960
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الحادي والخمسون
فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح
أصول الغناء الجاهلي
ويرجع الأخبار غناء الجاهلين إلى ثلاثة أوجه: النصب،والسناد،والهزج. فأما النصب، فغناء الركبان وغناء االفتيان والقينات، ويغني به في المراثي كذلك. وقد دعى اسحاق بن ابراهيم الموصلى، الغناء الجنابي نسبة إلى رجل من كلبٍ يقال له: جناب بن عبد الله بن هبل. وهو الذي يقال له "المراثي"، ومنه كان أصل الحداء، وكله يخرج من الطويل في العروض. وأما السناد، فالثقيل ذو الترجيع الكثير النغمات والنبرات. وأما الهزج، فالخفيف الذي يرقص عليه ويمشي بالدف والمزمار فيطرب ويستخف إلحليم.
ويذكر أهل الأخبار ان الأنواع المذكورة كانت غناء العرب، حتى جاء الإسلام وفتحت العراق، وجلب الغناء والرقيق من فارس والروم، فغنوا الغناء المجزأ المؤلف بالفارسية والرومية، وغنوّا جميعاً بالعيدان وألطنابر والمعازف والمزامير. وذكر أيضاً ان الغناء قديم في الفرس والروم، ولم يكن "للعرب قبل ذللك إلا الحداء والنشيد، وكانوا يسموّنه "الركباني" "الركبانية". والنشيد رفع الصوت، ومن المجاز الشعر المتناشد بين القوم ينشده بعضهم بعضاً.
وذكر "المسعودي" أن غناء العرب النصب، ثلاثة أنجاس: الركباني، والسناد الثقيل، والهزج الخفيفْ.
ويرى بعض أهل الأخبار أن أصل الغناء ومعدنه إنما كان في أمهات القرى من بلاد العرب، حيث فشا بها، وانتشر. ومن هذه مكة والمدينة والطائف وخير ووادي القرى ودومة الجندل واليمامة، وهذه القرى مجامع أسواق العرب. ورووا أن أول من غنى في العرب قينتان لعاد، يقال لهما الجرادتان. وههما قينتا "معاوية بن بكر الجرهمي" "معاوية بن بكر العملقي" غنتّا لوفد "عاد"بمكة، فشغلوا عن الطواف بالبيت وسؤال الله فما قصدوا، فهلكت عاد وهم سامدون. فلما رأى الجرهمي، وهو معاوية بن بكر، أحد العماليق، ذلك قال: هلك أخوالي "عاد"، ولو قلت لضيوفي شيئاً، ظنوا بي البخل، فألقى إلى الجرادتين شعراً يذكر بمحنة "عاد"، فاًنشدتاه الضيوف. وكان الجرهمي سيد مكة حين وفدت عاد تستقي في قحطها. وكان "قيل ابن عتر" أحد الرؤوس الثلاثة لوفد عاد، حين ذهبوا في القحط إلى مكة يستسقون لقومهم.
وورد أيضاً أن الجرادتين كانتا مغنيتين للنعمان. كما ورد ذكر الجرادتين وغناءهما لأبي رغال. وورد أنهّ كان بمكة في الجاهلية قينتان يقال لهما الجرادتان مشهورتان بحسن الصوت. وقبل إن الجرأدتين كانتا أمتين تتغنيان في الجاهلية وكانتا لعبدالله ابن جُدْعان.
وقد ذكر "أبو العلاء المعري"، أن العرب تسمي كل قينة جرادة، حملاً على أن قينة في الدهر إلأول كانت تدعى الجرادة. واستشهد بهذا البيت: تغنينا احبراد ونحن نشرب=نعلّ الراح خالطها المشور وذكر بعض العلماء أن "جذيمة الخزاعي بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة ابن عمرو بن عامر"، المعروف ب "المصطلق"، كان من أحسن إلناس صوتاً، وقد غنى بعد "الجرادتين" " غنى غناء النصب. وذكر انه أول من غنى في خزاعة. ثم غنى بعده "ربيعة"، وهو "ضبيس بن حزام بن حيشة بن سلول ابن كعب بن عمرو بن عامر" الخزاعي، ثم غنى بعده "زمام بن خطام الكلبي"، وقد ذكره ". الصمة القشيري"، بقوله: دعوت زماماً للهوى فأجابني وأي فتى للّهو بعـد زمـام
وذكر "المسعودي"، أن غناء أهل اليمن بالمعازف وإيقاعها جنس واحد، وغناؤهم جنسان: حنفي، وحميري. والحنفي أحسنهما، فهذا هو غناء أهل اليمن. ورجع بعض أهل الأخبار غناء أهل اليمن إلى "علس بن زيد ذي جدن"، زعموا انه أول من تغنى باليمن. وزعموا أنه كان من ملوك اليمن، لقب بذي جدن، لجمال صوته. فالجدن الصوت عند أهل اليمن.
وذكر ان قريشاً لم تكن تعرف من الغناء، إلا النصب، حتى قدم "النضر ابن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي"العراق، فتعلم ضرب العود وغناء العباديين، فقدم مكة، فعلّم أهلها، فاتخذوا القيان. ويظهر من غربلة ما ورد في الأخبار عن الغناء، أن المراد به، تلحين ما يراد التغني به وتطريبه، حتى يثير الطرب في نفوس السامعين، لا سيما إذا اقترن بآلة من آلات الطرب. ونادراً ما يكون غناء دون "موسيقى". فالموسيقى تصاحب الغناء. والغناء: تلحين ما يراد التغني به بتقطيعه قطعاً موزونة تكون نغمة،يوقع على كل صوت منها بإيقاع يناسبه، فيزيده لذة في السماع.
وذهب "المسعودي" إلى أن أول من اتحذ القيان من العرب، أهل يثرب. أخذوا ذلك من بقايا عاد. بينما يذكر الأخباريون، أن أول من غنى من العرب العاربة الجرادتان، وكانتا قينتين على عهد عاد، لمعاوية بن بكر العمليقي. وفي جملة من قال ذلك "ابن خرداذبه"، الذي اعتمد "المسعودي" عليه في موضوع الغناء، ونقل من كتابه "اللهو والملاهي" بالنصْ.
والقينة عند علماء اللغة: الأمة المغنية، وذكروا أنها كلمة هذلية. وقال بعض آخر: مغنية كانت أو غير مغنية. وإنما قيل للمغنية قينة، إذا كان الغناء صناعة لها، وذلك من عمل الإماء دون الحرائر. والظاهر أنها من الألفاط المعربة، فالغناء في لغة "بني إرم" هو "قنتو" Qintoوالمغنية "قينة" من الغناء "قنتو".
وذكر أن من أسماء "القينة" "الزمّارة" و "الزامرة"، وقيل للمغنى "الزمار"، وذلك من التزمير بالمزمار.
ويقال للمغنية "الكرينة" أيضاً. وقد وردت اللفظة في شعر لبيد: بصبوح صافية وجَذْب كرينة بموتر تأتالـه ايهـامـهـا
وذكر أن "الكرينة" المغنّية الضارية بالعود أو الصنج، والضاربة ب "الكران".
و "الكران" هو العود.
وذهب أهل الأخبار إلى أن الغناء محدث في العرب، أخذ من "الحداء".
وكان الحداء في العرب قبل الغناء. وكان أول السماع والترجيع في العرب، ثم اشتق الغناء من الحداء. اشتقه "حباب بن عبدالله الكلبي"، فغنى النصب.
وقد أُشير الى الغناء النصب في كلام ينسب إلى عبدالله بن عمر بن الخطّاب، فذكر أنه قال: مر بنا ابن الخطاب، وأنا وعاصم بن عمر نغني غناء النصب، فقال: أعيدا عليّْ. وورد أن أنس بن مالك سمع أخاه البرّاء بن مالك يغني، فقال: ما هذا قال: أبيات عربية أنصبها نصباً. مما يدلّ على أن غناء النصب إنما ورد من هذا المعنى.كذلك أشير الى الحداء في خبر ينسب إلى ابن جريج، قال: سألت عطاء عن قراءة القرآن على ألحان إلغناء والحداء. وقد أخرج هذا الخبر الحداء من الغناء.
وعرف بعض العلماء النصب: أنه غناء الركبان. وعرف أنه "العقيرة"، يقال: رفع عقيرته إذا غنى النصب. وعرف أنه ضرب من أغاني آلعرب. "وفي حديث نائل،مولى عثمان: فقلنا لرباح بن المغترف: لو نصبت لنا نصب العرب أي لو تغنيت، وفي الصحاح: لو غنيت لنا غناء العرب. "وكان رباح بن المغترف يحسن غناء النصب، وهو ضرب من أغاني العرب، شبيه الحداء،وقيل: هو الذي أحكم من النشيد، وأقيم لحنه ووزنه". وعرف النصب: انه ضرب من مغاني العرب أرق من الحداء.
وقد أشار أهل الأخبار إلى أن العرب كانت "تتغنى بالركياني، إذا ركبت الابل، وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب النبي، صلى الله عليه وسلم " أن يكون هجيراهم بالقران مكان التغني يالركباني، وأول من فرأ بالألحان عبيد الله بن أبي بكرة، فورثه عند عبيد الله بن عمر، ولذلك يقال قرأت العمري، وأخذ ذلك عنه سعيد العلاّ ف الإباضي". وذكر أن "عمر" سمع "عبد الرحمن بن عوف" وهو يتغنى وينشد بالركبانية، وهو غناء يحدى به الركاب.
والحداء، هو من أقدم أنواع الغناء عند العرب،يغنى به في الأسفار خاصة، ولا زال على مكانته ومقامه في البادية حتى اليوم. ويتغنى به فىِ المناسيات المحزنة أيضاً لملاءمة نغمته مع الحزن. وقد كان للرسول حادي هو " إلبرّاء بن مالك بن النضر الأنصاري" وكان حداءً للرجالْ. وكان له حدّاء آخر، يقال له "أنجشة الحادي" وكان جميل الصوت أسود، وكان يحدو للنساء، نساء النبي، وكان غلاماً للرسول. وذكر أن النبي "قال لقوم من بني غفار" سع حاديهم بطريق مكة ليلاّ، فقال لهم: إن أباكم مضر خرج إلى بعض رعاته فوجدها قد تفرقت، فأخذ عصا فضرب بها كف غلامه، فعدا الغلام في الوادي وهو يصيح: وايداه، وايداه، فسمعت الإبل ذلك فعطفت فقال مضر: لو اشتق مثل هذا لانتفعت به الإبل واجتمعت، فاشتق الحداء".
وذكر بعض أهل الأخبار " أن أول من أخذ في ترجيعه الحداء "مضر بن نزار".
فإنه سقط عن جمل فانكسرت يده، فحملوه وهو يقول: وايداه وايداه،و كَان أحسن الله جرماً وصوتاٌ، فأصغت الإبل اليه وجدت في السر، فجعلت العرب مثالاً لقوله هايدا هايدا سون به الإبل ". وللاخبارين كلام آخر من هذا النوع عن الحداء. يتفق كله في أن هذا النوع من الغناء كان من خصائص غناء مضر.
وكان "عامر بن سنان الأكَوع بن عبد الله بن قشير الأسليمي" المعروف ب "ابن الأكوع، رجلاً شاعراً وراجزإً، وكان يحسن الحدإء، فطلب منه أصحاب الرسول أثناء سيرهم الى خيبر أن يحدو بهم. فسمع الرسول حداءه. وهناك أخبار أخرى يفهم منها أن العرب لم تدخل الحداء في الغناء، وإنما ذكرته معه، على أنه باب خاصْ. والعادة أن يجعل المسافرون معهم حادياً أو جملة حداة يحدون بهم في السفر. وكان أبو هريرة أحد الصحابة المحدثين عن رسول الله، يحدو لركب بسرة بنت غزوان.
والحداء إذن ضرب مخصوص من الغناء، ويكون بالرجز غالباً لأن طبيعة الرجز تلائم هذا النوع من الغناء. ويذكر "المسمعودي" أن الحداء كان في العرب قبل الغناء. وكان أولَ السماع والترجيع في العرب، ثم اشتق الغناء من الحداء. فالحداء متقدم على الغناء إذن، هو الباب الذي ولج ألعرب منه الى الغناء.
والحداء، هو في الواقع غناء أهل البادية، وفي إرجاع أهل إلأخبار أصله إلى "مضر" أو غيره من الرجال صحة، إذا اضبرنا ان "مضر" أو غيره كناية عن الأعراب. لأن هذا النوع من الغناء مما يتناسب مع لحن البوادي ونغمها الحزينة البسيطة التي تطرب بها طبيعة البداوة نفس الأعراب. ولا زال غناء اًهل البادية متأثراً بهذه الضربات من العزف، التي تعزنها البادية للتخفيف عن كآبته.
الطبيعة وللتعبير عن الروح الحزينة التي تحملها هذه الطبيعة من نشوئها ونموها في هذه الفيافي الساحقة الشاسعة التي لا ترى،حدودها العين، والتي ترشق الأوجه برشقات من الرمال، تسدّ العين، حتى لا تتجاسر فتمدّ بصرها لتسترق سرّ هذه المحيطات ذات الأمواج المتفاوتة في الإرتفاع من تموجات الرمال.
وقد تخصص أناس من رجال ونساء بالغناء، واتخذوه حرفة لهم يتكسبون بها. والمغنون المحترفون هم من سواد الناس، ومن الرقيق. لأن من طبع الشريف والحرّ الابتعاد عنه. وقد احترف هؤلاء الغناء وتعيشوا عليه. فكانوا يدعون إلى إحياء الحفلات في مقابل أجر يدفع لهم. وقد كان من بينهم من يغني بلغته كالرومية والحبشية، ولهذا فلم يكن من المستبعد سماع غناء أجنبي في موضع مثل مكة أو يثرب لوجود رقيق فيه.
وقد تغنى بشعر بعض الشعراء الجاهليين، ومن هؤلاء شعر الشاعر "مرُّة ابن الرواغ". ويذكر أهل الأخبار ان "امرىء القيس بن حجر"، كان يأمر قيانه أن يغنين بشعره. وان قيان الملوك كن يغنين به أيضاً، وقد كان النخاسون في الجاهلية يعلمون المغنيات الشعر، للتغني به.
وقد كان أغنياء مكة والقرىَ الأخرى يملكون القيان، ومنهم من كان يملك عدداً منهن. مثل "عبدالله بن جصُدْى ان". وكان "لمقيس بن عبد قيس بن قيس بن عدي"، قينتان تغنيان، وكان بيته مألفاً لشباب قريش ينفقون عنده ويشربون ويتهاتكون يبقون على ذلك ليالي وأياما.
ومن القيان: " هريرة" اني شبب بها "الأعشى". وهي أمة سوداء،لحسان ابن عمرو بن مرثد. ولها أخت اسمها "خليدة": كانت قينة كذلك. وقد ورد في رواية أخرى، أنهما كانتا قينتين د "بشر بن عمرو بن مرثد"، وكانتا تغنيانه النصب. وقدم بهما اليمامة، لما هرب من "النعان".
وذكر انه كان ل "عائشة" جاريتان تغنيان بغناء بعاث، أي تنشدان ومن أهل الحداء حاد يقال له "أنجشة" أشرت اليه قبل قليل، وكان حسن الصوت. وهو من الصحابة. "وفي الحديث: أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال لأنجشة وهو يحدو بالنساء، رفقاً بالقوارير.،، وكان أنجشة يحدو بهن ركابهن ويرتجز بنسيب الشعر والرجز وراءهن". وهو من أصل حبشي،يكنى"أبا مارية". وكان يحدو بالنساء، وكان الرّ اء بن مالك يحدو يالرجال. وربما كان على النصرانية قبل دخوله في الإسلام.
وكان "البراء بن مالك بن النضر الأنصاري"، حسن الصوت كذلك. وكان يرجز لرسول الله في بعض أسفاره، كما أشرت إلى ذلك قبل قليل. وذكر انه كان حادي الرجال. وكان يتغنى بالشعر.قد شهد المشاهد مع رسول الله إلى بدراً، وله يوم اليمامة أخبار. واستشهد في أيام عصر. وكان من الشجعانْ. ومما يلفت النظر ان الأخباريين حين يتحدثون عن مجلس طرب وشرب وغناء، يذكرون أن صاحب المجلس أمر قينتين له بأن تغنيا له. أولهم، وذلك في الغالب، ولم يذكروا قينة أو أكثر إلا في الأقل، حتى ليشعر القارىء أن العرف في ذلك الوقت أن تكون للسادة وللاشراف قينتين تغنيان تكونان في البيت بصورة دائمة. فلما اغتاط "أبو براء عامر بن مالك بن جعفر" مما قيل عنه، وأراد الترفيه عن نفسه قبل أن يقتل نفسه "دعا قينيتن له فشرب وغنتاه". وكان "عبدالله ابنُ جدْ عان" إذا أراد سماع الغناء "أمر قينتين له تسميان "الجرادتين" بالغناءَ.
ولا يستبعد استخدام الجاهليين آلات الطرب والغناء في معابدهم وفي أعيادهم. فقد كان الساميون كالعبرانيين يستعملون أنواع آلات الموسيقى في معابدهم وفي أعيادهم تقرباً إلى آلهتهم. وقد وصلت الينا أسماء بعض آلات الطرب التي استعملها الجاهليون ولكن معارفنا لا تزال مع ذلك قليلة ضعيفة. وستزيد ولاشك. متى قام الآثاريون بالتنقيب تنقيباً علمياً عميقاً في مواضع الآثار في مختلف الأنحاء.
أما العرب في العراق وفيَ بلاد الشام، فقد تأثروا بالغناء الأعجمي، واستعملوا آلات الطرب المعروفة عند الفرس واليونان، وسمعوا الغناء بالفارسية والرومية واستحسنوه، بل استحسنه أناس من عرب الحجاز أيضاً. سمع حسان بن ثابت غناء "رائقة". فلما عاد إلى بيته، تذكر ليلة قصاها في الجاهلية مع "جبلة ابن إلأيهم"، لم ينسها قط، قال: "لقد رأيت عشر قيان: خمس روميات يغنين بالرومية بالبرابط، وخمس يغنين غناء أهل الحيرة وأهداهن إليه اياس بن قبيصة. وكان يقد إليه من يغنيه من العرب من مكة وغيرها. وكان إذا جلس للشرب، فرش تحته الآس والياسمين وأصناف الرياحين، وضرب له العنبر والمسلك في صحاف الفضة والذهب، وأتى بالمسك الصحيح في صحاف الفضة، وأوقد له العود المندّى إن كان شاتياً، وإن كان صائفاً بطّن بالثلج، واتى هو وأصحابه بكساء صيفية ينفصل هو وأصحابه بها في الصيف، وفي الشتاء بفراء الفَنَك وما أشبهه، ولا والله ما جلست معه يوماً قط إلاّ وخلع عليّ ثيابه التي عليه في ذلك اليوم وعلى غيري من جلسائه، هذا مع حلم عمن جهل، وضحك وبذل من غير مسألة".
وإذا كان الغناء للطرب بوجه عام، فإن هنالك نوعاً آخر من الغناء هو "الترنيم"، وهو تطريب الصوت، ويستخدم في الغالب في التلاوة، أي تلاوة الأدعية والتراتيل الدينية. فقد كان الجاهليون يرتلون أغانيهم الدينية أمام أصنامهم، كما فعل ذلك اليهود والنصارى ويترنمون بها. وتصحب هذه الترانيم آلات موسيقية لتعزف الألحان المناسبة الموافقة لها.
وذكر علماء العربية أن "الرنم" المغنّيات المجيدات، والرنم الصوت. والرنيم والترنيم ترجيع الصوت وتطريبه. وعرف "الترجيع" ب "ترديد الصوت في الحلق في قراءة أو غناء أو زمر أو غير ذلك ما يترنم به". وقيل: "الترجيع. هو تقارب ضروب الحركات في الصوت". وقد كان الجاهليون يرجعون الشعر، بأن يقرأونه على الألحان والتطريب والإيقاع ليؤثر في السامعين.
أما المناسبات المخزنة كالموت والكأبة، فقد كانوا يستعملون فيها نغمات حزينة وهادئة للتخفيف من شدة الحزن والكآبة والألم. وقد كانت لهم في ذلك ألحان وأوزان ونغم.
وأما "الهزج"، فالخفيف الذي يرقص عليه، ويمشي بالدف " والمزمار، فيطرب ويستخف الحليم. وذكر أن الهزج من الأغاني ما فيه ترنم وصوت مطرب، وقيل: هو صوت فيه بحح، صوت دقيق مع ارتفاع. وكل كلام متدارك متقارب في خفة هزج. فهو الخفيف المطرب من الغناء.
وكانت المناسبات المفرحة مثل الزواج تقترن بالعزف والغناء. روي أن رسول اللّه لما كان غلاماً يرعى غنماً ومعه غلام من قريش يرعى معه كذاك قال له: "لو أنك أبصرت غنمي حتى أدخل مكة: فأسمر بها كما يسمر الشباب، قال: أفعل. فخرجت أريد ذلك حتى جئت أول دار من ديار مكة، سمعت عزْفاً بالدفوف والمزامير. فقلت ما هذا ? فقالوا: فًلان تزوّج فلانة بنت فلان. فجلست أنظر اليهم "، وذكر أن من عادة أهل مكة أن يفعلوا ذلك عند الزواج. وفعل أهل يثرب ذلك أيضاً فى مثل هذه المناسبات وفي مناسبات الفرح الأخرى.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق