958
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الحادي والخمسون
فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح
الغناء
وطرب الأعراب، طرب ساذج يتناسب مع طبيعة بيئانهم، وكذلك كان غناؤهم غير معقد ولا متنوع. أما طرب أهل الحضر، فكان أكثر تعقيداًوتفنناً ولا سيما طرب أهل، الحضر الساكنين في ريف العراق وفي بلاد الشام، وعند أهل اليمن، فاستعملوا آلات طرب متعددة، أخذوا بعضها من ألاعاجم الذين اتصلوا بهم، كما أخذوا من أولئك الأقوام ألواناً من ألوان الغناء وفنونه. هذا الاختلاف لا بد أن يقع،لاختلاف أهل الوبر وأهل المدر في البيئات، وفي الطباع والعادات.
- وللشعر علاقة كبيرة بالغناء. فالغناء هو التغني بالشعر. ولذلك قالوا: تغنى بالشعر، وفلان يتغنى بفلانة إذا صنع فيها شعراً، وله علاقة بالحداء أيضاً. قالوا: حدا به، إذا عمل فيه شعراً. فالغناء نغم ووزن ويكون لذلك بكلام موزون. وهو الشعر الذي يناسب نغم الغناء. أما النثر، فلا يناسب طبعه طبع الغناء. ويكون بينهما جفاء. إذ لا يستقيم النثر العربي مع الوزن دائماً. لذلك فلا يمكن للمغني أن يغني به. قال "الجاحظ": العرب تقطع الألحان الموزونة وألعجم تمطط الألفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل في الوزن اللحن، نتضع موزوناً على غير موزون. وذكر أن الغناء من الصوت ما طرب به.
وذكر أهل الأخبار أن الجاهليين كانوا يستمعون إلى القيان. وأن فارس كانت تعدّ الغناء أدباً والروم فلسفة. وأن الملوك العرب كانوا يملكون القيان أيضاً. ومنهم أشراف مكَة وعلى رأسهم "عبدالله بن جدعان".
وقد عرف غناء أهل البادية ب "غناء الأعراب"، وذلك لاختلافه عن غناء الحضرْ.
فكان لأهل الحيرة مزاج في الغناء نختلف عن مزاج أهل البادية، بل حتى عن مزاج غيرهم من الحضر، وذلك للظروف الخاصة الني تحيط بهم، مثل اختلاطهم يالفرس، ووجود النصرانية والمؤئرات اليونانية فيما بينهم. وقد كان في كنائس العباديين نصارى الحيرة، تراتيل وترانيم، وهي بالطبع نوع من الغذاء الروحي وقد كان عندهم خمرتبعث على الانشراح واللأنبساط، وأديرة مزدانة بالخضرة والرياحين والأزهار، وفيها ماء طيب وغناء ران وراهبات، فلا عجب إن طرب سكافها وتفننوا في غنائهم وتميزوا به عن بقية الغناء ائعربي، حتى قيل له: غناء أهل الحيرة، وقد ذكر: انه بين الهزج والنصب، وهو إلى النصب أقرب، كما كانت لهم لغة امتازت عن لغات العرب الاخرين غنوا بها، فأكتسب غناؤهم طابعاً حيرياً خاصا.
ومن مرادفات الغناء "السمود " بلغة حمير. وقيل السمود اللهو وبصورة خاصة الغناء.
وللفقهاء في الإسلام آراء في قراءة القرآن. منهم مَنْ جوّ ز قراءته بالألحان ومنهم من جوّز قراءته بالرجيع، وغير ذلك. والترجيع ترديد الصوت في الحلق في قراءة أو غناء أو زمر أو غير ذلك مما يترنم به. وقيل الترجيم هو تقارب ضروب الحركات في الصوت.
وأما "العزف" فالملاهي، واللعب بالمعازف، وهي الدفوف وغيرها مما يضرب. والعازف اللاعب بها والمغني، وعزف الدف صوته. والمعزف، ضرب من الطنابير يتخذه أهل اليمن وغيرهم، ويجعل العود معزوفا.
ويعبر عن الاستماع إلى الغناء والإنصات لصوت المغني ب "السماع". ويحدث السماع طرباً في النفس. وقد صار للكلمة معنى خاص في الإسلام، إذ حولت الى سماع الترانيم الدينية في الغالب، لذللك لم ينظر اليه نظرة الناس إلى الغناء.
وتغنى أهل الجاهلية في كل المناسبات المبهجة، وضربوا على آلات الطرب.ومن هذه المناسبات الزواج والعودة من الأسفار، كما كانوا ينذرون أنه إن تحقق مطلب لهم فإفهم يقيمون مجلس طرب يتغنى فيه: كمناسبة شفاء من مرض أوعودة من حرب.وكان شبان مكة يذهبون الى السمر ويلهون بسماع الغناء وبالضرب على الدفوف والاستماع إلى تزمير المزمار. كما اسعمل الغناء في الغزو، وذلك لتنشيط الغازين وتحريضهم على القتال. ومن هذا القبيل ما يرتجز به الشجعان عند اللقاء في الحرب. واستعمل في الختان وفي العقيقة والولائم.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق