598
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ السَّابعُ والثلاثون
مملكة الحيرة
وروايات أهل الأخبار عن قتل الحارث بن ظالم لخالد بن جعفر بن كلاب، وعن قتل ابن الملك، روايات متناقضة مضطربة قلقة، والتبس الأمر فيها على الرواة، ولا سيما "ابن الكلبي" و "أبي عبيدة" اللذين هما مرجعا أكثر رواة تلك الروايات. يتداخل فيها اسم النعمان بن امرئ القيس، مع اسم النعمان بن المنذر واسم الأسود بن المنذر، وتنسب القصة مرة إلى هذا الملك،ومرة إلى ذاك. وقد تتداخل، فيذكر اسم الملك الأسود، ثم يورد بعده اسم الملك النعمان. يذكر الرواة رواية كالرواية.السابقة، جعلت الولد القتيل شرحبيل بن الأسود، وجعلت الحارث بن ظالم يسير متخفياً إلى الحيرة ليفتك بالأسود. ولكنهم جعلوه قي هذه الرواية يسمع صراخ امرأة أخذ جمع الأسود صرمة من إبلها، فتوجع لها، ووعدها على اعادة ابلها فطلب منها أن تذهب إلى موضع عينه لها، ليأتي لها بإبلها. فلما وردت ابل النعمان، أخذ مالها، فسلمه اليها، ثم فرّ يطلب له مجيراً فلم يجره أحد قائلين له: من يجيرك على هوازن والنعمان ? ويختفي اسم المنذر فجأةً في هذه الرواية، ويظهر اسم الملك النعمان كما في الرواية السابقة، ولكن دون تصريح باسم والد النعمان، وهو امرؤ القيس.
ثم تستمر الرواية فتاخذ الحارث إلى الشام، ليستجبر بيزيد بن عمرو الغساني من النعمان وهوازن، فيجيره ويكرمه، ولكنه يذبح ناقة ليزيد، ثم يقتل امرأة أرسلها يزيد لتحرّي بيت الحارث، ثم يقتل الكاهن الذي تكهن بعقر الحارث للناقة وبقتله للمرأة. فلم يبق أمام يزبد إلاّ قتل الحارث، فأمر به فقتل. وعلى هذه الصورة انتهت حياة رجل هو في نظر الأخباريين بطل من أبطال المغامرات و المفاجآت.
وأما الرواية التي تذكر أن ذلك الملك هو النعمان بن امرئ القيس فتقول إن النعمان بن امرئ القيس كان قد تزوج بنتاً من بنات زهير بن جذيمة بن رواحة العَبسْي، وهو من السادة الاْشراف، فأرسل النعمان ذات يوم إلى زهير يستزيره بعض أولاده، فأرسل ابنه شأساً، وكان أصغر ولده، فأكرمه وحباه، ورجع بهدايا وألطاف كثيرة. فلما بلغ ماء من مياه غني بن أعصر، طمع به رباح بن الأشل، فقتله، واستلب ما كان معه. فلما سمع زهير بمقتل ولده، جاء ديار غني، وأخذ يغير عليها، حتى قتل منها مقتلة عظيمة، فاستجارت غني بحلفائهم بني عامر بن صعصة، فأنجدوها. وتوسعت الحرب، فاشتركت بها هوازن، وكانت تحقد على زهير لأنه كان يسر بها خسفاً ويجبيها الإتاوة كل سنة بعكاظ، وترأس خالد بن جعفر بن كلاب غنياً وبني عامر وهوازن، فقتل زهيراً، وعاد أبناؤه بجسده ليواروه التراب. وذهب خالد بعد مصرع زهير إلى النعمان مستجيراً به حين علم أن غطفان ستطلبه به، فأجاره، وضرب له قبةّ وحماه. وبينما كان في مجلس النعمان، قدم الحارث بن ظالم إلى المجلس، وجرى بينه وبين خالد كلام، أغلظ فيه خالد على الحارث، فحقد الحارث عليه وقرر الانتقام منه، فاغتاله وهرب. فجعل النعمان يطلبه ليقتله بجاره، وهوازن تطلبه لتقتله بسيدها خالد. فلحق ببني دارم من تميم، واستجار بهم، فأجاروه على النعمان. فما علم النعمان ذلك، جهز جيشاً إلى بني دارم، فلما سمعوا بمجيء الجيش عليهم، استعدوا له، وأرسلوا أموالهم إلى بلاد بغيض، واستعدوا مع بني مالك بن حنظلة وبني عامر للقتال. فلما التقوا بجيش النعمان، قتل رئيس جيش النعمان، وانهزم الجيش. وقيل: إن الحارث بن ظالم ركب الى الحيرة متخفياً، واستاق إبلاً له كان قد استولى عليها النعمان، وقتل أحد أبنائه، وفرّ.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق