580
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ السَّابعُ والثلاثون
مملكة الحيرة
وإذا كانت مدة حكم امرؤ القيس على نحو ما ذكره ابن الكلبي وغير ابن الكلبي من رواة، فكم تكون مدة حياة هذا الملك ? إنهم لم يعينوا هذه المدة، ولكنها مدة تزيد بالطبع على هذه السنين في نظر أصحاب تلك الروايات، ولمَ لا تطول ? وقد ساروا على خطة اطالة أعمار الملوك الأولين، فملك يتجاوز حكمه مئة عام بسنين أمر لا بأس به في نظر هؤلاء الرواة.
غير اننا نلاحظ انهم بخلوا على الملوك المتأخرين، فلم يمنحوهم هذه النعمة، نعمة إطالة مدة الحكم أو مدة العمر، فجعلوا لهم مدداً مقبولة في الغالب معقولة. ولو عاش "هؤلاء المتأخرون في زمن بعيد عن اولئك الرواة، بعيد عن ايام تدوين اخبار ملوك الحيرة، لما حرمهم الإخباريون كرمهم هذا، ولأعطوهم ولا شك ما اعطوه من سبقهم من الملوك جملاً من السنين.
وقد نعت امرؤ القيس في بعض الروايات ب "المحرق"، ونعت ايضاً ب "محرق الحرب". ونصادف كلمة المحرق ومحرق وآل محرق في مواضع من التواريخ المتعلقة بالحيرة. وقد اطقها بعض الأخباريين على الغساسنة ايضاً. وهم يرون انها لقب ألحق بأولئك الملوك، لأنهم عاقبوا اعدائهم في اثناء غزوهم لهم بحرق أماكنهم بالنار. ويرى "روتشتاين" انه تفسير لظاهر الكلمة، وهو تفسير مغلوط. والصحيح في نظره انها اسم علم لأشخاص عرفوا بمحرق، ولذلك قيل "آل محرق" لا "آل المحرق".
وفي أصنام الجاهليين صنم يدعى محرق والمحرق، تعبدت له بعض القبائل مثل بكر بن وائل وربيعة في موضع "سلمان". وقد ورد بين أسماء الجاهليين اسم له علاقة بهذا الصنم، هو عبد محرق، أفلا يجوز أن يكون للمحرق إذن علاقة بهذا الصنم، كأن يكون قد اتخذ من باب التيمن والتبرك للملك الذي عرف بالمحرق أو أنه قدم قرباناً لهذا الإلهَ أحرقه على مذبحه بالنار، وكان يكثر من حرق القرابين للآلهة، وتلك عادة معروفة وقد وردت أيضاً عند العبرانيين، فقيل له لذلك المحرق ? والى هذا الاحتمال ذهب بعض المستشرقين.
ويظهر إن محرقاً كان من الشخصيات الجاهلية القديمة الواردة في الأساطير، وقد اقترن اسمه بالدروع. وورد "بردي محرق" كما اقترن اسمه ب "نسيج داوود"، مما يدل على أن هذا الاسم من الأسماء المعروفة قديماً في أساطير الجاهليين.
وقد ورد أيضاً صوت محرق وفرخ محرق، وذلك يدل على أن "محرقاً" في هذا الموضع حيوان قد تكون له علاقة أيضاً بأساطير الجاهليين.
ومما حكاه الأخباريون عن هذا الملك انه كان قد تنصر، وانه لذلك أول من تنصهر من آل نصر. وهو أمر يحتاج إلى دليل، كما ذكروا أن ملكه كان واسعاً وانه كان عاملاً للفرس "على فرج العرب من ربيعة ومضر وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق