1436
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع والسبعون
الكعبة
بقية محجات العرب
ومن محجّات العرب وبيوتها المعظمة: بيت عرف ب "بس" لغطفان، كانت تعبده. بناه "ظالم بن أسعد بن ربيعة بن مالك بن مرة بن عوف"، لما رأى قريشاً يطوفون بالكعبة ويسعون بين للصفا والمروة، فذرع البيت، وأخذ حجراً من الصفا وحجراً من المروة، فرجع إلى قومه، فبنى بيتاً على قدر البيت ووضع الحجرين، فقال: هذان الصفا و المروة فاجتزئوا به عن الحج، فأغار "زهير بن جناب الكلبي "، فقتل ظالماً وهدم بناءه. وورد في رواية أخرى ان "العزى" سمرة عبدتها غطفان. أول من اتخذها "ظالم بن أسعد"، فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال، بنى عليها بيتاً وسمّاه بسّاً، وأقام لها سدنة، فبعث اليها رسول الله "خالدَ بن الوليد"، فهدم البيت وأحرق السمرة.
وفي أخبار أهل الأخبار عن بيت "العزى"، أوهام وتناقض. فتراهم يجعلون "العزى" صنماً مرة ويجعلونها "سمرة" أو "شجرة" أو ثلاث سمرات مرة اخرى، ثم تراهم يخلطون بين البيت وبين الحرم الذي كان حوله، كما بينت ذلك في اثناء حديثي عن "العزى". والذي أراه، انه كان للعزى بيت هو " بس"، فيه صنم العزى، وكان حوله حرم، كحرم مكة، به،"سمرة" أو ثلاث سمرات، كان الناس يقدسونها أيضاً ويتقربون اليها بالنذور. وهي جزء متمم لبيت العزى. فلما أمر الرسول خالد بن الوليد، بهدم العزى، هدم البيت وحطم الصنم، فرجع، فلما سأله الرسول عنه، واستفسر منه عن السمرة أو السمرات الثلاث، وعلم منه انه لم يقطعها، أمره بالعودة اليها وقطعها اجتثاثاً لكل علامة من علائم عبادة هذا الصنم. فقطعها. فقطع عن عباّدها كل صلة لهم كانت تربطهم بذلك الصنم.
ومن محجّات الجاهليين، بيت الصنم "ذو الخلصة"، ذكر أنه كان بتبالة، وكان يسمى ب "الكعبة اليمانية"، تمييزاً له عن الكعبة التي عرفت ب "الكعبة الشامية". وذكر أنه نفسه عرف ب "الكعبة الشامية"، كما دعي ب "كعبة اليمامة"، وقد تحدثت عنه في أثناء كلامي على هذا الصنم. ولما هدم البيت والصنم بأمر الرسول،صار مكانه موضع عتبة باب مسجد تبالة. وذكر أن البيت هو "ذو الخلصة"،والصنم "الخلصة"، وقيل "ذو الخلصة: الصنم نفسه" وقد عرف البيت ب "الكعبة" كذلك، لأنه كان بناءً مكعباً. وكان بيتاً في خثعم باليمن، وكانت بجيلة تعظمه كذلك. به صنم، هو "ذو الخلصة" ونصب يذبحون عليه، ويظهر أنه كان من البيوت المعظمة الكبيرة بدليل، ما ذكره العلماء من أن الرسول قال لجرير بن عبد الله البجلي: "ألا تريحني من ذي الخلصة" فذهب اليه وأحرق البيت وهدم الصنم وكسر النصب. وذكر أن موضع "ذي الخلصة"، صار مسجداً جامعاً لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم.
وقد ذكر "أبو العلاء المعري" أن فدك كانت في الجاهلية ذات أصنام. وكانوا يقصدونها للحج، وذكر تلبيتهم لها.
وكان بيت "اللات" من البيوت المعظمة عند ثقيف. كانوا اذا عاد أحدهم من سفر، فاول ما يفعله أن يأتي "الربة"، وهي اللات ليتبرك بها. وهي الصخرة النبي كانت تعبدها ثقيف.. ولما أسلم "عروة بن مسعود الثقفي"، وعاد إلى قومه دخل منزله، فانكر قومه عليه دخوله قبل أن ياًتي الربة، يعني اللات. وفي حديث وفد ثقيف: كان لهم بيت يسمونه الربة. يضاهون بيت اللّه. وكانت ثقيف تضاهي أهل مكة، وتنافسهم على الزعامة. وكان لبيت اللات أستار وسدنة وحوله فناء معظم، يفتخرون به على من عداهم من أحياء العرب. ولأهل اليمن بيوت تعبدوا لها، وبقيت معظمة عندهم إلى الإسلام. من ذلك بيت عرف ب "بيت رئام". ذكر "ابن اسحاق" ان أهل اليمن كانوا يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون. وكانوا يعتقدون ان رئاماً كان فيه شيطان، وكانوا يملاون له حياضاً من دماء القربان، فيخرج فيصيب منها، ويكلمهم، وكانوا يعبدونه. وبيت غمدان، وقد ذكروا ان الضحاك بناه باليمن على اسم الزهرة، فجعلوه بيتاً، أي موضع عمادة، بينما هو دار حكم وبيت الملوك بصنعاء، كما سبق ان تحدثت عنه.
وذكَر بعض أهل الأخبار ان "ريام" بيت بصنعاء كان لحمير، وكان به كلب أسود. وان الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتلاه وهدما البيت. وكان "ذو الكعبات" لبكر ولتغلب ابني وائل وإياد بسنداد، وله يقول الأعشى: بين الخورنق والسدير وبارق والبيت ذو الكعبات من سنداد
وذكر انه بيت كان لربيعة، كانوا يطوفون به، وقد ذكره الأسود بن يعفر في شعره، فقال: والبيت ذي الكعبات من سنداد
فالبيت للاسود لا للأعشى على هذه الرواية.
وقد تعرض "ابن كثير" لموضوع بيوت الأصنام: اللات والعزى ومناة، فقال: " وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر، تعظمها العرب كتعظيم الكعبة، غير ان هذه الثلاثة التي تنص عليها في كتابه العزيز... قال ابن اسحاق في السيرة: وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب وتهدى لها كما يهدى للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها". وما فات من أسماء المحجات في العربية الجنوبية والشرقية وفي نجد، قد يزيد عدده على ما ذكرنا. فات عنا، لأن أهل الأخبار لم يذكروا شيناً عنها، لانصراف اهتمامهم إلى الحجاز وما كان له صلة بالإسلام، من أرضين، فحرمنا بذلك من الوقوف على أخبار المحجات في المواضيع الأخرى من جزيرة العرب.
ويحجّ الناس إلى هذه البيوت في أشهر معينة من السنة، هي الأشهر الحرم، وهي أشهر مقدسة لايحل فيها قتال ولا اعتداء على أحد،فهي أشهر هدنة وسلام، أشهر خصصت بالآلهة "، فلا يجوز انتهاك حرمتها. وفي شهر الحج الذي يحج فيه الناس إلى أصنامهم، يجتمع، الناس في المعبد لأداء الفروض المكتوبة المعينة، فيكون الاجماع اجتماعاً دينياً وسياسياً وتجارياً يتعامل فيه الناس. ويتبادلون به السلع، ويعود على أهل الموضع الذي فيه المعبد بأرباح كبيرة ولاشك. وقد ذكرت أن هذه الحرمة لم تكن عامة، فقد كان من العرب من لا يراعيها ولا يحترمها، تم إننا لا ندري إذا كان أهل العربية الجنوبية أو العربية الشرقية كانوا يعرفونها أم لا! وليست كل المعابد محجة للناس، يقصدونها في الأيام أو في المواسم. فقد كان في الموضع الواحد جملة معابد في بعض الأحيان، ولا يحج اليها، بل كانت المعابد التي يحج اليها معدودة معينة. لا بد أن تكون لها ميزة شرفتها على سائر دور العبادة الأخرى. ولهذه الميزة قصدت في المواسم من أماكن بعيدة. واذا استثنينا ما ورد عن مكة، فإننا لا نكاد نعرف شيئاً ذا بال عن المعابد الكبيرة الأخرى. ثم إن في أكثر ما ذكره أهل الأخبار عن مكة غمًوض ومجال واسع للنقد، لأنه منقول عن أفواه رجال يظهر أنهم نقلوا ما قيل لهم دون تحفظ أو تمحيص.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق