1529
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل التاسع والسبعون
النصرانية بين الجاهليين
وتذكرنا قصة "ابن الكلبي" عن أصل كعبة نجران، وأنها كانت من أدم، بما نعرفه عن خيمة "يهوه" إله العبرانيين، وتعبد الاسرائيليين له فيها قبل بناء الهيكل، واعتقادهم أنها خيمة مقدسة، وبما نعرفه من خيم القبائل المقدسة، وذلك لأنها كانت بيوتاً توضع فيها الأصنام ويتعبد أفراد القبيلة بها، فإذا ارتحلوا إلى مكان جديد نقلوا خيمتهم معهم. والظاهر ان كعبة نجران المذكورة،إن صحت رواية ابن الكلبي، كانت من هذا النوع، خيمة مقدسة في الأصل وذلك قبل دخول أهل نجران في النصرانية، فلما دخلوها، لم تذهب عنها قدسيتها، بل حولوها إلى كنيسة، ثم بنوا بيعة في موضعها فيما بعد.
وفي رواية ان قُس بن ساعدة الايادي كان أسقفاً على نجران، وهي رواية تحتاح إلى سند موثوق به، وقد أخذ بها "شيخو" وأمثاله ممن يرجع كل شيء من هذا القبيل في الجاهلية إلى النصرانية.
وقد كانت نجران المركز الرئيس للنصرانية في اليمن عند ظهور الإسلام، لها نظام سياسى واداري خاص تخضع له، وعليها: "العاقب"، وهو كما يقول أهل السير: "أمير القوم، وذو رأيهم، وصاحب مشورتهم،والذي لا يصدرون إلا عن رأيه"، و "السيد"، وهو "ثمالهم، وصاحب رحلهم ومجتمعهم"، و "الأسقف"، وهو " حبرهم، و إمامهم، وصاحب مدر اسهم". ويقصدو ن به رئيس نجران الديني الذي اليه يرجعون في أمور الدين. أما العاقب والسيد، فإليهما ادارة الجماعة، والإشراف على شؤونهم السياسية والمالية، وتدبير ما يحتاج المجتمع اليه من بقية الشؤون.
وقد صالح أهل نجران خالد بن الوليد، في زمن النبي، في السنة العاشرة من الهجرة، وبذلك دخل أكثر سكان المدينة في الإسلام. أما من بقي على دينه من النصارى، فقدفرضت عليه الجزية.
ويذكر أهل السير ان اسم عاقب نجران في ايام النبي، هو "عبد المسيح" رجل من كندة. وقد قدم على رأس وفد من أهل نجران إلى يثرب، فقابل الرسول، وتحدث معه. وكان معه "الأيهم" وهو سيد نجران يومئذ، وأبو حارثة بن علقمة احد بني بكر بن وائل، وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم يومئذ، وله مقام عظيم عندهم، "وقد شرف فيهم، ودرس كتبهم حتى حسن علمه بدينهم، فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه وموّ لوه، وأخدموه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من علمه وأجتهاده في دينه".
وإذا صح ما رًواه أهل الأخبار من أن عاقب نجران كان كندياً، وأن اسقفها كان من "بكر بن وائل"،فإن ذلك يدل على أن الرئاسة عند النصارى العرب، لم تكن تتبع العرف القبلي في الزعامة، وإنما كانت عن تنسيب واختيار، وأنا لا استبعد احتمال وجود مراجع دينية عليا، كانت هي التي تتولى النظر في ادارة الكنائس وفي تعيين رجال الدين وفي النظر في المشكلات التي تقع بين النصارى، أو بين النصارى وغيرهم، وفي أمر مساهمة النصارى العرب في المجامع الكنسية التي تنظر في المسائل العامة للطوائف.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق