1550
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع والثمانون
تسخير عالم الارواح
الحية
والحية من أكثر الحيوانات وروداً في القصص الذي يرويه الأخباريون عن الجن. وقد جعلوها فصيلة مهمة من فصائلها، ونوعاً بارزاً من أنواعها. قال بعض العلماء: الجان، حية بيضاء، وقال بعض آخر: الجان حبة، أو ضرب من الحيات. ولما قام "حرب بن أمية" جد معاوية بن أبي سفيان مع "مرداس ابن أبط عمرو" باصلاح "القرية"، وهي إذ ذاك غيضة شجر ملتف لايرام، فأضرما النار في الغيضة، فلما استطارت وعلا لهيبها سمع من الغيضة أنين وضجيج كبير، ثم ظهرت منها حيات بيض تطير حتى قطعتها وخرجت منها، فما لبث أن مات الرجلان، أماتهما الجن على ما يزعمه رواة هذا الخبر. ولعلهما ماتا بعضة حية من تلك الحيات التي كانت ساكنة بين تلك الأعشاب وقد هاجتها تلك النيران. ومثل هذه المواضع تكون موئلاً للحيات والحشرات، فابتدعت مخيلة القصاصين هذه القصة عن فزع الجن وطيرانها في صورة ثعابين بيض. ويعلل "نولدكه" وفاتهما بفعل الاختناق من الغاز الذي تصاعد من الاحتراق.
وذكروا أن الحيّة لا تموت حتف أنفها، وإنما تموت بعرض يعرض لها. وانها تصبر على الجوع حتى ضرب بها المثل في ذلك. وانها اذا هرمت صغرت في بدنها. ولم تشته الطعام. وانها تنطق وتسمع. وقد أورد أهل الأخبار شعراً في ذلك، ذكروا أنه للنابغة. ومذهب النابغة في الحيات مذهب أمية بن أبي الصلت، وعدي بن زيد وغيرهما من الشعراء الذين تأثروا برأي أهل الكتب فيما جاء عن الحية في العهدين وفي كتب الشروح والتفاسير والقصص الاسرائيلي القديم.
ولم تنفرد مخيلة الجاهليين وحدها باختراع اسطورة ان الحيات هي من الجن، وانها جنس منها، فان غير العرب من الساميين مثلَ العبرانيينَ كانوا يقولون أيضاً بهذا القول. وكذلك قال بهذه الأسطورة غير السامين، مما يدل على انه من الأساطير القديمة جداً التي انتشرت عند البشر، بسبب ما قاسوه في ايام بداوتهم من هذا الحيوان. ونجد قصة الحية في سفر التكوين. وهي في هذا السفر أشد الحيوانات حيلة، فهي التي خدعت حواء خدعتها الشهيرة، وسببت طردها وطرد زوجها آدم من الجنة إلى الأرض.
ولعقيدنهم هذه في "الحية"، كانوا اذا وجدوا حية. ميتة كفنوها ودفنوها، فعلوا ذلك في الإسلام أيضاً جاء انه بينما كان "عمر بن عبد العزيز" بمشي في أرض فلاة، فاذا حية ميتة فكفنها بفضلة من ردائه ودفنها. وورد انه كان جمع من أصحاب رسول الله يمشون فوقع لهم اعصار، ثم جاء اعصار أعظم منه، ثم انقشع، فاذا حية قتيل، فعمد رجل منا. إلى ردائه وكفّن الحية ببعضه ودفنها. فلما جنّ الليل اذا امرأتان تساءلان أيكم دفن عمرو بن جابر فقلنا ما ندري ما عمرو بن جابر فقالتا إن كنتم ابتّغيتم الأجر، فقد وجدتموه. إن فسقة الجن اقتتلوا مع المؤمنين منهم. فقتل عمرو، وهو الحية التي رأيتم".
وفي الحديث: انه نهى عن قتل الجنان. هي الحيات التي تكون في البيوت،واحدها جان،وهو الدقيق الخفيف. والجان الشيطان أيضاً، وورد فيَ الحديث: ذكر الحيات، فقال: من خشي خبثهن وشرهن واربهن، فليس منا. أي من توقى قتلهن خشية شرّهن فليس ذلك من سنتنا. وكانت الجاهلية تقول انها تؤذي قاتلها أو تصيبه بخبل.
وذكر العلماء أن "اللاهة" الحية، أو الحية العظيمة. وأن "اللات"، الصنم المعروف أصله "لاهة" كأنه سمي بها. وان اسم الجلالة منها. وفي الأساطير إلجاهلية ما يفيد تعبد الجاهليين للحية، وفي هذا التفسير ما يؤيد هذا الرأي.
ويقال للحية: "بنت طبق". و "بنات طبق" الحيات، والحية "أم طبق" وبنت طبق. وهي "الدواهي" ومن أساطيرهم أن بنت طبق سلحفاته تبيض تسعاً.وتسعين بيضة كلها سلاحف، وتبيض بيضة تنقف عن حية. والحيات شياطين، وللعرب شجر يطلقون عليه "الصوم" " كريه المنظر جداً، يقال لثمره "رؤوس الشياطين" اي الحيات، وليس له ورق.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق