إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 5 نوفمبر 2015

42 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث إهمال التأريخ الجاهلي و إعادة تدوينه




 42

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الثالث

إهمال التأريخ الجاهلي و إعادة تدوينه

لقد حرم الإسلام أشياء من الجاهلية، واقر أشياء أخرى نص عليها في الكتاب والسنة، ولم يرد أنه حرم أقلام الجاهلية أو الشعر الجاهلي أو النثر الجاهلي أو أي أدب أو علم جاهلي، ولم يصل إلى علمنا أنه أمر بهدم المباني الجاهلية وطمس معالمها، حتى محجات الأصنام بقيت على حالها، خلا الأصنام والأوثان وما يتعلق بها من أمور مما كان من صميم الوثنية أو كانت له علاقة بإِعادتها إلى الذهن مثل التصوير. ولم نسمع أنه أمر بإِتلاف كتابات الجاهلية، أو أنه نهى عن قراءتها والاستفادة منها، أو انه منع استعمال اللهجات الأخرى، التي كان يستعملها الجاهليون، أو إن علماء الإسلام منعوا رواية أخبار الجاهلية، بل الذي نسمعه ونراه إن "ابن عباس" كان يستشهد بالشعر الجاهلي في تفسير القرآن، وبقية الصحابة يروونه ويحفظونه، وان خلفاء بني أمية كانوا يدفعون الهدايا والجوائز لمن يروي لهم الشعر الجاهلي، ونرى أنهم كانوا يقضون لياليهم برواية أخبار الجاهلية وحالتهم فيها،وما وقع لهم في تلك الأيام من نادر وطريف، وقد سجل ما بقي منه في الذهن في كتب الأخبار والأدب، يوم شرع الناس في التدوين.

و أما أنهم كانوا ينظرون إلى "الأخباري" نظرة. سيئة، فيها شيء من ازدراء وعدم التقدير، فما كان ذلك لروايته أخبار الجاهلية واشتغاله بجمع تاريخها والتحدث عنها، وما كانوا يريدون بلفظة "أخباري" راوي أخبار الجاهلية وحدها في أي يوم من أيام التاريخ الإسلامي، وإنما كان ذلك لإغراب الإخباريين في رواية الأخبار ومبالغتهم فيها مبالغة تجافي العقل، وسردهم الإسرائيليات والنصرانيات والشعبيات وغير، ذلك من القصص المدونة في الكتب،وكذب بعضهم كذباً يخالف أبسط قواعد المنطق،وما رُمي "ابن الكلبي" بالكذب أو نظر إليه نظرة ازدراء لكونه من رواة أخبار الجاهلية بل وثق في هذه الناحية وأخذ عنه دون ردّ أو اعتراض، كما يتبين ذلك من اعتماد العلماء عليه في هذا الباب و إشارتهم إليه، وإنما ضعف في. أمور أخرى هي أمور إسلامية لا علاقة لها بالجاهلية ولا صلة لها بها البتة، مدونة في كتب التفسير والحديث.

ولو كان الإسلام قد حث على طمس أخبار الجاهلية أو إطفاء ذكر الأصنام والأوثان، لما كان في وسع "ابن الكلبي" ولا غيره التحدث عنها والإشارة اليها، ولما أخذ العلماء عنه ورووا كتبه وتوارثوا كتاب "الأصنام"، بل القرآن نفسه حجة في ردّ هذا الزعم، ففيه ذكر لرؤوس أصنام العرب، وفيه مفصل حياة أهل الجاهلية ومثلهم وما كانوا يقومون به، ولو شراً وباطلاً، وروت كتب التفسير وكتب الحديث والسير والأخبار أوصاف بعض أصنام العرب وهيأتها وشكل محجاتها وأوقات الحج، كما ذكرت ما اقر الإسلام من أمور كانت قائمة في الجاهلية وما حرم منها، ولو كان الإسلام قد تعمد طمس الجاهلية والقضاء على معالمها، لتحرج القرآن وتهرج المسلمون من الإشارة إليها ومن إحياء أسمائها وبعثها في ذاكرة الناشئين في الإسلام.

وقد تحدث "ابن النديم" في كتابه "الفهرست"، في المقالة الثالثة التي خصصها "في أخبار الأخباريين والنسابين وأصحاب الأحداث"، عن "ابن الكلبي" وعن أبيه، كما تحدث عن غيره من مشاهير العلماء من أمثال "عوانة ابن الحكم" و "ابن اسحق" صاحب السرة، و "أبي مخنف" و "الواقدي" و "الهيثم بن عدي" و "أبي البختري" و "المدائني" و "محمد بن حبيب" وغيرهم ممن ألف في أمور وقعا قبل الإسلام في أمور وأحداث إسلامية محضة، وقد ضعف بعضهم، مع أنهم لم يؤلفوا في أمور تخص الجاهلية ولا في أحداث وقعت قبل عام الفيل أو قبل الإسلام. وأطلقت عليهم لفظة "أخباري" أو "وكان اخبارياً"، مع أنهم لم يكتبوا إلا في أخبار قريبة من الإسلام أو في أحداث إسلامية بحتة، فلفظة "أخباري" إذنْ لم تكن قدُ عُلّمت بالشخص الذي تخصص برواية أخبار الجاهلية الواقعة قبل عام الفيل فقط، بل قصد بها هؤلاء وكل من اشتغل برواية الأخبار مهما كانت صفتها وعادتها وطبيعتها، روى تاريخ ما قبل الفيل أو ما بعد الفيل إلى الإسلام، أو أخبار الإسلام.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق