35
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني
الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي
وجاء "نشوان بن سعيد الحميري" بملاحظات عن "المسند" هي الملاحظات التي أوردها "الهمداني" عنه فقال: المسند: خط حمير، وهو موجود كثيراً في الحجارة والقصور، وهذه صورته على حروف المعجم... وله صور كثيرة، إلاّ أن هذه الصورة أصحها. واعلم أنهم يفصلون بين كل كلمتين بصفر، لئلا يخلط الكلام. وصورة الصفر عندهم كصورة الألف في العربي.. وما قلته عن تعدد صور الحرف قبل قليل، ينطبق على ملاحظة "نشوان" أيضاً. ويظهر أن قوماً من أهل اليمن بقوا أمداَ في الإسلام وهم يتوارثون هذا الخط ويكتبون به. فقد جاء في بعض الموارد: "والمسند خط حمير، مخالف لخطنا هذا: كانوا يكتبونه أيام ملكهم فيما بينهم. قال أبو حاتم: هو في أيديهم إلى اليوم باليمن"، إلاّ أنه لم يتمكن من الوقوف أمام الخط العربي الشمالي الذي دوّن به القرآن الكريم، فغلب على أمره، وتضاءل عدد الكتاب به حتى صار صفراً.
ومما يؤسف عليه كثيرا أننا لا نملك النسخ الأصلية التي كتبها أولئك العلماء بخط أيديهم، حتى نرى رسمهم لحروف المسند. فإن الصور المرسومة في المخطوطات الموجودة وفي النسخ المطبوعة، ليست من خط المؤلفين، بل من خط النساخ، فلا أستبعد وقوع المسح في صور حروف المسند في أثناء النقل، ولا سيما إذا تعددت أيدي النساخ بنسخ أحدهم عن ناسخ آخر. وهكذا. فليس للنساخ علم بالمسند، ولذا لا أستبعد وقوعهم في الخطأ. ومن هنا فإن من غير الممكن إصدار رأي في مقدار إتقان الهمداني وبقية العلماء لرسم حروف الخط المسند. وقد أشار "الدكتور كرنكو" إلى هذه الحقيقة، إذ ذكر أن صور الحروف الحمرية في "الإكليل تختلف باختلاف النسخ اختلافاً كبيرا، فقد صوّر كل ناسخ تلك الحروف على رغبته وعلى قدرته على محاكاة النقوش، ومن هنا تباينت وتعددت، فأضاعت علينا الصور الأصلية التي رسمها الهمداني لتلك الحروف. أما رأينا في علم علماء اليمن بفهم المسند، فيمكن تكوينه بدراسة النصوص الواردة في مؤلفاتهم وبدراسة معرباتها ومقابلتها بالنصوص الأصلية المنقورة على الحجارة إن كانت تلك النصوص الأصلية لا تزال موجودة باقية، أو بمراجعة النصوص المدونة و مقابلتها بمعرباتها لترى درجة قرب التعريب أو بعده من الأصل. وعندئذ نستطيع إبداء حكم على مقدار فهم القوم لكتابات المسند. أما في حالة اكتفاء المؤلف بإيراد التعريب فقط أي معنى النص لا متنه، فليس أمامنا من سبيل غير وجوب مراجعة المعربات ودراستها من جميع الوجوه، لترى مقدار انطباق أساليبها على الأساليب المألوفة في كتابات المسند، وعندئذ نتمكن من تكوين رأي في هذا الذي ورد في المؤلفات على أنه ترجمات، ونتمكن بذلك من الحكم بمقدار قرب تلك الترجمات والقراءات من المسند أو بعدها منه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق