إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 27 يناير 2016

1536 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثمانون المذاهب النصرانية


1536

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
        
الفصل الثمانون

المذاهب النصرانية


ولنشاط "نسطور" في بث هذه الأفكار وعدم تراجعه عنها، طلب اليه المثول أمام مجلس اجتمع فيه كبار رجال الدين لمحاكمته عرف ب "مجمع أفسوس" انعقد في عيد العنصرة من عام "431 م"،وبعد محاكمات ومناظرات قرر المجتمعون الحكم بهرطقة هذه الآراء وبمخالفتها للمبادىء العامة التي تدين بها الكنيسة، وبذلك كان الحكم على نسطور وأتباعه بالضلال والإلحاد وبعزله من أسقفية القسطنطنية حكماً رسمياً. ومعنى ذلك مقاومة القائلين بهذه الآراء واضطهادهم والتضييق عليهم في حكومة لها كنيسة خاصة ترى أنها على الحق وأن ما دونها على عمى وضلال.

و كانت "الرها" Edessa أهم مركز ثقافي للنساطرة، ومن أهم معاقل الأدب السرياني. أمَّها كثير من طلبة العلم السريان للتثقف بها، ولا سيما في عهد الأسَقف "ايباس" Ibas "436-457 م" الذي انتخب أسقفاً لهذه المدينة بعد وفاة أسقفها "ر بولا" Rabbula في عام "436 م". ثم نالت "نصيبين" Nisibis مكانة كبيرة في النسطورية، خاصة بعد وفاة ايباس، وانتخاب "نونوس" Nounus أسقفاً للمدينة، وكان هذا متأثراً بالآراء البيزنطبة كارهاً للنسطورية، لذلك رأى النساطرة الانتقال عن "الرها" إلى أماكن أخرى لا أثر لنفوذ هذا الأسقف عليها، فكانت "نصيبن" الموقع المختار من بين هذه الأماكن، ونالت الحظوة عند رجالهم، واحتلت مكانة "الرها" في العلم.

ولكن الأسقف "نونوس" كان أسقفاً واحداً من عدد عديد من رجال الدين الرسميين الذين يمثلون كنيسة الروم، الكنيسة التي حكمت حكماً رسمياً بهرطقة "نسطور"، لذلك كان على النسطورية مواجهة الاضطهاد والمقاومة في أي مكان من الأماكن الخاضعة للروم، أو التابعة لكنيستهم، وللكنائس المعارضة لآراء نسطور. لذلك فكر النساطرة في حمل آرائهم ومعتقداتهم إلى بلد أملوا ان يتمتعوا فيه بحربتهم في ممارسة شعائرهم الدينية، لمعارضته للانبراطورية البيزنطية وتشجيعه كل حركة مناوئة لها، ثم لأن له حكومة ذات دين آخر بعيد عن النصرانية، فهي اذن لا تتدخل في أمور المذاهب النصرانية إلا إذا كانت مشايعة للروم، وليست النسطورية من هذه المذاهب.

وقد أظهر "الشاهنشاه" ملك الملوك، استعداده لحماية،النساطرة ومنحهم الحرية الدينية وحرية التبشير بمذهبهم بين رعاياه، كما أظهر رغبته في الاستفادة من علمهم ودرايتهم، فاختارهم للاعمال التي لم يكن فيها متخصصون من أتباعه، وسمح لهم بالتدريس وبتهذيب الناس وبتعليمهم الفلسفة اليونانية، ولا سيما فلسفة أرسطو والطب،وغدت "سلوقية" Seleucia على نهر دجلة قبالة العاصمة "طيسفون" مركزاً ثقافياً خطيراً ينافس "الرها" و "نصيبين"، وصار هذا المركر من أهم معاقل النسطورية والتبشير في العراق وفي سائر اًنحاء انبراطورية الفرس.

ومن هؤلاء النساطرة تعلم عرب بلاد العراق وعلى رأسهم أهل الحيرة النسطورية، ومن أهل الحيرة انتقلت إلى جزيرة العرب. ولما كانت السريانية هي اللغة الرسمية لهذه الكنيسة، صارت هذه اللغة بهذه الصفة لغة نصارى العرب، بها يرتلون صلواتهم في الكنيسة وبها يكتبون، وإن كانت بعيدة عنهم غير مفهومة لدى الأكثرية منهم. لقد كانت على كل حال لغة رجال الدين. وجلهّم من رجال العلم في ذلك الزمن. فهي عندهم لغة للدين وللعلم، كما كانت اللاتينية لغة للدين والعلم عند الرومان، والإغريقية لغة للدين والعلم عند اليونان، والعربية عند المسلمين.

وأنا حين أقول ان النسطورية كانت قد وجدت لها سبيلاً إلى أهل الحيرة، فدخلت بينهم، فأنا لا أقصد بقولي هذا ان أهل الحيرةَ كانوا جميعاً على هذا المذهب، أو انهم كانوا كلهم نصارى. فقد كان جلّ أهل الحيرة على دين أكثر ملوكهم، أي على الوثنية، اًما الذين اعتنقوا النصرانية، فهم العباديون، وبينهم قوم كانوا على مذهب القائلين بالطبيعة الواحدة، أي مذهب اليعاقبة، وبينهم من كان على مذهب آخر.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق