إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 10 يناير 2016

965 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي والخمسون فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح البغاء


965

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
    
الفصل الحادي والخمسون

فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح

البغاء


البغاء الفجور. و "البغي" الأمَةَ فاجرة كانت أو غير فاجرة، والجمع البغايا. والزنا هو الفجور، وهو عيب كبير عند العرب، فلا تقربه الحرة. أما الرجال َفلا يرونه عيباً، بل قد يتبجح بعضهم به، لأنه من أمارات الرجولة. وقد كانوا يذهبون اليهن ويتصلون بهن في مقابل أجر، وكن من الإماء، لأن المرء في الحياة لبطنه وفرجه. ومنه المثل: "المرء يسعىِ لغاريْه" أي يكسب لبطنه وفرجه.

وعرفت "البغي" ب "القحبة". قيل لها قحبة لأنها كانت في الجاهلية تؤذن طلابها بقحابها، وهو سعالها. فقد كانت من عادة "قحبة" الجاهلية أن تسعل أو تتنحنح، تراود بذلك عن نفسها، وتشعر الرجل، انها حاضرة للفجور إن أراد ذلك، فيتفق معها.

و "المسافحة"، المزاناة لأن الماء يصب ضائعاً. و "السفاح" أن تقيم امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح: وفي الحديث: "أوله سفاح واخره نكاح". وهي المرأة تسافح رجلاً مدة فيكون بينهما اجتماع على الفجور، ثم يتزوجها بعد ذلك. وكان أهل الجاهلية إذا خطب الرجل المرأة قال: أنكحيني، فإذا أراد الزنا قال: سافحيني.

ويقال للزنا: الفاحشة. والفاحشة الزانية وكل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكل ما نهي عنه،وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال. فاللفظة عامة تتناول الفحش الذي هو إلزنا كما تتناول غيره من الأعمال والخصال القبيحة. ويقال للبغي وللامة " تزنى"، ويقال لابنها "ابن تزنى" و "ابن درزة".

ولما نزلت الآية: )يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لايشركن باللهِ شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفتريه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف، فبايعهن واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيم(، وفرغ رسول الله من بيعة الرجال بمكة واجتمع اليه نساء من قريش فيهن: "هند بنت عتبة" وأخذن يبايعن الرسول، فلما وصل إلى قوله تعالى: "ولا يزنين"، فقالت: يا رسول الله وهل تزني الحرة?  

وفي القرآن الكريم آيات ذكرت الزنا في الجاهلية، من ذلك آية سورة النور: )الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة،والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين(. قال المفسرون: قدم المهاجرون إلى المدينة وفيهم فقراء ليست لهم أموال، وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن، وهنّ يومئذ أخصب أهل المدينة، فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين،فقالوا: لو إنا تزوجا منهن فعشنا معهن إلى أن يغنينا الله تعالى عنهن. فاستأذنوا النبي صلي الله عليه وسلم، في ذلك، فنزلت هذه الآية وحرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك، وقال عكرمة: نزلت الآية في نساء بغايا متعالمات بمكة والمدينة، وكن كثيرات، ومنهن تسع صواحب رايات، لهن رايات كرايات البيطار يعرفوفها: أم مهدون "أم مهزول" جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، و "أم غليظ" "أم غليظ" جاريهّ صفوان بن أمية، و "حبة القبطية" "حنة القبطية" جارية العاص بن وائل، و "مرية" جارية مالك بن عميلة. "عمثلة" بن السباق بن عبد الدار، و "حلالة" "جلالة" جارية سهيل بن عمرو، و "أم سويد" جارية عمرو بن عثمان المخزومي، و "شريفة" "سريفة" جارية زمعة بن الأسود، و "قرينة" "فرسة" جارية هشام بن ربيعة بن حبيب بن حذيفة بن جبل بن مالك بن عاصم بن لؤي، و "فرنتا" "قريبا" جارية هلال بن أنس بن جابر بن نمر بن غالب بن فهر. وكانت بريوتهن تسمى في الجاهلية "المواخير" لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذًوهن مأكلة، فأنزل الله تعالى، هذه الاية، ونهى المؤمنين عن ذلك، وحرمه عليهم".

وورد أن امرأة يقال لها أم مهدون "أم مهزول" كانت تسافح وكانت تشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة. وأن رجلاً من المسلمين أراد أن يتزوجها، ع فذكر ذلك للنبي، صلى اللّه عليه وسلم فنزلت هذه الآية: )الزانية لا ينكحها الا زان(. وكان لمرثد صديقة في الجاهلية، يقال لها عناق، وكان مرثد رجلاّ شديداً، وكان يقال له: دلدل، وكان يأتي مكة فيحمل ضعفة المسلمين إلى رسول الله، صلى اللّه عليه رسلم َفلقي صديقته، فدعته إلى نفسها، فقال: إن اللَه قد حرم الزنا، فقالت اني تبرز، فخشي أن تشيع عليه، فرجع إلى المدينة فأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله كانت لي صديقة في الجاهلية، فهل ترى لي نكاحها قال: فأنزل الله: )الزانية لا ينكحها إلا زان...). وذكر أنهن كنّ بغايا متعالمات كنّ في الجاهلية، بغي آل فلان وبغي آل فلان، فأنزل الله: لا الزاني لا ينكح إلاّ زانية أو مشركة َوالزانية لا ينكحها إلاّ زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين " فحكم الله بذلك من أمر الجاهلية على الإسلام. وورد: كان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية التي قد علم ذلك منها، يتخذها مأكلة، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة، فنهوا عن ذلك".

وفي القرآن الكريم: )ولا تكرهوا فتًياتكم على البغاء، إن أردْنَ تحصناً، لتبتغوا عَرضََ الحياة الدنيا. ومن يكرههن فإن الله من بعد اكراههن غفور رحيم(. قال المفسرون: نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبيّ المنافق، كان يكرهها على الزنا لضريبة يأخذها منها. وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم. فلما جاء الإسلام، قالت معاذة لمسيكة إن هذا الامر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين، فإن يك خيراً فقد اسكثرنا منه، وإن يلك شراً فقد ان لنا أن ندعه. فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل: ننرلت في ست جوار لعبد اللهّ بن أبيّ كان يكرههن على الزنا ويأخذ أجورهن، وهن: معاذة، ومًسيكة، وأميمة، وعمرة، وأروى، وقتيلة، فجاءت احداهن ذات يوم بدينار، وجاءت أخرى بدونه، فقال لهما: إرجعا فازنيا. فقالتا: والله لا نفعل، قد جاءنا الله بالإسلام وحرم الزنا. فأتيا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وشكتا اليه. فأنزل الله تعالى هذه الآية". وذكر أن رجلاّ من قريش أسر يوم بدر، وكان عبد الله بن أبيّ أسره، وكان لعبد الله جارية يقال لها معاذة، فكان القرشي الأسير يراودها عن نفسها، وكانت تمتنع منه لاسلامها. وكان ابن أبيّ يكرهها على ذلك ويضربها، لأجل أن تحمل من القرشي، فيطلب فداء ولده، فقال الله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم...

ويرى بعض علماء اللغة أن "المساعاة" تكون في الحرة وفي الأمة. وذهب بعض آخر إلى أنها تكون في الإماء خاصة بخلاف الزنا والعهر، فإنهما يكونان في الحرة وفي الأمة، وفي الحديث إماء ساعيَن في الجاهلية. وأتي عمر برجل ساعى أمة، وقيل مساعاة المرأة أن يضرب عليها مالكها ضربية تأديها بالزنا. وفي الحديث،: لا مساعاة في الإسلام، ومن ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته" والمساءاة الزنا. وذكر ابن فارس أن المساعاة الزنا بالإماء خاصة.

ولم تكن للمسافحة أجور ثابتة، بل كانت تتوقف على المعاملة والتراضي، وقد تكون نقداً، دنانير أو دراهم، وقدّ كون عيناً مثل برد أو أنسجة أو طعام أو ما شاكل ذلك، لقلة العملة في ذلك العهد.

ويلحق أءل الجاهلية نسب ولد المساعية بها إذا ولدت، ويكون الولد رقيقاً لمن يملك رقبة الأم إن شاء جعلهم في ملكه وإن شاء باعهم لأن الأمة وما تملك ملك للمالك. وقد تاجر ملاك الرقيق بأولاد الإماء، وربحوا من هذه التجارة ربحاً. فلما جاء الإسلام أبطل المساعاة، ولم يلحق النسب بالأمة، وعفا عما كأن منها في الجاهلية ممن ألحق بها. وفي حديث عمر: انه أتى في نساء أو إماء ساعين في الجاهلية، فأمر بأولادهن أن يقوَّ موا على آبائهم ولايسرقّوا. فصاروا أحراراً لاحقي الأنساب بآبائهم الزناةْ. وقد ورد في الحديث: "الولد للفراش وللعاهر الحجر " وبموجبه سكم الشرع على من ولد من الزنا في الجاهلية وأدرك الإسلام.

ولم يرد في نصوص المسند ذكر للزنا وعقوبة الزاني والزانية عند الجاهلين. وأقصد بالزنا هنا الزنا الذي يكون بين المحصن والمحصنة أو بين المحصن والبكر، أو بين البنت الحرة والرجل العزب أو الذي لم يتزوج، أي الزنا مع غير الإماء.

أما اتزنا مع الإماء، فلم يكن الجاهليون يعيبون الإنسان عليه كما بينت ذلك. ويظهر من بعض الأخبار الواردة عن الزنا أنّ من الجاهليين من كان يأخذ الفدية عنه. فقد روي أن رجلاً من الأعراب قام فقال: يا رسول الله أنشدك الله إلا ما قضيت بينا بكتاب الله وائذن لي. فقال رسول الله: قل: قال: إن ابني كان عسَيِفاً على هذا "وأشار إلى أعرابي..كان جاساً إلى جانبه" فزنى بامرأته فافتديت منه بمئة شاة وخادم ثم سألت رجالا" من أهل العلم، فأخروني،أنّ على ابني جلد مئة وتغريب عام. وعلى امرأته الرجم لإحصانها. فقال النبي: والذي نفسي في بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جلّ ذكره: المئة شاة والخادم ردّ عليك، وعلى ابنك جلد مئة وتغريب عام. وأغدُ يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها. وقد كان هذا الحادث بعد نزول الأمر بالرجم. فيظهر منه أن من جملة عقوبات الزنا عند الجاهليين كان أخذ فدية،وتغريب.

واختلاف وجهة نظر الجاهليين الى الزنا، هو بسبب اختلاف عاداتهم وعرفهم وتعدد قبائلهم، وعدم وجود دين واحد لهم يخضعون جميعأ لحكمه. فلما جاء الإسلام وجعل الزنا من المحرمات، تغير حكمهم عليه، وصار شرعهم في ذلك هو شرع الإسلام.

و "المواخير"، بيوت أهل الفسق ومجالس الخمارين، ومواضع الريبة.

والماخور: بيت الريبة ومن يلي ذلك البيت ويقود اليه. واللفظة من الألفاظ المعربة. يرى بعض علماء اللغة أنها معربة عن أصل فارسى "ميخور" "مي خور"، أي شارب الخمر،وذهب بعض آخر إلى أنها من أصل عربي. ولكن الصحيح أنها فارسية معربة. وقد كانت المواخير في الجاهلية موجودة في القرى والمدن وعلى طرق التجارة. حيث يأوي التجار وأصحاب الأسفار للراحة، فيجدون أمامهم تلك المواخير. ذكر عن "ابن عباس" في تفسير قوله تعالى: الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين" انه قال: كانت بيوت تسمى المواخًر في الجاهلية، وكانوا يؤاجرون فيها فتياتهنّ، وكانت ييوتا معلومة للزنا لا يدخل عليهن. ولا ياًتيهن إلا زان ".

وكان من الرجال من يتهم أزواجه بالزنا ويرميهن بالفاحشة، لأسباب عديدة، منها الرغبة في التخلص منهن أو انتقاماً من أهلهن أو عضلاً لهن، فلا يتزوجن ويحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، وقد حدثت مثل هذه الحوادث في الإسلام، فنزل الحكم فيها في القرآن الكريم.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق