إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 27 يناير 2016

1533 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثمانون المذاهب النصرانية


1533

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
        
الفصل الثمانون

المذاهب النصرانية


لقد أصيبت النصرانية بما أصيبت به أكثر الأديان من تشقق وتصدع وانفصام، فظهر فيها شيع وفرق، تخاصمت فيما بينها وتجادلت. وكان أكثر جدالها في موضوع طبيعة المسيح وعلاقة الأم بالابن، وفي موضوع النفس، وقدعقدت لذلك جملة مجامع كنسية للنظر في هذه الآراء والحكم على صحتها أو فسادها، وفي أمر اًصحابها، اجتمع فيها مندوبون من مختلف الأماكن وبينهم بعض ا الأساقفة العرب. غير انها لم تتمكن من القضاء على النزعات المختلفة، فظهرت فيها جملة مذاهب، حرمت المجامع أصحابها، وحكمت ببدعتهم وبخروجهم على التعاليم الصحيحة، وطلبت من بعضهم الرجوع إلى الدين الصحيح، غير ان منهم من أصر على رأيه، وتحزب له، وبشّر به، فوجد أنصاراً وأعواناً انتموا اليه وتسموّا به.

والواقع انه لم يكن من السهل على الداخلين في النصرانية فهم قضية معقدة كهذه القضية، وهي قضية فلسفية جدلية أكثر منها عقيدة دينيه. ولذلك كان من الطبيعي وقوع الاختلاف فيها، و تشتت آراء النصرانية بالقياس اليها، خاصة وهي حديثة عهد، وأكثر الداخلين فيها هم ممن دخلوا حديثاً في هذا الدين، وليس لهم الإدراك العميق والخيال الواسع لفهم موضوع كهذا الموضوع. ثم إن النصرانية ديانة عالمية، لم توجه لأمة خاصة من الأمم، وقد جاءت ككل الأديان بأحكام لا بد وان يختلف الناس في فهمها، لاختلاف المدارك والثقافات، وهذا الاختلاف في الفهم، يؤدي إلى ظهور المذاهب والشيع،والى تناحر هذه المذاهب، وادعاء كل واحد منها انه وحده على الحق، وان ما دونه على الباطل والهرطقة و الكفر.

لقد فتح "بولس الرسول" وأتباع المسيح الآخرون ميداناً واسعاً من الجدل في موضوع المسيح: هل المسيح إنسان، أو هو ربّ، أو هو من خلق الرب ? و هل هو والربّ سواء، أو هو منفصل عن الربّ? هذه الأسئلة وأمثالها مما يتصل بطبيعة المسيح شغلت رجال الكنيسة، وكتّلتهم كتلاً: كل كتلة ترى أن رأيها في الطبيعة هو الرأي الصواب، وأنه هو الدين الحق القويم، وأن ما دونه ضلال وباطل. فظهرت المذاهب: شرقية وغربية، وانقسمت الكنيسة على نفسها، فظهرت من الكنيسة الواحدة كنائس. ولا تزال تنشق، ويزيد عددها وتظهر أسماء جديدة لمذاهب لم تكن معروفة في النصرانية القديمة.

لقد كان الناصريون الأولون، وهي التسمية القديمة التي عرف بها النصارى، في فوضى فكرية. فلم تكن تعاليم المسيح مفهومة عندهم ولا مهضومة، وكانت تفاسير تلاميذه غير منسقة ولا مركزة تركيزاً يكفي لتوجيه الناصريين وجهة معينة واحدة. ثم إن تعقب اليهود والرومان للنصارى وتنكيلهم بهم، وخوف الناصري على حياته وعلى ماله إذا تظاهر بدينه: كل هذه كان لها أثر خطير في المجتمع النصراني الأول. ولولا جلد بعض التلاميذ وتفانيهم في الدعوة، وتركيزهم لتعاليمها وتبويبها وصقلها، لما كان للنصرانية ذكر باق حتى الان.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق