشرب لون الرازقـي بـياضـه  أو الزعفران خالط المسك رادعه

فلما لم ينته قتلته الجن في ذلك خنقاً وزعم أن الجن خنقت "حرب بن أمية"، وقالت الجن في ذلك شعراً.

وقتلت "مرداس بن أبي عامر"، أبا "عباس بن مرداس"، واستهوت "سنان بن حارثة"، ليستفخلوه، فمات فيهم. واستهووا "طالب بن أبي طالب"، فلم يعثر أهله له على أثر، واستهووا "عمرو بن عدي" اللَّخمي الملك، ثم ردّ وه على خاله "جذيمة بن الأبرش"، بعد سنين وسنين. واستهووا "عمارة ابن الوليد بن المغيرة"، ونفخوا في أحليله، فصار مع الوحش.

ويروي أهل الأخبار ان الجن تتصادق مع الإنسان وتتّباغض معه، وقد تقتله، ورووا في ذلك قصصاً، وذكروا أنها قد تتألم لوفاة رجل طيب أو شهير مجوب. وقد تعطف على المحتاجين والمعوزين. وفي جملة ما قالوه عن الجن ان "أبا هالة" كان قد خرج في الجاهلية في عير لقريش يريد الشام، فنزل وادياً يقال له: "عز"، وانتبه آخر الليل فاذَا شيخ قائم على صخرة، وهو ينشد شعراً في رثاء عبد الله بنُ جدعان، وكان ذلك الشيخ جان من الجن. وقد ذكر أهل الأخبار محاورة من الشعر قالوا انها جرت بين "أبي هالة"، وبين ذلك الشيخ الجني الذي عين وقت وفاة عبد الله بن جدعان وثبته بالضبط فكان كما قال.

وقد يقع الحب بين الجن والإنس. فقد ذكر ان الجنية قّد تتيع الرجل تحبه، ويقال لها: تابعة. ومن ذلك قولهم معه تابعة، أي من الجن. والتابعة جنية تتبع الإنسان كما يكون للمرأة تابع من الجن، يتبع المرأة يحبها. وقد يعشقّ الجني امرأة ويتصادق معها. هذا "منظور" الجني، عشق امرأة اسمها "حبةّ"، وتصادق معها، فكانت "جمة" تتطبب بما يعلمها منظور.

وقد يسرق الجن الأطفال والرجال والنساء، وللاخباربين قصص يروونه في ذلك. وينسب فقدان الأشخاص في البوادي إلى الجن في الغالب. غير انها قد تنفع الناس أيضاً، لأن من الجن من هو طيب النفس، مفيد ناقع، ولاسيما اذا تقرب اليها الإنسان وأحسن اليها. رأى الشاعر عبيد بن الأبرص حية،فسقاها.

فلما ضل جمل له وتاه، نادى هاتف بصوت مسموع سمعه عبيد بن الأبرص مشيراً إلى الموضع الذي ذهب الجمل اليه. فذهب عبيد إلى المكان،وجاء بجمله. وكان هذا الهاتف هو صوت الحية التي هي جان من الجن.

وقد يتصاهر الإنسان مع الجن، فقْد كان لعمرو بن يربوع بن حنظلة التميمي زوج من الجن: ولكنها لم تبق معه، بل اختفت بعد ذلك عند ظهور البرقْ. ونسبت بعض الأسر والقبائل مثل "بني مالك"، و "بني شيصيان"، و"بني يربوع بن حنظلة" وعرفوا ببني السعلاة إلى الجن. ونسب بعض الأخباريين نسب بلقيس وذي القرنين إلى الجن. وذكر أيضا أن زوج "عمرو بن يربوع التميمي" كانت سعلاة، اقامت مع زوجها في "بني تميم": فلما رأت برقاً يلمع من شق بلاد السعالى، حنت وطارت اليهم، فقال شاعرهم: رأى برقاً فأوضع فوق.بكر  فلا بك ما أسأل وما أغاما

وفي ذلك قال "علباء بن أرقم".: يا قاتل الله بني الـسـعـلاة  عمرو بن يربوع شرار الناتِ

وقد تعرض "الجاحظ" لموضوع زواج الانس بالجن وبالعكس، أي زواج الجن يالانس. وتعرض لقول من قال إن "بلقيس" كانت من امرأة جنيّة. وذكر آراء الناس في هذا الزواج المختلط، الذي شك في امكان انجاب نسل منه. وقال: "وقد يكون هذا الذي نسمعه من اليمانية والقحطانية، ونقرؤه في كتب السيرة، قص به القصاص، وسمروا به عند الملوك. وقد كان لأهل اليمن قصص وأساطير، بدليل ما نلاحظه من أن معظم رواة القصص القديم كانوا من أهل اليمن في صدر الإسلام. ويظهر أنهم حذقوا به وتفوقوا به على بقية العرب الذين نسميهم العدنانيين بسبب دخول كثير منهم في اليهودية وفي النصرانية وشرائهم الكتب،وفيها قصص من قصص أهل الكتاب والأساطير القديمة، فمزجوه مع ما كان لهم من قصص وثني قديم.

وقد أطلق "الجاحظ" على قول الناس بزواج الانس بالجن وبالعكس "الزواج المركب"، وأشار إلى قول الشاعر علباء بن أرقم: يا قاتَلَ اللهُ بني السـعـلاة  عمراً وقابوسا شرار النات

انه الدليل على ان السعلاة تلد الناس. هذا سوى ما قالوا في الشق وواق واق ودوال باي وفي الناس والنسناس.

وذكر أيضاً ان أعراب بني مرة تزعم ان الجن استهوت سناناً بن أبي حارثة المري، وهو والد هرم بن سنان، لتستفحله إذ كان منجباً، وكان سنان قد هام على وجهه.

وقد وجه الإنسان جميع مواهبه منذ أقدم ايامه لتسخير عالم الأرواح، وجعله في خدمته وتحت تصرفه، أو لتحويله بحسب رغباته، وتجنب ضرره وأذاه. قام بذلك رجال الدين خاصة، ورجال الدين بحكم اتصالهم بالآلهة وبالعالم غير المنظور، هم خلفاء الالهة على وجه الأرض، وألسنة الأرواح الناطقة بين الناس. فكانوا. حكاماً ورجال دين وسحرة وأطباء وعلماء، كما قام بذلك المنجمون والسحرة والكهان وغيرهم ممن تكهن وتحدث عن الغيب، وأظهر ان في قدرته التأثير على حياة الإنسان ونفعه وضره بالاستعانة بعالم الأرواح وبما عنده من قدرات خارقة في امكانها اختراق حجب الأسرار والتحكم في العالم الخفي لتحويله إلى صالح انسان أو الى الاضرار به.

وليس الجاهليون بدعاً في هذه الأمور،بل كان غيرهم من الشعوب كالعبرانيين والبابليين والاغريق والرومان والمصريين والهنود وكل الشعوب الأخرى تعتقد بذلك. ولها رجال ادعوا العلم.

وقد كان الجاهليون يعلقون الحلي والجلاجل على "اللديغ"، يفعلون ذلك لاعتقادهم انه يفيق بذلك، فلا ينام. ولو نام، سرى السم في جسمه، فمات. وذهب بعضهم إلى ان تعليق الحلي على اللديغ يبرئه من ألمه. أما إذا علق الرصاص عليه، أو حلي به، فانه يموت.

وتقوم الجن بأعمالها بشكل غير منظور في الغالب، لانها أرواح. وهي قد تحذر الإنسان أو ترشد إلى شيء يريده بصوت جهوري مسموع، يقال له: الهاتف، دون أن يرى الشخص أو الأشخاص صاحب ذلك الصوت. وهي تنبىء عن المستقبل كما تتحدث عن الماضي. وقد ذكر "الجاحظ" أن الأعراب وأشباه الأعراب لا يتحاشون من الإيمان بالهاتف، بل يتعجبون ممن ردّ ذلك. ثم قال: "قالوا:ولنقل الجن الأخبار علمَ الناس بوفاة الملوك، والأمور المهمة، كما تسامعوا بموت المنصور بالبصرة وفي اليوم الذي توفي فيه بقرب مكة. وهذا الباب أيضاً كثير.

والجن وان كانت من الأرواح، أي أنها غير منظورة، إلاّ أن في استطاعتها أن تتجسم متى شاءت. فتظهر على هيئة جسم من الأجسام. إذ أن للجن قدرة على التشكل بالشكل الذي تريده، تظهر في مورة حيوان أو في صورة إنسان أو غير ذلك. ومن هنا نجد قصص مصاهرة الإنسان للجن، وظهور نسل وأسر من هذا الزواج. وفي استطاعتها أيضاً تغيير الشكل الذي ظهرت به بشكل آخر حيث تشاء. كما ورد ذلك في قصة الشاعر "تأبط شراً" والكبش الذي حمله، بينما هو جني. ومن هنا تختلف طبيعتها عن طبيعة ألبشر والحيوان.

وقد تمثل الجن في صور حيوانات مشعرة، أي ذات شعر كثيف. فالجن عند الشعوب السامية ذات شعر كثيف، لذلك قيل لها "سعريم" "Sa'irim" في العبرانية. وهي تختار الأماكن الموحشة المقفرة في الظلام، مثل رهبان اليل "ليليت" "Lilith"، وتذهب مع الحيوانات ااتي تنفر من الإنسان مثل النعامة. وفي الأساطير الجاهلية ان البقر اذا أوردت "فلم ترد، ضربوا الثور ليقتحم الماء، فتقتحم البقر بعده، ويقولون إن الجن تصدّ البقر عن الماء، وان الشيطان يركب قرني الثور. وقد ذكرت هذه الأسطورة في أشعار جاهلية، يظهر من نقدها ودراستها انها من آثار العقائد الجاهلية في الجن. وقد اتخذت مثلاً لمن ينزل عليه مكروه في سبيل إخافة غيره، فيكون بذلك كبش الفداء. واعتقادهم ان الشيطان يريكب قرني الثور، هو الذي جعلهم يتصورون ان الثور يتقدم البقر في شرب الماء ذلك لأن الشيطان ركب قرنيه، فلا يخشى الثور اذن من الجن، والشيطان أخبث أنواع الجن وأذكاها. فتخافه الجن، وتفسح المجال للبقر في ورود الماء. أما ضرب الثور لتوجيهه إلى الماء، فلاجل ان الشيطان ركب قرنية، فبضربه وبتقدمه يتقدم الشيطان نحو الماء فتخافه الجن وتفزع منه، وتسمح للبقر بورود الماء، ولهذا ضرب، ليستفيد بذلك غيره.

وأهم مواطن الجن في نظر الجاهليين، هي المواضع الموحشة، والأماكن المقفرة التي لا تطرق إلا نادراً والمحلات التي لا.تلائم الصحة، والمقابر والاماكن المظلمة والمهجورة. ففي مثل هذه المواطن تنزل الجن، وتفضل الاقامة بها، وسبب ذلك، هو أن الإنسان يخشى هذه المواضع، ويحس بشيء من الخوف والوحشة من الدخول اليها، فقد يتعرض فيها إلى التهلكة، فاوحى هذا الاحساس اليه أنها "مسكونة"، وأن سكانها هم الجن. وأنهم قد يتعرضون له بسوء إن لم يعرف كيف،يسلك سلوكاً طيباً معها،ولذلك صار يتحاشى ولوج هذه المواضع، لا سيما في الليالي المظلمة، واذا دخلها مضطراً، تخيل الأشباح والأرواح وهي تلعب به كيف تشاء، وتحوم حوله. ومن هنا ظهر عنصر القصص المروي عن مواطن الجن.

وسكنت الجن المواضع المظلمة والفجوات العميقة فيها وباطن الأرض، ولذلك قيل لها: ساكنو الأرض. كما سكنت المقابر. والمقابر هي من المواضع الرئيسية المهمة المأهولة بالجن، ولذلك يخشى كثير من الناس ارتيادها ليلاٌ. وهي لا بد أن تكون على هذه الصفة، فهي مواطن الموتى، وأرواح الموتى تطوف على القبور، والموت نفسه شيء مخيف، والجن أنفسها أرواح مخيفة، فهل يوجد موضع أنسب من هذا الوضع لسكن الجن ? وتزعم الأعراب أن الجن سكنت "وبار". وحمتها من كل من أرادها ؛ وهي بلاد من أخصب بلاد العرب، وأكثرها شجراً، وأطيبها ثمراً واكثرها حباً وعنباً. فإن دنا إنسان من تلك البلاد متعمداً أو غالطاً، حثوا في وجهه التراب. فإن أبى الرجوع خبلوه، وربما قتلوه. فليس في تلك البلاد إلا الجن، والإبل الحوشية.

وقد زعم ان "يبرين" من مواطن الجن. وكانت في الأصل مواضع عاد. فلما هلكت، سكنتها قبائل الجن. وقد روى أهل الأخبار قصصاً عنها وعن اتصالها بالانسان. وزعم بعض منهم ان "النسناس"، هم قوم من الجن.

وقد ورد مثل هذه الاقوال عن مواضع أخرى كانت عامرة آهلة،ثم أقفرت، مثل الحجر موضع ديار ثمود، مما يدل على ان من اعتقادات العرب قبل الإسلام هو ان المواضع التي تصيبها الكوارث تكون بعد هلاك أصحابها مواطن للجن. وفي مثل هذه الأساطير عند العبرانيين وعند غيرهم من الشعوب.

وأشير في شعر "لبيد" إلى "جن البدي". قيل: "والبدي: البادية، أو موضع بعينه" وقيل واد لبني عامر. وأشار "النابغة" إلى "جنة البقار". وذكر ان البقار واد، أو رملهْ، أو جبل، سكنته الجن، فنسبت اليه. وأشير إلى "جنة عبقر" في شعر "زهير" و "لبيد" و "حاتم". وعبقر أرض بالبادية كثيرة الجن، وذكر بعضعهم انها باليمن، قال لبيد: ومن فاد من اخوانهم وبنيهم  كهول وشبان كجنة عبقر

وقال بعض العلماء: عبقر قرية يسكَنها الجن فيما زعموا، فكلما رأوا شيئا ًفانقاً غريباً مما يصعب عمله ويدق أو شيئاً عظيماً في نفسه نسبوه اليها. ولهذا قالوا: للعبقري للسيد الكامل من كل شيء، وللذكي الممتاز.

والمواضع المذكورة هي المواضع المفضلة المختارة لسكنى الجن. غير أن مواطن الجن غير محدودة ولا معينة، إنها تسكن كل موضع ومكان، حتى بيوت الناس لا تخلو منها، بل حتى البحار والسماء لا تخلو منها كذلك، فدولتها إذن على هذا الوصف اوسع من دولة الإنسان. وعلى من سكنت الجن بيته الا يمسها بأذى ولا يلحقها اْي سوء، وأن يقوم بترضيتها بالبخور وبما شاكل ذلك مما تحبه الجن، وإلا أساءت اليه، وجعلت بيته مؤذياً شؤماً، لا يرى من يسكن فيه أي خير.

وكان الرجل في الجاهلية إذا اطرّف داراً ذبح فيها ذبيحة، يتقي بها اذى الجن، لاعتقادهم ان في كل دار جنّا يقيمون بها فلترضيتهم وللتقرب اليهم، يذبحون ذبيحة عرفت عندهم ب "ذبائح الجن" ولا تزال عادة الناس ذبح ذبيحة عند الابتداء ببناء دار، وعند الانتقال اليها. وكانوا أيضاً يذبحون ذبيحة عند استخراجهم عيناً، أو شرائهم داراً، أو بنيانهم بنياناً، مخافة أن تصيبهم الجن، فأضيفت الذبائح اليهم لذلك. وقد نهى النبي عن ذبائح الجن.

وكان في اعتقادهم ان الأماكن المذكورة مليئة بالجن، لذلك كانوا يستجيرون برجال من الجن في اسفارهم، اذا نزلوا منازلهم، يقولون: نعوذ بأعز أهل هذا المكان، أو اني أعوذ بكبير هذا الوادي. والى ذلك أشير في القرآن الكريم:)وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً(. روي، عن "حجاج بن علاط السلمي"، انه قدم مكة في ركب فأجنهم الليل بواد مخوف موحش، فقال له الركب: قم خذ لنفسك أماناً ولأصحابك، فجعل يطوف بالركب ويقول: أعيذ نفسي وأعيذ صحبي  من كل جني بهذا النقـب

حتى أأوب سالماً وركبي

فوصل وركبه سالماً إلى مكة دون أن يمسه أو أن يمس من كان معه من الركب أحد بسوء.

وروي أن الرجل منهم كان إذا ركب مفازة وخاف على نفسه من طوارق الليل عمد الى واد ذي شجر فأناخ راحلته في قرارته وهي القاع المستديرة وعقلها وخطّ عليها خطاً ثم قال: أعوذ بصاحب هذا الوادي. وربما قال بعظيم هذا الوادي. قال أحدهم: العزاف بأنه موضع يسمع به عزيف الجن.

وقد موًن القصص الاسرائيلي أهل الجاهلية بشيء مما كان ينقصهم من أساطير الجن، وتوسع وزاد هذا القصص في الإسلام، حتى تولد منه هذا الذي نجده مدوناً عن أخبار الجن في المؤلفات الاسلامية.

وتخبر الجن الإنسان حوادث تقع في مواضع بعيدة، وهو لا يعلم عنها شيئاً. فلما هبط "نباش بن زرارة بن وقدان"، زوج "خديجة بنت خويلد" قبل النبي، وادياً يقال له "عز"، انتبه في آخر الليل، فاذا شيخ قائم على صخرة، وهو يقول: ألا هلك السيّال غيث بني فـهـر  وذو العز والباع القديم وذو الفخر

فقال له نباش: ألا أيها الناعي أخا الجود والفخر  من المرء تنعاه لنا من بني فهر

وبقيا يقولان الأبيات، حتى أخبره الشيخ بوفاة "عبد االّه بن جدعان" في وقتَ حدده وظبطه له. فلما وصل مكة، علم بوفاته على نحو ما أخبره به ذلك الشيخ. وهو جني من الجن، ينظم الشعر، وقد رثى "ابن جدعان".

ونجد في شعر الشعراء الجاهليين أمثال "أمية بن أبي الصلت" و "الأعشى" إشارات إلى الجن. وهم من أقل الجاهلية الذين كان لهم اتصال بأهل الكتاب وبكتبهم، وقد زعم أن بعضاً منهم كان قد قرأ تلك الكتب ووقف على العبرانية أو السريانية. ولهذا ورد في شعرهم شيء من قصصهم أهل الكتاب. وفي جملة ما ذكرته من اشاراتهم الى الجن. وتراهم يربطون بينها وبين "سليمان" 0 أخذوا ذلك ولا شك من الأساطير العبرانية، التي صيرت ألجن في خدمة "سليمان". فنجد الأعشى يقول: وسخر من جن الملائك تسعة  قيامهاً لديه يعملون محاربـا

قصد بذلك "سليمان" ونجد ان في.جملة ما نسب عمله إلى جن سليمان بعض المواضع مثل تدمر وقصر غمدان.

وقال النابغة الذبياني: إلا سليمان إذ قـال الإلـه لـه  قم في البرية فاحددها عن الفند

وخَيسِّ الجن إنـي قـد أذنـت  لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد

فمن عصاك فعاقبه مـعـاقـبة  تنهىْ الظلوم ولاتقعدعلى ضمد

وفي هذا الشعر إن صح آنه من نظم النابغة حقاً، دلالة على تأثر الشاعر بالأسطورة اليهودية عن "تامار"، وعن جن سليمان.

ونسبوا السيوف المأثورة إلى جن وشياطن "سليمان". ونسبوا اليه واليهم أشياء عديدة أخرى. وقد ادعى اناس من الجاهليبن انهم كانوا يرون الغيلان والجن، ويسمعون عزيف الجان، أي صوت الجن. وقد بالغ الأعراب في ذلك، وأغربوا في قصص الجان، لما كانوا يتوهمونه من ظهور الأشباح لهم في تجوالهم بالفيافي المقفرة الخالية، فتصوروه جناً وغولاَ وسعالى، وبالغوا في ذلك أيضاً، لما وجدوه في أهل الحضر ولا سيما في الإسلام من ميل إلى سماع قصص الجان والسعالى والغول. وقالوا انهم ربما نزلوا بجمع كثير، ورأوا خياماً، وقباباً، وناساً، ثم اذا بهم يفقدونهم من ساعتهم، وذلك لأنهم من الجنْ.

ونسبوا إلى الجن إحداث كَثير من الأمور غير الطبيعية،مثل الأمراض والأوبئة والصرع والاستهواء والجنون خاصة. فالجنون هو تلبس الجن بالانسان ودخولهم جسمه. لذلك ربطوا بين الجن والجنون. ويرى "نولدكه" ان فكرة أن الجنون من عمل الجن، عقيدة قديمة وجدت عند غير العرب كذلك. فقد كان الايرانيون يطلقون على المجنوتْ لفظة "ديوانه" "Devana"، أي الذي به "ديو" "Dev " من الأصل "ديوه، Daiva"، ومعناها "Demon " أي جان. ومن هذه الفكرة دخلت في العهد الجديد من الكتاب المقدس. ومن الفارسية دخلت "ديوان" "Daiwan " في الإرمية بينما دخلت إلى الفارسية كلمة "شدها" ""Shedha" من أصل "شدهان "Shedhanٍ" الإرمي واستعملت في مقابل "Deo" أي جان. و "شيسده" "Shedh" في الإرمية الجان.

وهم يزعمون أن الجن اذا عشقت انساناً صرعته، ويكون ذلك على طريق العشق والهوى، وشهوة النكاح. وأن الشيطان يعشق المراة، وان نظرته اليها من طر يق العجب بها أشد عليها منُ حمى أيام، وان عين الجان أشد من عين ا لانسان.

والعرب تزعم أن الطاعون من الجن، ويسمون الطاعون رماح الجن. قال الأسدي للحارث الملك الغساني: لعمرك ما خشيت على ابي  رماح بني مقيّدة الحمـار

ولكني خشيت علـى أبـي  رماح الجن أو إياك حار

وللجنّ حوار مع الإنس وكلام تجده منثوراً كما نجده منظومأَ فى شعر ينسب إلى اأشعراء الجاهليين. ويرويَ الأخباريون شعراً ينسب إلى "جذعّ بن سنان" ورد فيه وصف ملاقاته الجن. ومحاورته معها ودعوته إياها إلى الطعام وامتناعها عن الأكل، كما رووا شعراً لغيره يصف ملاقاة بين الجن وبين أصحاب هذا الشعر. وهو قصص لم يبخل على ألجن فأعطاها شعراً من هذا الشعر الجاهلي الفصيح وقد سخر "الخيتعور" أحد "بني الشيصبان" من الجن من الأشعار التي جمعها "المرزباني" "المتوفى سنة 384"، من شعر الشعراء الجن، فما هذا ا إلذي جمعه إلا قطعة من شعرهم، وهل يعرف البشر من النظم كما يعرف الجن.

وانما للبشر خمسة عشر جنساً من الموزون، قل ما يعدوها القائلون، وإن للجن آلاف الأوزان ما سمع بها إلإنس.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق