1534
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثمانون
المذاهب النصرانية
وليس في استطاعة أحد الزعمُ بأن هذه النصرانية التي تركّزت وتثبتت على هذه الصورة التي نشهدها،هي النصرانية التي جاء بها المسيح وكان عليها الناصريون، أي أقدم أتباع عيسى. فالنصرانية هي سلسلة تطورات وأفكار وآراء وضعها البارزون من الاباء، ثم إنها كأكثر الأديان تأثرت بمؤثرات عديدة لم يكن من الممكن على الداخلين فيها التخلص منها. فدخلت فيها وصارت جزءاً منها، مع أن بعضها مناهض ومناقض لمبادئ هذا الدين.
وتولد عن هذا الجدل ظهور "الآربوسية" أتباع "آريوس"، و"السبيلية" Sabellians وأتباع "الثالوث" Trinitarians ومذاهب أخرى نبعت من تلك البلبلة الفكرية التي أظهرها الاختلاف في طبيعة المسيح. ونظراً إلى ما أحدثته هذه الآراء اللاهوتية من انقسام وتفرق في صفوف النصارى، وما تركته من أثر خطير في الأحوال الداخلية للانبراطورية. عزم الانبراطور "قسطنطين" باني القسطنطنية على عقد مؤتمر للتوفيق بين هذه الآراء وتنسيقها، فعقد مجمع "نيقية" Nicaea حضره "آريوس" للدفاع عن نفسه وحضره جمع من الأساقفة المخالفين له لمحاكمته ولاثبات هرطقته وخروجه على الايمان الصحيح. وكانت النتيجة الوحيدة لهذا المؤتمر وضع بيان دقيق عن الثالوث، وآلحكم بفساد رأي آريوس وبخروجه على عقيدة النصرانية الصحيحة، ووضع تعريف للايمان الصحيح.
وعقب هذا المجمع الذي انعقد في سنة "325" للميلاد وحدد معنى النصرانية وأصولها، عدة مجامع عقدت للنظر في أمثال هذه المشكلات الخطيرة التي جابهت الكنيسة، عقد بعضها في القسطنطنية فعرفت بها، وعقد بعض آخر في "أفسوس""431 م" وفي "خلقدونيا" Chalcedon "451 م"، ولكنها لم تستطع ان تعيد الوحدة إلى الكنيسة، فانقسمت إلى عدة كنائس، وحدث الانفصال الأكبر في سنة "1054 م" حيث تجزأت الكنيسة الكبرى للانبراطورية إلى كنيستين: كنيسة غربية استعملت اللغة اللاتينية لغة رسمية لها، وكنيسة أرثوذكسية هي الكنيسة الإغريقية الأصلية، وذلك بسبب خلافات بسيطة ليس لها أثر خطير في جوهر العقيدة. أما الشرق، أي آسية وافريقية، فقد سبق نصاراه نصارى الغرب في تحطيم وحدة الكنيسة، فظهرت عندهم الكنيسة النسطورية والكنيسة اليعقوبية، في زمان مبكر سبق انفصال الكنيسة اللانينية عن الإغريقية بزمان طويل.
وقد وصلت الينا أسماء من حضر بعض تلك المجامع الكنيسية، واشترك في جدالها ومناقشاتها ووقع على قراراتها ومحاضرها، وبينها أسماء أساقفة بشروا بين العرب، وأساقفة يظهر أنهم كانوا من أصل عربي بدليل أسمائهم العربية الخالصة أو المنقولة إلى اليونانية والسريانية. وقد عرف بعضهم بأساقفة الخيام، لمرافقتهم للاعراب ومعيشتهم بينهم في الخيام معيشة الأعراب.
ومن أساقفة الأعراب أسقف عرف باسم "بطرس"، وقد وقع على أعمال مجمع "أفسوس" بصفة كونه "أسقف محلة العرب"، والأسقف "تاوتيموس أسقف العرب" الذي وقع على أعمال مجمع انطاكية الذي انعقد عام 363 للميلاد.
وقد كان بين أساقفة القدس في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس للميلاد، أسقف من أصل عربي، اسمه الياس "494- 513م".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق