41
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث
إهمال التأريخ الجاهلي و إعادة تدوينه
وهناك رواية أخرى تشرح لنا الأسباب التي حملت عمر على النهي عن رواية بعض الشعر الجاهلي، وهي انه "قدم المدينة، في خلافة الفاروق، عبد الله بن الزبعري وضرار بن الخطاب - وكانا شاعري قريش في الشرك - فنزلا على أبي احمد بن جحش، وقالا له: تحبّ أن ترسل إلى حسان بن ثابت حنى يأتيك فتنشده وينشدنا مما قلنا له وقال لنا، فأرسل إليه، فجاءه. فقال له: يا أبا الوليد: هذان اخواك ابن الزبعري وضرار قد جاءا أن يسمعاك وتسمعهما ما قالوا لك وقلت لهما. فقال ابن الزبعري وضرار: نعم يا أبا الوليد، إن شعرك كان يحتمل في الإسلام ولا يحتمل شعرنا، وقد أحببنا أن نسمعك وتسمعنا. فقال حسان: أفتبدآن، أم أبدأ? قالا: نبدأ نحن، قال: ابتدئا. فأنشداه حتى فار فصار كالمرجل غضباً، ثم استويا على راحلتيهما يريدان مكة، فخرج حسان حتى دخل على عمر، فقص عليه قصتهما وقصته. فقال له عمر: لن يذهبا عنك بشيء إن شاء الله، وأرسل من يردّهما، وقال له عمر: لو لم تدركهما إلا بمكة، فأرددهما علي... فلما كان بالروحاء، قال ضرار لصاحبه: با ابن الزبعري، أنا أعرف عمر وذبّه عن الإسلام وأهله، وأعرف حسان وقلة صبره على ما فعلنا به، وكأني به قد جاء وشكا إليه ما فعلنا، فأرسل في آثارنا، وقال لرسوله: إن لم تلحقهما إلا بمكة، فارددهما عليّ... فأربح بنا ترك العناء، وأقم بنا مكاننا، فإن كان الذي ظننت فالرجوع من الروحاء أسهل منه من أبعد منها، وان أخطأ ظني، فذلك الذي تحب. فقال ابن الزبعري: نعم ما رأيت. فأقاما بالروحاء، فما كان إلا كمرّ الطائر حتى وافاهما رسول عمر، فردّهما إليه. فدعا لهما بحسان وعمر في جماعة من أصحاب رسول الله. فقال لحسان: أنشدهما مما قلت لهما فانشدهما، حتى فرغ مما قال لهما، فوقف. فقال له عمر: أفرغت? قال: نعم. فقال له: أنشداك في الخَلا، و أنشدتهما في المَلأ... وقال لهما عمر: إن شئتما فأقيما، وان شئتما فانصرفا. وقال لمن حضره: أني كنت نهيتكم أن تذكروا مما كان بين المسلمين والمشركين شيئاً، دفعاً للتضاغن عنكم وبث القبيح فيما بينكم، فاْما إذ ابوا، فاكتبوه، واحتفظوا به. قال الراوي: فدوّنوا ذلك عندهم. قال: ولقد أدركته والله وان الأنصار لتجدده عندها إذا خافت بلاه 00".
بل كان الرسول كما رأينا في خبر "حسان"، وكما ذكر في أخبار أخرى يجلس وأصحابه يتناشدون الأشعار، ويتذاكرون أشياء من أمور الجاهلية، وهو يسمع ويساهم معهم في الحديث، وينشدهم شيئاً مما حفظه. ولم ينه عن رواية شعر ما إلا ما كان فيه فحش، أو إساءة أو إثارة فتنة، أما ما شابه ذللك، لما كان يحدثه ذلك الشعر من أثر سيئ في النفوس. لقد تمثل بشعر "أميةّ بن أبي الصلّت " مع أنه كان من خصومه اللدّ، وسمع الناس ينشدون شعره، ولم يكره منه إلا ما كان منه في تحريض قريش بعد وقعة "بدر" على المسلمين ورثائه من قتل منهم.
وقد كان "أبو بكر"، وهو الخليفة الأول، من حفظة الشعر الجاهلي، الراوين له، المتشهدين به. وكان "عمر" من العالمين بذلك الشعر الحافظين له البصرين به. وكذلك كان شأن كثير من الصحابة.لم يذكر أحد أنهم تحرجوا من روايته و انشاده، وانهم تهيبوا منه، إلا ما ذكرته من إحجامهم عن رواية بعض منه، وهو قليل جداً، لأسباب ذكرتها، وقد رووه مع ذلك و دوّنوه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق