566
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْل السّادِسُ والثَلاثون
الصفويون
ولم يكن الصفويون كما يبدو بوضوح من كتاباتهم ومن صور الحيوانات التي نقشوها على الأحجار أعراباً ممعنين في الأعرابية على نحو عرب البوادي البعيدين في البادية، حيث يقضون حياتهم فيها، فلا يختلطون بالحضر، ولا يمتزجون بالحضارة، وإنما كانوا أشباه أعراب وأشباه حضر، وربما كان تعبير "رعاة" خير تعبير يمكن اطلاقه عليهم ليميزهم عن غيرهم. فقد كان الصفويون أصحاب ماشية، لهم ابل، يعيشون عليها، ويتاجرن بها، ولهم خيل يركبونها، والخيل كما هو معروف لا تستطيع الحياة في البوادي القاحلة العميقة والرمال القليلة المياه، ولهم المعز والغنم والحمير والبقر، وهي من الحيوانات التي تحتاج إلى رعي ومراعي. ولذلك يجب أن يكون أصحابها من طبقة الرعاة. وقد كانت حياتهم حياة رعي، نجدهم في الشتاء في مكان، ثم نجدهم في الصيف في مواضع أخرى قريبة من الجبال حّيث يكون الجو لطيفاً والمياه كثيرة، ليكون في استطاعتهم الابتعاد من حر الحرار ومن سَمُوم الأرض القاحلة في الصيف، ولتستمتع ماشيتهم بجو لطيف فيه ما يغريها من خضرة نضرة ومن ماء عذب زلال.
إن في بعض هذه الكتابات تعبيراً عميقاً عن ذكاء فطري يعبر عن طراز حياة الصفويين، فكتابة مثل: "ورعى همعز وولد شهي"، ومعناها: "ورعت المعز وولدت الشياه !، أو "ورعى بقر هنخل"، أي "ورعت البقر في هذا الوادي"، أو "وقف على قبر فلان وحزن"، هي تعابير، وان بدت ساذجة مقتضبة لا يكتبها حضري، غير انها تمثل في الواقع ذكاءً فطرياً عميقاً، ونوعاً من التعبيرعن حس أهل البادية أو أهل الرعي، وهو حس مرهف فيه بساطة وفيه اقتضاب في نبتا من وحي الصحراء البسيطة الممتدة إلى ما وراء البصر على نمط واحد، وشكل لا تغيير فيه ولا تبديل. وكتابات يكتبها أناس يحيون بعيدين عن حضارة المدن، ويعيشون بين أْشعة الشمس وضوء القمر في بيوت وبر أو شعر معز لا تقي ولا تنفع الا بمقدار، لا يمكن أن تكون الا على هذا النحو من البساطة، ولكنها بساطة ذكي يحاول بذكائه التعبيرءن حياته تلك.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق