إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 5 نوفمبر 2015

43 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث إهمال التأريخ الجاهلي و إعادة تدوينه


 43

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الثالث

إهمال التأريخ الجاهلي و إعادة تدوينه

والأخباري في عرف ذلك اليوم وقبل إن ينتشر التأليف وتتصنف المعارف، هو من يروي الأخبار، تمييزاً له عن الآخرين الذين اشتغلوا بالنسب، فعرف أحدهم ب "النسابة"، وقيل عن أحدهم "أحد النسابين" أو "وكان ناسباً"، أو بالتفسير أو برواية الشعر وما شاكل ذلك من معارف. فهو مؤرخ ذلك الزمن إذن، وهذا نرى لفظة "أخبار" بمعنى تاريخ، ورد في "الفهرست" في أثناء الحديث عن عبيد بن شرية الجرهمي ومعاوية: فسأله "أي معاوية عن الأخبار المتقدمة وملوك العرب والعجم"، وورد عن "ابن دَأب" وكان "عالماً بأخبار العرب وأشعارها" وذكر عن "عوانة بن الحكم" انه كان "راوية للأخبار عالماً بالشعر والنسب". وورد عن "أبي اليقظان النسابة" أنه كان "عالماً بالأخبار والأنساب والمآثر والمثالب". وورد مثل ذلك عن أشخاص آخرين هم في أوائل من اشتغل بالتاريخ عند المسلمين، يخرجنا ذكرهم هنا عن حدود هذا الموضوع.

ويظهر من دراسة "الفهرست" لابن النديم والمؤلفات الأخرى إن العرب في صدر الإسلام لم يكونوا يطلقون لفظة "المؤرخ" على من يشتغل بالتاريخ، ذلك لأن التاريخ نفسه في ذلك العهد لم يكن قد تطور وبلغ الشكل الذي بلغه في أواخر أيام الأمويين وفي الدولة العباسية. بل كانوا يطلقون على المؤرخ "الأخباري" كما ذكرت، لاشتغاله بالأخبار كائنة ما كانت أخبار ما قبل الإسلام أو أخبار الإسلام، وكانوا يطلقون على الموضوع نفسه "الأخبار". ولهذا نرى إن أكثرية المشتغلين بها، أطلقوا على كتبهم: "الأخبار المتقدمة" و "أخبار الماضين" و "أخبار النبي" و "أخبار العرب" و "كتاب السر في الأخبار والأحداث" وأمثال ذلك، ولم يقولوا: "تاريخ المتقدمة" أو "تاريخ الماضين" أو "تاريخ العرب" أو "تاريخ الرسول"، ويستعملون لفظة "سير ة" و "السير" في سير الأشخاص، ولا سيما "سير الرسول". و أما لفظة "تاريخ"، فقد استعملت في عنونة بعض الكتب المؤلفة في التاريخ، فقد كان ل "عوانة بن الحكم" المتوفى سنة "147ه" كتاب اسمه "كتاب التاريخ" كما كان له كتاب اسمه "كتاب سيرة معاوية وبني أمية". وكان للهيثم بن عدي المتوفى سنة "207ه" كتاب يدعى "كتاب تاريخ العجم وبني أمية" و "كتاب تاريخ الأشراف"، و "كتاب التاريخ على السنين"، وكانت للمدائني المتوفى سنة "225" للهجرة كتاب عنوانه: "تاريخ أعمار الخلفاء" وآخر اسمه "كتاب تاريخ الخلفاء" وثالث اسمه "أخبار الخلفاء الكبر"، لا أستبعد إن يكون هو هذا الكتاب.

إلا إن هذا الإطلاق لم يكن واسعاً كثير الاستعمال، وفي استطاعتنا ذكر هذه الكتب وعدّها، وما دامت الحال على هذا المنوال، فليس من المعقول إطلاق لفظة "مؤرخ" و "المؤرخ" و "تاريخ" بصورة واسعة في هذا العهد، وفي جملة العهد الذي عاش فيه "ابن الكلبي"، ما دام العرف فيه إطلاق لفظة "أخبار" بمعنى "تاريخ"، و إنما طغت لفظة "تاريخ" و "مؤرخ" في الأيام التي تلت هذا العهد، ولا سيما أواخر القرن الثالث للهجرة فما بعده.

هذا من حيث استعمال لفظة "أخباري". و أما من حيث إهمال التاريخ الجاهلي وصلة الإسلام به، فقد ذكرت أنه لا علاقة للحديث المذكور بهم الجاهلية أو بإهمال تاريخها،وإنما الإهمال هو إهمال قديم، يعود إلى زمان طويل قبل الإسلام، فعادة قلع المباني القديمة لاستخدام أنقاضها فيَ مبان جديدة، والاعتداء على الأطلال والآثار والقبور في بحثا عن الذهب والأحجار الكريمًة والأشياء النفيسة الأخرى، هي عادة قديمة جدأَ، ربما رافقت الإنسان منذ يوم وجوده. وهي عادة لا تزال معروفة في كثير من بلدان الشرق الأوسط حتى اليوم، بالرغم من وجود قوانين تحرم هذا الاعتداء وتمنع هذا التطاول. وقد كان من نتائجها تلف كثر من الآثار، وذهاب معالمها، فصارت نسياً منسياً. فتكبدت الآثار الجاهلية من أهل. الجاهلية، أي في الأيام السابقة للإسلام مثل ما تكبدته وتتكبده الآثار الجاهلية والإسلامية معاً في أيام الإسلاميين حتى اليوم.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق